من مقاعد المتفرجين أحدثكم.
أموت كمدًا مصري الهوى والهوية وأنتشي فخرًا عربي القومية،
وأنا أشاهد السعودية تهزم أرجنتين "ميسي"، وتونس تهزم فرنسا "مبابي"، وأسود الأطلسي -المغرب- يلتهمون الماتادور الإسباني، ثم يعبرون على أجساد الدون كريستيانو رونالدو ورفاقه إلى الدور قبل النهائي في كأس العالم، ليحصدون المركز الرابع في إنجاز عظيم لم تكرره دولة عربية أو إفريقية.
وُلدت ولم يكن في جعبة مصر سوى مشاركة يتيمة في ثاني نسخ المونديال عام 1934 في إيطاليا.
تلك المشاركة التي لم تنجح دولة عربية أو إفريقية في تكرارها إلا بعد 36 عامًا، بمشاركة المغرب في مونديال 1970 بالمكسيك.
منعتني سنوات الطفولة الأولى من متابعة كأس العالم 1990 ومشاركة مصر الثانية بعد 56 عامًا.
لم أعرف مجدي عبدالغني ولا هدفه الشهير في هولندا الذي زيف به التاريخ لسنوات طوال حافرًا اسمه في ذاكرة الأجيال -عنوة- على حساب الخالد الحقيقي عبدالرحمن فوزي نجم النادي المصري، وصاحب أول هدفين في تاريخ مصر والعرب وإفريقيا في كأس العالم أمام المجر عام "34".

كوابيس المونديال
من قلب بلاد الحرمين حيث كان يعمل والدّي عرفت كأس العالم يافعًا مع منتخب السعودية في مشاركته الأولى عام "94".
عشقت جلاد الحراس ماجد عبدالله، وسحرني العويران وهدفه "المارادوني" في شباك بلجيكا. نسخة مشرفة للصقور الخضر.
لكن فؤادي الذي نقّلته لم يرض إلا أن يكون للحبيب الأول.. "مصر".
لم تقنعني إجابة أمي عندما سألتها عن غياب مصر عن كأس العالم"94".
(طوبة!) علمتني أمي ألا أمسك "الحجارة" حتى لا تخرجني عن أخلاقي، ونهتني عنها لتصح صلاة الجمعة، لكنها لم تعلمني يومًا أنها تُخرج من كأس العالم! سألت نفسى يومها ببراءة أهذا الحجر القادم من مدرجات استاد القاهرة من حجارة سجيل؟!
6 نسخ من كأس العالم غابت عنها مصر "سيدة إفريقيا" أتألم في كل مرة يتبخر فيها الحلم.
أهرب من "الدرس الخصوصي" إلى مقهى لأشاهد جورج ويا القادم من بلدة ناشئة في الغرب الإفريقي تحطمها الصراعات الأهلية، يحطم آمالنا في التأهل لنسخة 98 عبر ثغرة الحضري.
أستبشر بعودة الجنرال العظيم الجوهري -صانع 90- للمرة الرابعة في 2002، فأكتوي بنار المغرب والجزائر اللذان حرقا قلوب المصريين مجددًا.
بعد أن أصيب محمد عمارة بالعمى المؤقت أمام المرمى الخالي، ووجه الكرة إلى سماء كانت تريد فريقًا آخر في كأس العالم.
في 2006 الكاميرون وكوت ديفوار تصارعا على قتل حلم المصريين في الوصول لكأس العالم. صعد الفيل "دروجبا" بكوت ديفوار بمساعدة الفاشل «تارديلي» مدرب منتخبنا الذي اكتفى بإقصاء الكاميرون.

