الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

تعلمت في حياتي أن أعتمد على الله، حتى أتمكن من المضي قدمًا تحت رعايته، فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ، فَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلِيِ، ولم أكنْ يُومًا مغامرًا، ولكني مؤمن بأن أعظم مغامرة يمكن أن تخوضها في الحياة، هو أن تعيش الحياة التي دائمًا ما كنت تحلم بها. وإذا أقدمنا على مغامرة، فلا بد أن نقذف وراءنا بكل المخاوف، واضعًا أمامي كلمات الكفيفة الصماء هيلين كيلر الأديبة والناشطة الأميركية "الحياة إما مغامرة عظيمة أو لا شيء".

 

الموقف ما زال غريبًا عليّ، الشراكة غير متكافئة، بين واحد من أغني أغنياء بريطانيا وبين شاب مغترب يجتهد في إثبات نجاحه في بلاد الغربة. حقًا الحياة غريبة تجرى فيها أحيانًا أحداث لو عرضت علينا على الشاشة أو قرأناها في قصة لاتهم مؤلفها بالمبالغة والافتعال. قبل أن نغادر مبني الميرور جروب بحي الصحافة، قمت بالتوقيع بالأحرف الأولى على مذكرة تفاهم على ما اتفقنا عليه من شراكة لاحتواء مطبوعات المجموعة بمطابعي بلندن، دون ظهور مباشر لماكسويل تجنبا لأي مشاكل قد تثيرها النقابات الطباعية بسبب سوء العلاقة بينهم. كانت الخطوة الأولى- كما اتفقنا- البحث عن قطعة أرض تصلح للتوسعات بمنطقة موانئ لندن القديمة. وفي أكثر من جلسة مع فريقي العمل تم توزيع المسؤوليات الإنشائية والإدارية والمالية وتقنيات الطباعة عليهم. ثم بدأت البحث عن مكان مناسب للمشروع وفي صحبتي مهندس مدني واستشاري والمدير المالي.

 

توجهنا إلى لندن دوكلاندز، وهي الواجهة النهرية وأرصفة الشحن القديمة في لندن. وهي تقع في جنوب شرق لندن، في أحياء Tower Hamlets، Southwark، وLewisham، وGreenwich. في العصر الروماني والعصور الوسطي، كانت السفن القادمة إلى نهر التايمز تميل إلى الرسو على أرصفة صغيرة في مدينة لندن الحالية أو ساوثواراك، وهي منطقة تُعرف باسم بركة لندن. كانت الأرصفة في السابق جزءًا من ميناء لندن، الذي كان في وقت من الأوقات أكبر ميناء في العالم. بعد إغلاق الموانئ أصبحت المنطقة مهجورة وخلت من أي نشاط لهذا اختيرت لتصوير مشاهد من فيلم العصابات Long Good Friday من بطولة بوب فرايداي وهيلين ميرين الذي أنتج في نهاية السبعينيات. تم استخدام اسم "London Docklands" لأول مرة في تقرير حكومي حول خطط إعادة التطوير في عام ١٩٧١ ومنذ ذلك الحين تم اعتماده عالميًا تقريبًا. خلقت إعادة التطوير ثروة، لكنها أدت أيضًا إلى بعض الصراع بين المجتمعات الجديدة والقديمة في المنطقة. وعندما تبنت صناعة الشحن نظام الحاويات المبتكر حديثًا لنقل البضائع، كانت أرصفة لندن غير قادرة على استيعاب السفن الأكبر حجمًا التي تحتاجها الحاويات، فانتقلت صناعة الشحن إلى موانئ المياه العميقة مثل Tilbury وFelixstowe. بين عامي ١٩٦٠ و١٩٨٠، تم إغلاق جميع أرصفة لندن، تاركة حوالي ثمانية أميال مربعة (٢١ كم مربع) من أرض مهجورة في شرق لندن.

