الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

"الحياة بغير الحرية كجسم بغير روح، والحرية بغير الفكر كالروح المشوشة. الحياة والحرية والفكر، ثلاثة أَقَانِيْمَ في ذات واحدة أزليّة لا تزول ولا تضمحّل". قالها الفنان والشاعر والكاتب اللبناني جبران خليل جبران، وآمن بها ابن بلده سليم اللوزي.   

  سليم اللوزي واحد من الصحفيين اللبنانيين، للذين اقتربت منهم، مواقف الرجل تدل على جرأته وخبرته بالعالم العربي، تفوّق عما يعلمه رؤساء البلاد أنفسهم، رؤيته الثاقبة وحسن إدارته رشحاه لعرض لرئاسة الحكومة اللبنانية، ولكنه رفضه وفضل رئاسة جمهوريته الإعلامية. واحد من الرجال يُعرفون أيام الشدائد لا أيام الموائد، فهو رافض بعنف أن يكتب مجاملة لمعونة تلقاها، رجل لم يصنع التاريخ ولكن كَتَبه.     

ولأن المحنة تصنع الرجال، ولأنه من وحل الأرض، أبصر النور في مدينة طرابلس، من عائلة لم يمارس فيها الكتابة غيره، متنقلًا في رحلته من الدراسة في مدرسة صنائع، مسافرًا إلى يافا في فلسطين، باحثًا عن آفاق جديدة ككاتب للتمثيليات الإذاعية بإذاعة الشرق الأدنى، وإلى مصر ليعمل بمجلة روزاليوسف، واستبعد بعد انتقاده لرئيس وزراء مصر، ليعود إلى بيروت ويكتب لجريدة "الصياد". برز قلمه، ولمع لينتقل بعدها لجريدة "الجمهور الجديد"، وأخذ من "دار الهلال" مقرًا له، مرسلًا لمجلتي "المصور" و"الكواكب"، حتا أصدر العدد الأول من مجلة "الحوادث" بعد أن حصل على امتيازها.. عام 1957 انتقلت "الحوادث" إلى خط المعارضة، وفي 30 أيار/ مايو 1957 صدرت مذكرة بتوقيفه ردًا على مقال لاذع، وصودرت الأعداد وردّ وقتها بشعار "لن أركع".. وفي عام 1973 كان "اللوزي" من المدافعين عن حرية وسيادة لبنان. ومع دخول الجيش السوري إلى لبنان اشتدت معارضته متخذًا منحى قاسيًا معارضا للنظام السوري، واضطر إلى السفر واصدار المجلة من لندن هربًا من التهديديات والمضايقات.

  كانت الحوادث موعدًا ينتظره الناسّ كل يوم جمعة، وغالبًا ما كان ينفذ من المكتبة في اليوم ذاته، فيطالب صاحبها بمزيد من الأعداد، وكثيرًا ما كانت إدارة التوزيع قادرة على تلبية المكتبات.     

من أجمل واطرف ما حكي كوُجهة ساطعة عن اللوزي، زيارة أحد السفراء العرب لمكتبه بالمجلة بعد أسبوعين من عودته من السفر ولقائه أحد القادة العرب مستفسرًا عن غياب مقال للأستاذ عن ذاك القائد الذي قدّم دعمًا للحوادث، فأجاب اللوزي بشمم "قُل لسيَّدِك إني قبلت هديتَه لا كي أَكتب عنه بل كي أسكت عنه".  

  وبعد انتخَابْ الرئيس الياس سركيس رئيسا للجمهورية اللبنانية خلفًا للرئيس سليمان فرنجية، وبدأ في الاعداد لتشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيسًا لها، اختار سليم اللوزي لرئاستها. وعن هذا الاختيار حكي الزميل الصحفي اللبناني هنري زغيب في مقال له:   

  "وصلتُ إلى مكتبي في المجلة ذات صباحٍ من أَواخر أَيلول/ سبتمبر، فسمعتُ همسًا بين الزملاء: "سنخسر الاستاذ على رأْس المجلة". وإِذ استفسرتُ قالوا لي إِن الرئيس سركيس استدعاه صباحَ ذاك اليوم إلى القصر الجمهوري طالبًا إِليه تَوَلّي رئاسة الحكومة.  

