الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

أمست امي تلك الليلة منذ عام مضي في معية الله وكنفه، وقد عادت روحها إلى خالقها راضية مرضية ضاحكة مستبشرة، نعم رحلت سعيدة محلقة بروحها الطاهرة سريعا الى دارها الأبدي.

استغرقتُ وقتا في محاولة لاستيعاب هذا الرحيل ولم افلح، غير أني لم أعتد عليه بعد، نعم أرضى بما قدره الله في محاولة لأكون ممن قال فيهم تعالى "وبشر الصابرين"وليتني أكون.

 

 

يوميا أتأمل أحوالنا اليومية لأتأكد من عدم عودتها مرة أخرى لتصلح مانفسده كما تعتقد في نظام بيتها إلا أن ما افسدناه يبقى على حاله.. تغيير مكان الاشياء وتعديل نظام وطريقة الطهي وموعد غسل الملابس ومدة فتح التلفزيون وقناة القرآن الكريم التي ننهى بها اليوم وموعد النوم وسهري انا واختي وتعليقها على استيقاظنا لنص الليل كما تقول، الافطار بنكهته المعهودة وأطباق معينة لن نجدها مرة أخرى، والغداء بعد أن تأخذ رأينا وتعمل اللي هي عايزاه.. والكرملة واللبان من أولويات جدول اعمال اطفالنا اليومي معها.

 

في ذلك الحين لم يكن من السهل أن ابدو بمثل هذا التماسك الذي لم اعرف مصدره وحتى أن الحزن والبكاء رفاهية لم اتمكن من الحصول عليهما بعد رحيل أمي، فُرض على أن أظل بابتسامة تقول أن كل شيء على ما يرام، حتى لا يلحظ أبي ورغم ذلك عرف من صمتنا وفعلها، فعل ما كنا نخشاه ولحق بها، لم يكن ليتمكن من العيش دونها يوما، استطاع أن يقاوم ثلاثة أيام ليلحق بها سريعا.

 

كانت أكثرنا ثقافة ووعيا تدير شؤون المنزل بحكمة وتوفر كل متطلباته بأقل الإمكانيات لم تحرمنا يوما ولم تزد في الدلع والترف علمتنا ان القناعة والرضا كنز ليس من السهل الحصول عليهما ولكن بفضلها انا واخوتي امتلكناهما.

 

مرت سنة واحدة منذ الرحيل، تارة استشعرها وكأنها دهرا ازداد معها وحشة للقاء مستحيل، وتارة أخرى وكأنها كانت بالأمس حين رأيتهم هناك يغلقون بابا أسمنتي على قلبي الذي فقد الحياة، ويتلون صلاة جنائزية تؤنس وحدتها تلك الليلة، منذ ذلك الحين لم يختف وجع الفراق لحظة ولم أنس أو أغفل عما حدث لوهلة قليلة، كل ما كان يشغلني أنها لم تخبرني قبلا كعادتها عن أي شىء جديد اخوضه، لم تخبرني كيف سأقضي ليلتي تلك ومن سيؤنس وحدة قلبي، وما أصعبها من ليلة أدخل فيها غرفتها ولا أجدها.. أظل منتظرة في غرفتي لساعات الفجر الأولى لأنتظر اللوم علي السهر وقلة الراحة ولا أجد من يهتم لراحتي، انتظر سماع صوتها توقظني من نومي "تعالي افطري معايا وارجعي نامي تاني"، ولا أجد من يوقظني.

 

لا مثيل لك يا أمي ومهما جادت الأرض بنسائها الأخيار فلن يكن منهن من هي أطيب منك.. وجع فراقك يا أمي في قلبي لا يعلم مداه سوى الله.

 

اشتقت حقا إليك، سبعة عشر عاما مضت وأنا بعيدة عنك برغبة لم تعارضيها وايضا لم تباركيها، كنت أشعر دوما بالغربة ولكنك دوما كنت معي كظلي، الآن فقط اغتربت حقا، لا دليل لي ولا مرشد يعينني على تلك الحياة الصعبة، لا بديل عنك يجبر كسر قلبي في لحظاته الحرجة.

 

رحمة الله عليك وعلى أبي طيب الله مقامكما وجمعكما في دار نعيمه الخالدة كما جمع بينكما قبلا في دنيته الزائلة.

 

 

تم نسخ الرابط