 

كان النهر محاطًا بعدد لا يحصى من المستودعات، بدأ المطورون العقاريون تحويلها إلى شقق سكنية، تطل على النهر وبدأت معالم المنطقة تأخذ شكلًا حضاريًا. وتغير الوضع دراماتيكيا في مرحلة الثمانينيات، حيث أدت إعادة صياغة قوانين الخدمات المالية إلى تسارع نمو القطاع المالي في لندن وبالتالي الحاجة إلى وجود مكاتب إدارية عالية المستوى ومساحات واسعة لاستيعاب جميع خدمات الكمبيوتر التي تحتاج لجو مكيف، في وقت لم تكن إنجلترا تعرف أجهزة التكييف. ولذلك، فقد انتقل القطاع المالي إلى حي السيتي (لندن)، حول «بنك أوف إنجلند» Bank of England، فمنحت الحوافز لتشجيع الإنشاءات الجديدة بمنطقة «أيل أوف دوجز»، وبالفعل أنشئ هناك عدد من البنوك منها «HSBC»، و«باركليز»، و«كريدي سويس»، حيث افتتحت جميعها فروعا في لندن حول منطقة «كناري وارف» في أبراج جديدة اعتبرت الأكثر ارتفاعا في لندن. والآن تضم هذه المنطقة مكاتب إدارية تغطي مساحة تبلغ نحو ١.٥ مليون متر مربع، يعمل بها نحو مائة ألف عامل وموظف في مجال تجارة التجزئة. وأصبح هناك خطوط للقطارات تحمل 70 مليون راكب سنويا. وبني هناك مطار جديد حمل اسم «سيتي إيربورت» على بعد ثلاثة أميال فقط شرق منطقة «كناري وارف»، ويقوم بتسيير رحلات طيران من لندن إلى مختلف مدن أوروبا من دون الحاجة إلى القيام برحلة طويلة إلى مطار هيثرو الشهير. وباتت المنطقة الآن مرغوبة للسكن، وأصبح يقطنها كبار نجوم التلفزيون مثل السير أيان ماكلين، وحتى هيلين ميرين، نجمة فيلم «ذا لونج جود فرايداي» التي ذكرت في بداية المقال، انتقلت هي الأخرى للعيش في المنطقة وتعيش حاليا بمنزل رائع بني على الطراز الجورجي على بعد ٢٠ دقيقة سيرا على الأقدام من جسر «تاور بريدج». في الحقيقة، استغرق تحول المنطقة من خرقة بالية إلى ثروة حقيقية مدة جيلين كاملين.      

 

      لم يكن الأمر صعبًا في اختيار موقع مناسب للمشروع، فالمتاح في هذه الجزر مساحات واسعة من الأراضي خالية لكن البعض منها غارق بالمياه لقربها من النهر، فكان لا بد من عمل "الجسات" للتربة للحصول على عينات من التربة لفحصها ومعرفة قدرة تحملها للأساسات والماكينات، وبعناية شديدة وقع الاختيار على مساحة أرض مناسبة للمشروع من جميع النواحي في Canary Wharf ومعنى كلمة "وارف" رصيف السفن وتسمى المنطقة بأرض المراسي "دوكلاندز"، على بعد ثلاثة أميال من جسر تاور بريدج على امتداد نهر التايمز. 

 

وحضر روبرت ماكسويل مع فريق من المهندسين لمعاينة المكان، ووافقوا عليه وباركوا اختياري. وبدأ المهندسون في وضع التصميمات التي لم تستغرق الوقت الكثير، ووضعنا تصورًا للمعدات والماكينات، والحصول على عروض أسعار.

 

أصبحت الأسس التي سوف يبنى عليها المشروع جاهزة للتنفيذ، ما استلزم عقد اجتماعات مع فريقي العمل لوضع الميزانيات وخطة العمل ومراحله والجدول الزمني للتنفيذ وتوزيع الأدوار والمسؤوليات، لعرضها على شريكي المليونير لمناقشتها والانطلاق بالمشروع. ودعوت الفريقين للاجتماع الأول، ومع الأسف لم يحضر من فريق ماكسويل إلا شخصان، ما دعا إلى تأجيل الاجتماع لموعد آخر. 

 

في الموعد الجديد لم يحضر أحد من فريق روبرت ماكسويل، لامبالاة تثير القلق، ترى ما هي الأسباب التي تقف وراء عدم الحضور، فهل "الغايب حجته معاه" كما نقول، أم هو قرار اختفاء.. إذا كان هناك اختفاء؟!  

تم نسخ الرابط