  وصدَف نهارئذٍ موعدُ اجتماع التحرير الأسبوعي، وكنا نتوقَّعُ أَن يترأَّس الاجتماع نائبُ رئيس التحرير الزميل الكبير وليد عَوَض (صاحب مجلة "الأَفكار" فيما بعد)، غير أَننا ما إِن دخلنا إلى غرفة الاجتماع حتى فوجئنا بـ"الأستاذ" يدخل ليترأَّس الاجتماع كالعادة بشكل طبيعي. ولدى سؤَال الزملاء عن الموضوع، ابتسَم بنظرةٍ وُاثقة: – صحيح. الرئيس سركيس صديق أَحترمه كثيرًا، وهو يبحث عن رئيس حكومة من خارج نادي الرؤَساء التقليديين. استدعاني ليستأْنس برأْيـي في ترَؤُّس أول حكومة في عهده. غير أَنني اعتذرتُ وشكرتُه على بادرته النبيلة. استفسر الزملاء عن سبب اعتذاره فجاء جوابه قاطعًا كومضة بَرق: – أَنا الأَول على رأْس إمبراطورية وسع العالم العربي اسمها "الحوادث". أَتريدون أَن أَكون في مقعد الرئاسة الثالثة في ظِلِّ حاكم؟

   وبقي على احترام كبير للرئيس سركيس الذي أَصَرَّ على فكرته بتعيين مَن هو خارج نادي الرؤَساء، فجاء لرئاسة الحكومة بزميلٍ له سابقٍ في المصرف المركزي: الدكتور سليم الحص.

  لقائي الاول به بدأ في اجتماعات هيئة التحرير بمنزله في واحدة من أرقي المناطق السكنية وأغلاها في سلون افينيو Sloane Avenue. في اجتماعنا الأول التقيت مع سليم نصار وريمون عطا الله وانطوان حيدر وابراهيم عوض وآخرين تخونني الذاكرة عن تذكرهم. على طاولة في غرفة طعام الاستاذ، رحبت بنا زوجته السيدة أمية اللوزي، ثم دخل اللوزي ماردًا رغم قامته المربوعة، جلس على رأس المائدة الرجل الذي يحترمه الملوك ويهابه الرؤساء، يسأل عن موضوعات العدد، وعندما يعرض مدير التحرير ريمون عطا الله أي موضوع أو مقابل يعاجَلّه بمقدمة للموضوع أو بفكره عنه أو بمعلومة عمَّن سيُجري معه المحررُ الحوار، مُذهلًا، موسوعيًا، مطِّلعا على الخفايا والأسرار، يملك كنزًا من المعلومات تُغْني وتضيف لأي موضوع أو مقابلة أو مَادْةُ تحريرية، مهتمًا بما يسميه الجزء الخلفي للمجلة، وهو يقصد الجزء غير السياسي، مشاركا بالرأي أو المعلومة أو حكاية، خصوصًا في المواضيع الفنية، فقد بدأَ حياته الصحافية محررًا فنيًا، ويعرف الكثير من أخبار النجوم، لا سيما أنه صديق شخصي لمحمد عبد الوهاب، وفيروز وصباح، وديع الصافي ويوسف وهبي وسعاد حسني وآخرين. كان اللوزي باحثًا كل أسبوع عن سبق صحفي، وتأَكْد لي في أكثر من اجتماع أن سر نجاح المجلة فيما يضيفه سليم اللوزي لمواد المجلة. وسر استمرار الحوادث بهذه الانطلاقة الناشبة. 

  تجربة غنية تعايشت فيها مع نجوم وأقطاب القلم ومبدعي الصحافة اللبنانية المهاجرة من فريق الحوادث، تصادقنا وآنست إلى صحبتهم اتذكر منهم سليم نصار، ريمون عطا الله، نشأت التغلبي، هدى الحسيني، محمد عبد المولى، جابي طبراني انطوان حيدر، جلال كشك، دافيد بيشاي، عبد الكريم الخليل، اليكس أيوب، سليمان فرزلي، حسين قدري، صابر كامل، الياس حرفوش، إبراهيم عوض، نبيل أبو حمد. وأحمل عنها الكثير من الحكايات.. سأحكيها.

 

تم نسخ الرابط