3 بطولات إفريقية على التوالي بقيادة المعلم شحاتة، وجيل ذهبي دخل التاريخ إلا من كأس العالم دفعا الشعب المتعطش إلى الحلم بتذكرة "البافانا بافانا" في أول بطولة كأس عالم تقام في إفريقيا.
بداية سيئة أمام زامبيا ونهاية أسوأ في «أم درمان» للحلم والعلاقات الجزائرية المصرية!
ثورتان مصريتان تنشدان التغيير وثورة ثالثة في نفوس جمهور الكرة الذي حُرم الملاعب، ولم يتبق له إلا الشاشات. يحلمون باسم صلاح و أبوتريكة في وداعه الأخير بجوار ميسي ورونالدو في كأس العالم.
يعرف الجميع أن الليلة ليست كالبارحة. مصر "الكروية" لم تعد مصر، أنهكتها التجارب، وغابت عنها الشمس الإفريقية، لكننا تعلقنا بالحُلم عله يفعلها الأمريكي برادلي كما تفعل أمريكا كل شيء!
صدمة مدوية بمقدار 6 أهداف أمطرتنا بها غانا، لنستفيق على واقع مرير، ونتأكد جميعًا أن الأمريكان لا يستطيعون تغيير قوم إلا إذا غيروا ما بأنفسهم.
ليفعلها أخيرًا الأرجنتيني هيكتور كوبر بعد 28 عامًا، و يقود جيلاً يتيمًا، أبعد الاعتزال كباره. بأداء ولا أسوأ، ونتائج ولا أروع أعادت مصر إلى حضن إفريقيا الكروي وإلى كأس العالم روسيا 2018.
مشاركة هزيلة و 3 هزائم عادت بي وبالشعب المصري إلى نقطة الصفر. تبعها فشل جديد في التأهل لكأس العالم 2022 على يد السنغال -ظلمًا وعدوانًا-

التناقض سيد الموقف يكاد أن يفتك برأسي.
مصر منبع الكرة في إفريقيا التي تأسس اتحادها عام 1921. مؤسسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وأول دولة عربية وإفريقية تنضم للفيفا عام 1923، و تشارك في كأس العالم 1934.
يكون رصيدها في مشاركات كأس العالم عبر 92 عامًا و 22 نسخة من المونديال 3 مشاركات فقط !
في مقابل 8 مشاركات للكاميرون و 7 مشاركات لنيجيريا و 6 مشاركات للمغرب وتونس والسعودية.
مصر كبيرة إفريقيا التي يتسيد منتخبها القارة السمراء بـ 7 ألقاب، وتتسيد أنديتها وعلى رأسها نادي القرن الإفريقي "الأهلي" بطولاتها الإفريقية بـ 24 لقب من بينها 10 ألقاب لبطولة دوري أبطال إفريقيا بمسافة كبيرة عن أقرب منافسيه "الزمالك" المصري أيضًا.
يكون رصيدها صفر من الانتصارات في كأس العالم من أصل 7 مباريات، ما بين 5 هزائم وتعادلين.
في مقابل 6 انتصارات للمغرب ونيجيريا، و 4 انتصارات للسعودية، و 3 انتصارات للجزائر وتونس في كأس العالم.
"السيستم واقع"
غيرنا كل شيء اللاعبون، المدربون، وإدارات الاتحاد و الفشل مازال ملازمًا لنا.
4 مجالس إدارة و5 مدربين تعاقبوا على إدارة الكرة المصرية في 5 سنوات فقط –
العنصر الوحيد الذي لم يتغير طيلة السنوات الماضية برغم اختلاف الوجوه.. هو السيستم!
سيستم العشوائية والقرارات الفردية، سيستم جمعية عمومية لاتفرز الأفضل، سيستم بالحب والمجاملات، سيستم أهلي وزمالك هم فيه الأقوى، سيستم لايعرف العلم ولا التخطيط، سيستم مسابقات لايخدم الكرة المصرية ويخدم فقط مصالح الأندية والشركات الراعية.
إذا أردنا ان نعرف بيت الداء علينا أن ننظر إلى هذه الأرقام
دولار "فشنك"
على مستوى الدوريات والأندية: الدوري السعودي يضم 16 ناديًا و 570 لاعبًا من بينهم 136 لاعب أجنبي. شارك منهم 35 لاعبًا في كأس العالم ممثلين لـ 6 منتخبات.
و الدوري المغربي يضم 16 ناديًا و 534 لاعبًا من بينهم 83 لاعب أجنبي. شارك منهم 3 لاعبين ممثلين لأسود الأطلسي.
بينما الدوري المصري يضم 18 ناديًا و 607 لاعبًا من بينهم 96 لاعب أجنبي. لم يشارك منهم في كأس العالم سوى لاعبين ممثلين لمنتخب تونس هم علي معلول وسيف الجزيري.
وهو ما يعطي مؤشرًا واضحًا لضعف جودة المحترفين الذي يتقاضون "بالعملة الصعبة" في بلد تعيد بناء نفسها من جديد.

