الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

تعتبر المقومات الثقافية أحد المقومات المهمة التي يقوم عليها المجتمع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل هذه المقومات، وقد أكد الدستور المصري في مادته الخمسين على أن تراث مصر الحضاري والثقافي بجميع تنوعاته، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وتلتزم أيضا الدولة المصرية بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية، كما نصت أيضا المادة (٤٧) من الدستور المصري على أنه: "تلتزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة".

 

وهذا يعني أن المشرع العادي وأقصد هنا السلطة التشريعية لا يمكنها سن أي قانون يتجاهل هذه النصوص الدستورية، ولا يمكن إطلاقا لهذه السلطة أن تتجاهل التراث المصري الحضاري والثقافي بكل مراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ويجب أن يكون أي قانون معبرا عن ذلك، ولا يمكن القبول بوجود أي تشريع يميز بين أنواع التراث الحضاري والثقافي أيا كانت المرجعية، لأن في ذلك انتهاكا صارخا للنصوص الدستورية التي صاغت المقومات الثقافية بطريقة تحمي بها كل أشكال التنوع الثقافي في مصر، وتحافظ على الهوية الثقافية المصرية بكل روافدها ومصادرها.

ولا ريب أن التخلي عن الهوية الثقافية والمساس بها يعد البداية نحو انهيار الأوطان، وضياع مقوماتها الثقافية، فليس مقبولا أن نفرض على المجتمع نمط ثقافي معين لا يتناسب مع قيم هذا المجتمع وتقاليده وثوابته، وليس مقبولا أيضا أن ننحاز لثقافة معينة تعود إلى مرجعية معينة دون الاكتراث بالروافد الأخرى الموجودة في المجتمع، لأن عدم الإيمان بذلك قد يؤدي حتما إلى صراع ثقافي،  ولا يقود إلى حوار ثقافي يأخذ في حسبانه التعددية الثقافية، واحترام الآخر أيا كانت ثقافته!

وإذا كان الدستور المصري قد أكد على ضرورة احترام التنوع الثقافي، فإن السؤال الذي يجب طرحه في هذا الصدد يتعلق بدورنا في المجتمع، وما ينبغي أن يفعله كل إنسان كي نحافظ على قيمنا الإنسانية، وعلى تراثنا الثقافي والحضاري، باعتبار ذلك يشكل ثروة قومية إنسانية يجب الحفاظ عليها، وألا نترك عبء ذلك على الدولة وحدها!

 فلا يمكن لأي دولة أيا كانت سلطاتها، وأيا كانت قوتها، أن تحافظ على تراثها دون إيمان المجتمع بذلك، وأن يسعى كل إنسان في هذا المجتمع نحو احترام أنماط الثقافة المتنوعة، والحفاظ على التعددية الثقافية، وأن يؤمن بأن ذلك يعد أهم الوسائل للحفاظ على التماسك الاجتماعي وحمايته من عوامل التفكك والانهيار، التي يعتبر من أهمها عدم مراعاة ثقافة الآخر، وعدم احترام القيم الإنسانية بروافدها الحضارية والثقافية المتنوعة!

وتجدر الإشارة إلى أن ما يحدث من صراعات في بعض الدول المجاورة، يرجع إلى عدم احترام التنوع الثقافي، مما أدى إلى تفاقم هذه الصراعات وطرد ثقافة الحوار من أجل البناء، ومن أجل الحفاظ على النسيج الوطني، لأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال حماية هذا النسيج إلا إذا شعر الجميع بالمسؤولية تجاه الوطن، وأن مقدرات هذا الوطن والحفاظ عليها يكون مرهونا باحترام بعضنا للبعض الآخر! 

وعلى كل إنسان أن يفهم جيدا أن البقاء في دائرة المعنى الإنساني، يتطلب أن نعي وندرك الدور الحقيقي الذي ينبغي على كل واحد منا القيام به في المجتمع، وأن يكون هناك تعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تؤمن بحق بأهمية العمل من أجل الحفاظ على وحدة الوطن، من خلال نشر ثقافة قبول التعددية الثقافية في هذا الوطن، وأن يعمل الجميع من أجل بناء وعي حقيقي يساهم في احترام ما نص عليه الدستور المصري بشأن المقومات الثقافية، وأن نخرج من دائرة النظرية والنصوص إلى دائرة التطبيق على أرض الواقع، وأن ندرك جيدا أن بقاء الأوطان متماسكة يتوقف على الإيمان بالتنوع الثقافي الذي لا يمس الثوابت والقيم المجتمعية!  

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط السابق

تم نسخ الرابط