تُعدُّ صياغة قرارات مجلس الأمن في غاية الحنكة والمهنية الأكاديمية التي تستند إلى المنطق السياسي لتحقيق هدفٍ ما، وعلى الدبلوماسي أن يقرأ ويتمعن ما بين السطور وليس ما هو مكتوب ومسموع؛ لأن ما أُخفيَ من هدف أكبر بكثير مما كتب في القرار.
أتطرق في هذا المقال إلى خلاصة وكيفية إصدار القرار من الناحية اللغوية (العربية/ الإنجليزية) التي يصدر بها مع بقية اللغات الرسمية الأخرى وهي في كيفية صياغة قرارات مجلس الأمن بعيدًا عن السياسية، وأن قرارات مجلس الأمن ذات مغزى سياسي ومنطق فلسفي ولغوي في غاية الدقة والحرفية وذات هدف معيَّن مرصود.
هذا وقد سبق وأن تطرقت إلى أكثر من (3) مقالات بهذا الخصوص، ولكن هذا المقال سوف يخوض بين المنطق القانوني وبين الهيكل اللغوي لتحقيق الهدف المنشود للقرار.مما لا شك فيه أنه ومن الضروري جدًّا وعلى الدولة ووزارة خارجيتها أن تفكر مليًّا قبل أن ترسل طاقمها إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها، أن يتمتع أعضاؤها باحترافية ومهارة عالية من حيث بُعد النظر وتحليل وقراءة ما بين السطور والأفضل أن يكونوا من حملة الشهادات المتخصصة في مجال العلوم السياسية واللغات والقانون الدولي؛ لكي يكونوا على بيِّنة بما يدور حولهم؛ لأن أي موافقة أو رفض قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لبلدهم بسبب سوء التحليل وعدم القراءة الصحيحة لقرارات مجلس الأمن وبقية مؤسساته، لذلك يجب أن يكون اختيار أعضاء السلك الدبلوماسي في غاية الدقة بعيدًا عن العشائرية والمذهبية والمصالح والعلاقات الشخصية.
وعلى الدبلوماسي ومثل الدولة أن يكون على علم في هيكلة الأمم المتحدة في جميع مؤسساتها، وأن يكون على دراية كبيرة وتخصص في لُغته الأُم، ثم باللغة الإنجليزية (المسوَّدة الأولى) من حيث آداب اللغة العربية (علم اللغة العام)، وكذلك أن يكون محترفًا ومتمرِّسًا باللغة الإنجليزية أيضًا (بعلم اللغة العام والترجمة). الدبلوماسي الذي يشغل مقعد دولته عليه واجب التحليل للقرار، استنادًا إلى معلوماته المهنية والأكاديمية وخبرته الدبلوماسية في سلك الأمم المتحدة، وإن لم يكن موفقًا بالتحليل فعليه التغيب في وقت التصويت كجزء من موقف الدول المعتدل، وقد يحسب سلبيًّا حتى لا يضيع هُوِيَّة واستراتيجية دولته. إنَّ قوة القرار وهُوِيَّته تأتي من عدد الأفعال وأنواعها، الصفات وأماكنها، حروف الجر، الظروف، علامات الترقيم، الأسماء المركَّبة والجُمل المركَّبة والجُمل المعقَّدة استنادًا إلى المنطق الذي تمَّ بناء وصياغة القرار. لذلك علينا تحليل القرار معتمدين على ثلاثة أعمدة رئيسية وهي: وظيفة علم المعنى في قرارات مجلس الأمن Semantic-Function of the Security Council/علم الكلمة Lexical / علم النحو Syntactic)، وبتحليل أي قرار استنادًا لهذه النظريات اللغوية علينا أن نبدأ مباشرة بإحصاء وعدِّ ما يلي: عدد الأفعال ووظيفتها، أفعال (المضارع)، أفعال الماضي ووظيفتها، عدد الصفات وأماكنها وأنواعها ووظيفتها، ظروف الزمان والمكان، حروف الجر، الأسماء المركَّبة.. وغيرها من الأمور اللغوية الضرورية بعيدًا عن المغزى السياسي الذي تمَّ بناء القرار عليه.
فالجميع يعرف أن اللغة تستند إلى جملة (فعلية أو اسمية) والجملة الاسمية دائما تبدأ باسم وتتكون من ركنين أساسيين هما: المبتدأ والخبر، وتنقسم الجملة الاسميَّة المنسوخة إلى ثلاثة أنواع هي: الجملة المثبتة، والجملة المنفيَّة، والجملة المؤكَّدة، ولا داعي للخوض فيها بقدر ما هو مقدِّمة للقرار، أما الجملة الفعليَّة فتتكون من (فعل، فاعل، مفعول به، صفة، ظرف زمان أو مكان، حرف جر، اسم مجرور). وتُبنى الجملة في اللغة العربية من الوظائف التي تقوم بها الأنواع المختلفة من الكلام، سواء الجملة (الفعليَّة أو الاسميَّة).
وينبغي التنبيه على أنَّ الجملة يجب أن تفيد معنًى ما ذا هدف معيَّن، والقصد في كل هذه المقدِّمة اللغوية بأنَّ الجملة التي نعرفها تتكون هي من سطر أو سطرين، ولكن في قرارات مجلس الأمن نلاحظ بأنَّ الجملة الأُممية تعتمد كثيرًا على علامات الترقيم أو باللغة الإنجليزية (Punctuation) قد تكون صفحة كاملة أو صفحتين بفاعل واحد، وقد تتجاوز ذلك كما في القرارات التي صدرت سابقًا ضد جمهورية العراق الشقيق حيث تجاوزت الجملة الواحدة أكثر 10 صفحات بفاعل واحد غير قابل للفيتو أو التغير أو الاعتراض أو الرفض ولو على كلمة واحدة؛ لكون هذه الصفحات كلها جملة واحدة وهو دهاء وحنكة قرارات مجلس الأمن . قراءة ومتابعة بسيطة لقرارات مجلس الأمن نجد الفعل غالبًا يكون مقرونًا بحرف التوكيد (إذ) على سبيل المثال (إذ يؤكد/ إذ يلاحظ/ إذ يتصرف) وهذا الأسلوب جاء من الصياغة الربانية في القرآن الكريم، حيث ذكرت كلمة (إذ) أكثر من 25 مرة في سورة البقرة، ووظيفته التأكيد على قوة الفعل والذي لا يقبل المناقشة أو التغير.
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت



