الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

من عرفوه وعملوا معه عرفوا عنه بالقول ".. إن صوته ماردًا ورأْيه ماردًا وقراره ماردًا. حين يضحك، كانت خلف ضحكته مهابةُ رئيس التحرير. وحين يُزمجر غاضبًا، كانت تبقى خلف زمجرته لمسةُ حنان تُعيده إلى هدوئه. تلك، في أحد ملامحها المركَّبة، شخصية سليم اللوزي".

 

 

كان «سليم اللوزي» من ألمع الصحفيين اللبنانيين وأكثرهم جرأة في فتح ملفات القضايا الساخنة، وكان محبًا لمصر وتربطه صداقة مع الرئيس جمال عبد الناصر ومع الرئيس أنور السادات، وأجرى معهما أحاديث صريحة عن الهموم العربية. 

 

وعندما نشبت الحرب الأهلية في لبنان، وتعرض مبنى “الحوادث” للحريق، اضطر "اللوزي" إلى الخروج والإقامة في لندن بسبب التهديدات بقتله، لكنه لم يتخل عن قلمه الجريء في مواجهة الفتنة الطائفية، وكانت القوات السورية قد دخلت لبنان تحت غطاء “قوات الردع” لوضع حد للاقتتال الذي استمر سنوات وراح ضحيته الآلاف، وتم بعد ذلك الانتشار العسكري والمخابراتي السوري في بيروت، وكان "اللوزي" يشعر بالألم النفسي لما آل إليه حال لبنان، وكان يعبر عن ذلك خلال المقابلات في القاهرة، متسائلًا: من قتل الفرح الناعم في عينيها الخضراوين ومرددًا من أشعار صديقه نزار قباني:

من شطبَ وجهها بالسكين؟

وألقى ماء النار على شفتيها الرائعتين؟

من سمَّم ماء البحر، ورشَّ الحقد على الشطآن الوردية؟

من قتل فيها امرأة كانت تُدعى الحرية؟

ان رجلًا في قلب العاصفة. رجل عاصفة اسمه سليم اللوزي. تدخُل عليه وأَنت في تهيُّب من رجل كان يومها حديثَ البلد، وموضعَ ثقة الناس وإعجابهم لجرأَته التي كم تَهيّبَها حُكَّامٌ ومسؤُولون في كل العالم العربي. دائمًا منهمك بين أَوراقه على مكتبه، ويجيب عن رنين الهاتف عدة مراتٍ في الدقيقة الواحدة.         كان اللوزي من الشرفاء الذين يعافون المناصب، وما حكيته عنه في مقال سابق ورفضه لمنصب رئيس وزراء لبنان يؤكد عشق هذا الرجل لمهنته. يجمع حوله كل الكفاءات الصحفية، أمثال نبيل خوري الذي فارق الحوادث وقت الحرب، المايسترو الذي تسلم إدارة تحرير الحوادث بعد نكسة 67، أدارها في تناغم وبحرفية شديدة مع مجموعة من الكفاءات في تناغم متجانس وايقاع واحد ليقدم تجربة رائدة ونادرة في الصحافة العربية، انطلقت بها الحوادث للآفاق الواسعة، ورغم أنه فلسطيني الهوية خدم القضية الفلسطينية ببذل لا حدود له وتعرّض مرات للمخاطر ليسهم في استعادة الأرض لأصحابها، فقد كان قلمه مشحونًا لخدمة لبنان والقضايا العربية. 

 

كلما لاحت مناسبة وطنية تطوع لأن يكون المدافع والفداء، جريء في كتاباته، الحرب اللبنانية أرغمته على ترك الحوادث ليؤسس ويرأس تحرير مجلة "المستقبل" في باريس.

