في يوم الماء العالمي.. كيف قدَّسَ الفراعنةُ الأوائلُ النيل؟
قدَّسَ الفراعنةُ الأوائلُ النيل بسبب أهميته للحياة لكل من يعيش على أرض مصر، ونَصَبوا له إلهًا للخير والسعادة أسموه حابي.
اعتقد المصريون القدماء أن «فيضان النيل» يحدث عندما يمتلئ النيل الأزرق بدموع إيزيس حزنًا على وفاة زوجها أوزوريس. كما وجد في بعض النصوص المصرية القديمة أن النيل يبتدأ فيضانه في أول السنة المصرية والتي توافق ظهور النجم سوتيس “أو سوثيس” في فصل الصيف في السنة المصرية القديمة.
ازدهرت الزراعة حول نهر النيل خصوصًا في منطقة الدلتا ذات التربة الخصبة، والتي تكوّنت بفعل التقاء روافد النيل، مما أدى لتراكم طبقات من التربة الغنية على ضفافه، وهو الأمر الذي تنبّه له المصريون القدماء وعرفوا فوائده فاستغلوه في الزراعة. كان الفراعنة ينتظرون الفيضان الكبير الذي كان يحدث مرّة في العام، وسجّلوا أيّامه وراقبوا ارتفاع وانخفاض منسوبِ مياهه، الذي ارتبطت به قيمةُ الضّرائب التي كانت تُجبى من المزارعين، فحين كانت تغطى حقولهم بالمياه والطمي كان يبدأ موسمهم الزّراعي، فبنوا السّدود حول النهر وحفروا الترع من أجل الري، كالترعة الطويلة التي كانت تُجر منها مياه النهر إلى منطقة الفيوم المعروفةُ باسم «بحر يوسف»، وقد عرفوا «الشادوف» واستخدموه لنقل مياه النيل وري أراضي المناطق البعيدة.
أعتاد قدماء المصريين على اعتبار النيل المورد الأول لحياتهم وأرزاقهم، فإذا تأخر الفيضان امتلئت المعابد بمن يؤدون الصلوات والتضرع، ثم تُقدَّم القرابين للآله على أمل أن يجود النيل عليهم بفيضه المعتاد.وقد ورد في شاهد حجري ترجَمه عالم الآثار الألماني «بروكش باشا» أنه وقعت في مصر مجاعة دامت سبع سنوات، ولكن لا يمكن الجزم بأنه هذه الحادثة هي نفسها المذكورة في التوراة والقرآن التي وقعت في عهد النبي يوسف.يخاطب الملك رجال بلاطه في النص المترجم قائلًا:«أنا الملك حزين على عرشي، وقلبي مفعم بالكآبة لتأخر النيل عن فيضانه المعتاد سبع سنوات، فأصبحت ثمرات الأرض نادرة، وجفَّت الخضرة، واستحال كل شيء على وجه الأرض، إني أفكر كثيرًا فيما مضى، وأتضرع معكم إلى إمحوتب ليمنحنا جميعًا الشفاعة والإغاثة بفيضه سريعًا»
أما أخناتون وهو أحد فراعنة الأسرة الثامنة عشرة فقد الًَف أنشودة دينية جميلة يخاطب فيها الإله آتون ويتغنى بها بنهر النيل قائلًا:
أنت خلقت النيل في العالم الأرضي
وأنت تخرجه بأمرك فتحفظ به الناس
يا إله الجميع حين يتسرب إليهم الضعف
يا رب كل منزل أنت تُشرق من أجلهم
أنت الذي خلقت في السماء نيلًا
لكي ينزل عليهم ولهم
يتساقط الفيضان على الجبال كالبحر الزاخر
فيسقي مزارعهم وسط ديارهم
حفر الفراعنة في عهد الملك سنوسرت الثالث قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر سميت قناة سيزوستريس وهو اسم أحد ملوك مصر القديمة عام 1874 قبل الميلاد، ثم أُعيد حفرها في عهد الملك سيتي الأول الذي تولى حكم مصر عام 1310 قبل الميلاد خلفًا لأبيه رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشرة، وظلت القناة تعمل أحيانًا وتغلق حينًا، ثم أعاد الملك نخاو الثاني حفرها عام 610 قبل الميلاد.
يُذكر أنه في العصر الفرعوني لم يكن هناك إله للنهر، وإنما كان هناك إله جسَّد الفيضان وهو «حعبي» أو «حابي». لم يكن الفراعنة يعبدون النهر في صورته المجردة، ولكنهم قدَّسوه لكونِه سببًا أساسيًّا للرخاء ولخصوبة الأرض بالبلاد. في العصر الروماني أصبح للنهر إله وهو نيلوس