صفر المنافسة
قوة المنافسة في المسابقة المحلية تنعكس بالإيجاب على قوة المنتخب خاصة في ظل قلة المحترفين.
في السعودية في العشرين سنة الأخيرة تناوبت 6 أندية في الفوز بالبطولة الرئيسية الدوري. هم الهلال، والنصر، والاتحاد، والشباب، والأهلي، والفتح.
أما في المغرب فتناوبت في العشرين سنة الأخيرة 8 أندية في الفوز بالبطولة هم: الرجاء، والوداد، والجيش الملكي، والمغرب التطواني، وحسنية أغادير، واتحاد طنجة، والفتح الرباطي، و أولمبيك خريبكة.
بينما في مصر في العشرين سنة الأخيرة بقيت المنافسة على بطولة الدوري منحصرة بين الأهلي الفائز ب13 بطولة والزمالك الفائز بـ 5بطولات.
-الإحصائيات كاشفة وصادمة أيضًا-

أوروبا تصنع الفارق
على صعيد المنتخبات تمتلك المغرب 389 لاعبًا محترفًا موزعين بين 40 دوري حول العالم. على رأسهم الدوري الإنجليزي، والإسباني والإيطالي والألماني والفرنسي بدرجاتهم المختلفة.
في مقابل 62 لاعبًا محترفًا فقط تمتلكهم مصر موزعين بين 28 دوري حول العالم.
-بحسب موقع Soccerway-
المنتخب المغربي صاحب المركز رقم "22" في تصنيف "فيفا" والذي تتخطى قيمته التسويقية 241 مليون يورو، ضم 23 محترفًا من أصل 26 لاعبًافي قائمة كأس العالم يمثلون أندية الصفوة مثل باريس سان جيرمان، وبايرن ميونخ، وتشيلسي، ومارسيليا. بمتوسط أعمار 26.2 عامًا.
بينما المنتخب المصري صاحب المركز رقم "39" في تصنيف "فيفا" والذي تخطت قيمته التسويقية 131مليون يورو، ضم 8 محترفين فقط من أصل 24 لاعب في القائمة التي واجهت بلجيكا وفازت عليها مؤخرًا. على رأسهم صلاح ليفربول، والنني أرسنال، ومرموش فولفسبورج الألماني، بمتوسط أعمار 28.6عامًا.
-بحسب Transfermarkt -

