"الزن على الودان أمر من السحر"، مثل شعبي يعكس واقع تأثير الإلحاح باستمرار دون توقف من قبل المُصر على الوصول إلى هدفه، فالذباب من الحشرات التي تشتهر بالزن، الذي يؤدي غالبا للصداع وتغيير المزاج، هذا هو ما يحدث ويطبق على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل هذه المنصات الرقمية مصدرا خصبا لنشر الشائعات المغرضة وتدفق المعلومات المضللة التي تصب في صالح أشخاص بأعينهم، بهدف تحقيق المصالح الشخصية أو التي تهم قطاعا أو مجموعة ما، وهذا يتم تنفيذه من خلال ما يسمى باللجان والذباب الإلكتروني الذي يقوده فريق متدرب على هذه الأعمال التي تُعد من الأعمال المشبوهة، وذلك من وراء شاشات أجهزة الحاسب الآلي أو التليفونات المحمولة.
تتنوع أهداف القائمين خلف اللجان الإلكترونية ما بين خدمة فئة من المجتمع وتجميل وتحسين صورتهم بشتى الطرق، حتى لو كانت الطريقة تتبنى فكر افتعال الأزمات وإثارة الرأي العام، وأحياناً تتعدى غاية هؤلاء إلى السعي نحو تشويش العقول وتضليلها، بالإضافة إلى التلاعب بالجانب الإنساني "المشاعر والأحاسيس"، فضلاً عن صناعة المواقف المزيفة وتأجيج الصراعات والأحداث، ولكننا إذا أمعنا النظر نجد أنهم منذ البداية حتى النهاية يرفعون شعار مصلحة المنتفع فوق الجميع، وساعدهم في ذلك ما يمتلكونه من قدرة عظيمة على المناقشة والجدال بالإضافة إلى طريقة صياغتهم للمحتوى بالشكل والأسلوب الذي يروق لصاحب المنفعة والمصلحة.
تردد على الساحة المعلوماتية والرقمية مصطلح "البروباجندا الرقمية"، التي تنشر المعلومات والبيانات بأسلوب وبطريقة موجهة من جانب واحد "أحادية المنظور"، حيث يتم توجيه عدد من الرسائل من خلال المنصات الرقمية بهدف التأثير على آراء وسلوك أكبر عدد من رواد ومستخدمي هذه المنصات، فقد ظهر هذا المصطلح من أجل تحقيق أهدافه المرجوة، ومنها: تحويل الفضاء الرقمي من تواصل إلكتروني إلى ساحة حرب تقودها أسلحة من نوع خاص وهي "المعلومات، البيانات"، حيث تسعى هذه الحروب النفسية إلى تزييف الوعي وخلق واقع افتراضي يخدم أجندة المستفيدين منها.
يسعى هؤلاء الذين يطلق عليهم الجنود الإلكترونية إلى حشد التأييد من أجل تبني فكرة الإقناع برأي أو قضية معينة، ومهاجمة كل رافض أو معارض لآرائهم بأسلوب ممنهج ومدروس، من خلال التشويش وخلق نقاشات وحوارات مغايرة للواقع باستخدام معطيات وبراهين يلحون ويصممون على أنها منطقية، رغم أنها ليست حقيقية بل تم نشرها وتداولها بهدف التضليل ودعم الفكرة الرئيسية التي تتضمنها أجندتهم الخاصة، التي يستخدمون خلالها الأدوات والتقنيات الرقمية بهدف التأثير على مستخدمي المنصات الرقمية وتحقيق مهمتهم الانحيازية.
في النهاية.. أصف وظيفة اللجان الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني بالجمهور المزيف الذي يُستأجر نظير مقابل مادي لحضور مسرحية بهدف إقناع الحضور بنجاح الرواية وتميزها، من خلال تصفيقه الحاد المستمر وثنائه على أبطال المسرحية، في حين أن العمل المسرحي لا يروق للجمهور العام، هنا نجد أشخاصا يحاولون إقناعنا بآراء غير واقعية لا يتدبرها العقل السليم.
ختاماً.. بعد عرض تفاصيل هذه الحرب الخفية وأهدافها التي تكون غالباً مضللة وكاذبة، أعتقد أنه حان الوقت الآن كي نستفيق من وهم المنصات الإلكترونية وما يدور وينشر من خلالها عن مواضيع وأحداث تجدها في ظاهرها خبرا عاديا مثله مثل الكثير من الأخبار التي تنشر هنا وهناك، ولكننا إذا دققنا وتفحصنا نجد أنها تحمل في طياتها الكثير من الأمور التي يجب التصدي لها، وذلك عن طريق تجنبها وعدم تصديقها، وهنا أقول لك أيها القارئ العزيز ما أسهل طرق البحث والتحري عن كل معلومة تنشر، وإذا راودك الشك في أي منها فتجاهل ما يربكك ولا تهتم به، و"احذر الزن على الودان أمر من السحر".



