الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

كان العبقري المصري الفنان الكبير الراحل أحمد زكي مبتهجاً جداً عندما نجح في التخلص التدريجي من الثروة المالية التي حصدها من مشوار نجاحه ونجوميته الطاغية في فن التمثيل، وقد كانت خطته لتبديد الأموال هي البقاء بشكل منتظم مقيماً في أحد أشهر فنادق القاهرة هرباً من وحدة الذات مع الذات في البيت، ثم كان قد خطط للتخلص من هذا البيت عندما أدمجه في عملية إنتاجية سينمائية هي فيلمه الجميل السادات، والذي أنفق عليه بسخاء الفنان المبدع عندما يدخل حقل الإنتاج الفني. 

 

كان أحمد زكي يتوق للعودة إلى حالة الحرية التي شعر بها في أيام الصعلكة والتشرد وانعدام الملكية عندما حضر لا يملك إلا حلمه وإرادته من بلدته الزقازيق إلى عاصمة الإبداع القاهرة الساحرة، وأراد الله له أن يرحل مستوراً بفضل عطفه عز وجل على الصادقين المبدعين من عباده. 

ثم بعد سنوات أخرى يعود للقاهرة ولمصر بلده وبيته وأهله وذاكرته الأولى النجم العالمي المصري عمر الشريف. 

جاء عمر الشريف وليس له في القاهرة بيتاً، وهو يشعر بالأمان لأن مصر كلها بيته. 

وكان أن أقام أيضاً بأحد أشهر فنادق القاهرة، ورعاه صديقه الأثري المصري الكبير د. زاهي حواس بذاكرة مضيئة ودفء لقاء يومي حتى لقى وجه ربه الكريم.

كانت النقود تنفذ من عمر الشريف ليستيقظ النجم الكبير العالمي بلا نقود، ويعيش أياماً رائعة في ظل محبة المصريين والأصدقاء. 

إنه الفنان المبدع الذي يندر أن يستطيع الحفاظ على مكاسبه المالية، إنه ذلك الميل الفطري للثقة في الحياة، وهي مسألة لا يحمد عواقبها، ولا تنتهي نهايات الستر والمحبة كما في حالتي عمر الشريف وأحمد زكي، فكثيراً ما تتلبد سماء الحياة بالغيوم الكئيبة. 

فحالة النجمة الكبيرة فاطمة رشدي، وهي واحدة من أعلام المسرح والفن المصري، جاءت غير سارة بالمرة في نهاية عمرها المديد، وهي بلا أسرة ولا بيت  ولا مدخرات وكذلك نهايات أخرى قاسية مثل نهاية حياة الفنان القدير رياض القصبجي، وهو غير قادر على الوفاء بمستحقات مستشفى توفاه الله فيها، وظل الجثمان محتجزاً فيه حتى جاء من يسدد فواتير الوفاة المؤلمة. 

أما حالة التشرد الباحث عن حرية البقاء في الشارع بحثاً عن الائتناس بالناس الذين لا يعرفهم بشكل شخصي، هرباً من هؤلاء الذين يعرفهم جيداً ولا يستطيع العمل والعيش بينهم، فهي حالة نادرة من التمرد، وقد كان رحمه الله رحمة واسعة كلما تمكن الفنانون من توفير مسكن له، يهرب من الوحدة إلى صخب الشارع.  

المسألة في حالة كبار السن من الفنانين، وبعض من هؤلاء لم يكن في سن التقاعد مسألة لا تقف عند حدود توفر الإمكانيات والقدرات المالية فقط، بعضها يحتاج للشعور بالتواصل الجماعي وبالاحتياج للرفقة والحرية معاً. 

ولكن وبشكل واقعي يمكن تحديد مشكلة هؤلاء في عدم توفر المسكن اللائق، وعدم القدرة على سداد نفقات العلاج وبعض منهم يملك المقدرة المالية، لكنه يحتاج للائتناس بالآخرين بعد زواج الأبناء أو في ظل تفكك الأسرة الصغيرة، وقد ذهب الفنان الكبير الراحل سمير صبري وكان معه رصيد مالي كبير، لينتظر  ذلك الطائر الأسود ليحلق عند رأسه في أحد أشهر فنادق القاهرة، كي يحصل على تلك الرعاية المريحة التي توفرها حياة الفنادق في أيامه الأخيرة رحمه الله رحمة واسعة. 

أما العبقري المصري المبدع الممثل والمنتج وصاحب الفرق المسرحية والمخرج وصانع الأفلام يوسف بك وهبي، فقد فكر في ذلك مبكراً، عندما باع منزله العامر في الهرم، وقد كان بيتاً جميلاً بحديقة رائعة لأحد أشهر سلاسل الفنادق العالمية محتفظاً في عقد البيع بغرفة نومه، وحق الطعام والشراب وتنظيف الملابس واستقبال الضيوف مدى الحياة، وعاش في بهجة الناس وحيوية الاجتماع مع البشر حتى أخر لحظات حياته منتصراً على الوحدة والفراغ ومتخلصاً أيضاً من أعباء الملكية. 

ولذلك فقد كان الثلاثاء الرائع 27 ديسمبر 2022 في مدينة السادس من أكتوبر هو افتتاح إنساني يمنحنا ثقة في نقابة المهن التمثيلية التي أنجزت بعد سنوات طوال هذا الدار الذي يمكن تسميته ببيت العائلة البديل لكبار السن، ولأصحاب الظروف الاستثنائية من الفنانين المصريين وهو يحمل ذلك الطابع الفندقي ويسع لتسع وأربعين نزيلاً، ويخضع لمراقبة ودعم وزارة التضامن الاجتماعي. 

كانت الفكرة قد بدأت مع النقيب السابق الأكثر إنسانية صاحب الخلق الرفيع الفنان الكبير أشرف عبد الغفور منذ 2012 واستمر العمل عليها، ليكملها نقيب جيلنا صاحب القدرات الاستثنائية في العمل النقابي والإنساني الفنان الكبير أ.د أشرف زكي والذي نجح في إنجاز هذا المشروع بدعم مالي وتبرع كريم من سمو الشيخ سلطان القاسمي، الأخ العربي الشقيق حاكم إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والكاتب المسرحي الكبير، والذي لا ينقطع دعمه لأهل الفن والثقافة في مصر والوطن العربي. 

وبحضور عربي رفيع المستوى دشن د. صالح السعد الدبلوماسي الإماراتي لدى جمهورية مصر العربية، وصحبه الكرام ونجوم الفن في مصر حفل افتتاح دار القوة الناعمة لرعاية فناني مصر. 

ثم تكتمل الفرحة، بقرار رئاسي مصري للرئيس عبدالفتاح السيسي دعماً لقيم الإنسانية والوفاء والإبداع، بالموافقة على تحويل قرار تخصيص أرض دار المسنين لفناني مصر من حق انتفاع إلى ملكية مكتملة، وهكذا تمتلك مصر هذا الدار الحضاري للقوة الناعمة المصرية، كي تشكر مصر المبدعين المخلصين وتطمئنهم على الأمان والثقة في المستقبل. 

تم نسخ الرابط