الفوارق الشاسعة والواضحة بين الكرة المصرية والمغربية، وحتى السعودية لم تأتي وليدة الصدفة.
صحيح أن وليد الركراكي قاد المغرب لرابع العالم بمقولته الشهيرة "ديروا النية" لكن المؤكد أن نجاحات الكرة المغربية لم تكن فقط بالنوايا الحسنة وإنما بتخطيط علمي وجهد مدروس.
عقب الخروج المهين لمنتخب المغرب من الدور الأول في كأس إفريقيا عام 2008، دشّن العاهل المغربي الملك محمد السادس عام 2009 مشروع المستقبل للكرة المغربية "أكاديمية محمد السادس"، بمعايير عالمية على مساحة تقدّر بنحو 180 ألف متر مربع، وبتكلفة قاربت "15 مليون دولار" تم تمويلها من القطاع غير الحكومي، بالإضافة لدعم مالي خاص من الملك شخصيًا، الذي وضع سكرتيره الخاص منير الماجدي رئيس نادي الفتح الرباطي على رأس الأكاديمية.
- وفقًا لوكالة الأنباء المغربية-
تهدف الأكاديمية لانتقاء ورعاية المواهب الكروية الناشئة من جميع أرجاء المملكة، وصنع جيل جديد محترف لأسود الأطلسي في نظام يجمع التربية والتعليم بجانب الرعاية الرياضية والطبية والبدنية والنفسية.
بالتوازي جاب الكشافون مدن وقرى المملكة المغربية قبل افتتاح الأكاديمية، وتم اختيار 39 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 سنة، ارتفع عددهم لاحقًا إلى 57 طفلاً احترف منهم 12 لاعبًا في أوروبا والتحق البقية بأندية المغرب.
-وفقا لتصريحات إعلامية لناصر لاركيت المدير السابق لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم-
تلك الأكاديمية خرجت العديد من النجوم على رأسهم رباعي أسود الأطلسي المشاركين في كأس العالم،لاعب الوسط الموهوب عز الدين أوناحي الذي تتصارع عليه أندية العالم، والمهاجم يوسف النصيري صاحب هدف الفوز على البرتغال، والمدافع نايف أكرد، إلى جانب الحارس الثالث للمنتخب رضا التكناوتي.
طارق مصطفى مدرب المنتخب المصري السابق والمدير الفني الحالي لنادي أولمبيك آسفي المغربي قال في تصريحات إعلامية: أن المغرب لديها خطة حتى عام 2030 مشيرًا إلى أنهم يملكون مركز عالمي للمنتخبات يضم فندق خاص وملعب خاص ملحق به يضم جميع الامكانيات وأحدث الاجهزة.

وأضاف “مصطفى” أنه كمدرب في الدوري المغربي يعرف التوقفات ومباريات المنتخب الودية للعام القادم في إشارة للتخطيط وانتظام المسابقات.
في عام 2018 عدلت الجامعة الملكية المغربية لائحتها، و وضعت شرطاً لا يسمح للمدرب إلا بتدريب فريق واحد فقط في الموسم. مما دفع عدد كبير من المدربين العاطلين-بعد إقالتهم أو استقالتهم- للتدريب خارج المغرب، مما سيطر على فوضى تغيير المدربين، وسمح بتكوين جيل جديد من المدربين يكتسب خبرات بعلم المغرب في دوريات أخرى.
الجامعة الملكية المغربية عقب توقف كورونا سمحت للجماهير بالحضور بسعة الاستادات بالكامل، بينما لا يُسمح للجمهور المصري إلا بحضور 2500 مشجع لكل فريق في مباريات الدوري!
المدربين في المغرب حاصلين على رخص التدريب المعتمدة من كاف بدرجاتها المختلفة. وليد الركراكيالذي يبلغ 47 عامًا ويتولى الإدارة الفنية لمنتخب المغرب للمرة الأولى في تاريخه حتى عام 2025، حاصل على رخصة "UEFA Pro Licence" -أعلى الرخص التدريبية في أوروبا-
يحدث هذا في المغرب بينما في مصر رأينا أحد أهم المديرين الفنيين في مصر والذي كان مرشحًا لقيادة المنتخب الأولمبي علي ماهر يجلس بين أسوار الملعب في مباريات نادي فيوتشر الإفريقية لعدم حصوله على الرخصة التدريبية A !
لدينا مسؤولين رياضيين يملؤون الشاشات والمدرجات تعصبًا واحتقانًا ويرجعون هزائم فرقهم للسحر!
ولدينا 5 أندية مصرية قامت بتغيير مدربيها في أول6 جولات من الدوري العام. على خطى اتحاد الجبلاية الذي عين في آخر 5 سنوات 5 مدربين، منهم مدرب قضى 52 يومًا فقط مديرًا فنيًا قبل أن يتم إقصاؤه.
ولعل مشروع الألف محترف الذي أطلقه الرئيس السيسي هو بارقة الأمل الوحيدة التي يمكن البناء عليها لإصلاح حقيقي للكرة المصرية.
فنجاحاتنا السابقة كانت صدفة، أو اجتهاد شخصي، وربما عبر جيل استثنائي مضى على طريقة شدي حيلك يابلد، وليست نتيجة تخطيط وعلم.
لك الله يا مصر الكروية