   خوري بدأ حياته مديرًا عامًا للبرامج في الإذاعة اللبنانية في عهد الرئيس فؤاد شهاب، قبل أن يعمل بالصحافة، وجذبت كتاباته للافتتاحيات في الأهرام والنهار والمستقبل جذبت وخلقت له جمهورًا من القراء لا حصر له في العالم العربي، وهو أديب وقاص وإذاعي معروف، نشرت له حتى الآن عشرة مؤلفات في القصة والرواية والمقالة آخرها «رأي في 3000 يوم» لم يصدر، حيث جاء نبيل يومها إلى بيروت لتصحيحه والاطلاع على بروفات الطباعة، إلا أنه أصيب بانهيار مفاجئ لحظة وصوله إلى مطار بيروت نقل على أثرها إلى المستشفى، وقد ساءت حالته ودخل في غيبوبة لمدة عامين إلى أن فارق الحياة.          ورثاه رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري في كلمة بعنوان «نبيل رحل» وجاء فيها: «رحل المقدسي العربي نبيل خوري الرجل الصحفي الكاتب. احتضن هموم الوطن الواسع في حياة حفلت بالعطاء، رغم هموم العيش في غربتين. كان يقول دائمًا إنه عاش في غربتين: الأولى عندما خرجت من القدس، والثانية عندما خرجت من بيروت.. غدرت به الكوما فلم تمهله فسحة لوداع الأحبة والأصدقاء. هذا الذي كان يملأ المكان حياة وضحكًا وحيوية، المحتل صفحات الصحف ودور النشر وبرامج الإذاعات، العاشق للحرية والقلم. لم يقل لأحد وداعًا.          لعله غفا مطمئنًا إلى أن ضوء «المصباح الأزرق» سيبقى مضيئًا الطريق «ليلة القبض على الصحافي».           المزيج المدهش من سليم اللوزي صاحب (الحوادث) اللبنانية، الجرأة والتحقق ونبيل خوري العطاء، سليم نصار وهدى الحسيني بتحليلهم السياسي العميق وراجح الخوري المحلل الرصين والكلمة الجريئة، الواسع الثقافة والاطلاع، والشاعر والأديب هنري زغيب وقسمه الثقافي قبل أن تنتقل المجلة للندن، ريمون عطا الله وأنطوان حيدر في "مطبخ" المجلة أصحاب النكهة المميزة لصفحات المجلة الرشيقة، نشأت التغلبي محرر الشؤون العربية، ومحمد جلال كشك، ذلك العائد من أشتات الماركسية إلى رحاب الإسلام وهو شديد الاعتزاز بحسبهِ ونَسبهِ من أعرق أسرة أرستقراطية. كان أبوه قاضيًا في المحاكم الشرعية.         جمعت سليم اللوزي بجلال كشك علاقة خاصة، فهو الذي احتضنه في بيروت بعد أن أغلقت جميع النوافذ أمامه في مصر، وأصبح بلا عمل في السبعينيات، فضمه اللوزي لأسرة مجلة "الحوادث"، لكن كثيرًا ما كانوا يختلفون في الرأي وأسلوب العمل مما يغضب اللوزي، لكن كشك عنيد. ومع اعتزاز جلال بآرائه وأفكاره كان أشدّ وأعنف، فالويلُ الويلُ لمن يخالفه الرأي، بلْ الويل- كل الويل- لمن يقطع حديثه!           كشك كان صحفيًا قديرًا، وهو أحد نجوم مجلة «الحوادث» اللبنانية التي صنعها باقتدار الصحفي اللبناني الراحل سليم اللوزي. كان كشك يكتب أكثر من موضوع في العدد الواحد، يوقّع واحدًا باسمه، والأخرى يوقعها بقلم «ج. ك.». وكانت موضوعاته جزءًا من أهمية مجلة «الحوادث» أيام عزها، فضلًا على أن محمد جلال كشك كان باحثًا جادًا ومختلفًا، وهو من أهم الكتّاب المصريين، لكن حظه فيها لم يكن يليق به. فقد استبعد بسبب نقده لثورة يوليو، على الرغم من أنه أغنى المكتبة العربية بكتب قيّمة، مثل: «السعوديون والحل الإسلامي»، و«دخلت الخيل الأزهر» و«الحوار أو خراب الديار»، الذي صدر خلال المواجهات مع الإسلاميين، وغيرها من الكتب المهمة، فضلًا على أنه عاش حياة صحفية وفكرية ثرية ومثيرة.         معرفتي بجلال كشك تعود لأيام بيروت، واقتربت منه أكثر بعد أن انتقل إلى لندن مع الحوادث، عندما لجأ لي لطباعة كتابه "السعوديين والحل الإسلامي- مصدر الشرعية للنظام السعودي" الذي صدر عام 1981.. كتاب تاريخي، تحليلي.. منحازًا لآل سعود وصادرًا في المملكة وتحت رعايتها وإشرافها، ووزع على العاملين بكل وزارات المملكة مجانًا، في مجلد فاخر يضم 800 صفحة من القطع الكبير، طبعته بمطابعي في لندن، رغم اختلافي معه في الكثير من آرائه، تعاملت معه كعميل أتى إلى مطابعي، ومع الكتاب شأنه شأن أي مطبوعة أخرى أتعامل معها، بصرف النظر عن التوجهات العقائدية أو الدينية أو السياسية، ومن معتقد أن الطباعة عبارة عن صناعة تتعامل مع أي إنتاج فكري بشكل مجرد، دون التدخل في محتواها والمعتقدات التي تحملها ولا الترويج لها أو تسويقها.. بيعت النسخة من كتاب كشك بمائة ريال سعودي، وهو مبلغ ضخم بأسعار الثمانينيات. 

 

تم نسخ الرابط