الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

"إن اليونسكو قلقة بشأن العديد من المسائل الأخلاقية التي تثيرها هذه الابتكارات، لا سيما التمييز والقوالب النمطية، بما فيها مسألة المساواة بين الجنسين، إلى جانب مكافحة المعلومات المضللة والحق في الخصوصية وحماية المعلومات الشخصية وحقوق الإنسان".

هكذا أشار بيان اليونسكو الصحفي، الذي صدر عن أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو في الثلاثين من مارس 2023، بشأن التذكير بتوصية اليونسكو المتفق عليها من جميع الدول الأعضاء في نوفمبر 2021.

 

وهى توصية متعلقة بالذكاء الاصطناعي Artificial intelligence وكيفية وضع تصور للتعامل معه.

 

واليونسكو حثت الدول الأعضاء إلى وضع قوانين وضوابط محلية لضبط أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

 

وهذه الدعوة تعرف ما هو الأفق المفتوح لدى كل ثقافة وطنية وبالتالي فهي تترك للطابع المحلي تحويل تلك الاستراتيجية إلى تشريعات وأدوات قانونية منظمة.

 

وهو الأمر الذي يمكن التفكير فيه تأسيسًا على المنتج المكتوب أو المرئي أو المسموع المرئي من إنتاج الذكاء الاصطناعي.

 

وهو ما يمكننا تقسيمه كما يرد في علم التلقي إلى مجموعة من الأكواد الخاصة والتي يمكن تقسيمها على المستوى النظري إلى: 

 

1-    الكود السيكولوجي: 

أ‌.    طرق إدراك وتقييم منتجات الذكاء الاصطناعي.

ب‌.    ظاهرة التقمص، خلق التوهم، استثارة اللاوعي.

جـ. الخبرات الجمالية والنفسية الاجتماعية السابقة.

 

2-    الكود الأيديولوجي: ويدخل فيه كل ما يتعلق بالفكر

 

3-    الكود الجمالي– الفكري: 

وهو ما يتفاعل مع العصر الحالي ومفهوم الجمال فيه، وتفسيره في إطار علاقة المنتجات الصادرة عن الذكاء الاصطناعي بالواقع الاجتماعي للمتلقي.

 

هذا، وبرغم الإتاحات التكنولوجية التي تبدو بسيطة وسهلة ومتاحة وفي متناول الأيدي، فإن عملية الذكاء الاصطناعي لا تزال تحتاج إلى سلطة اقتصادية، وبالتالي فهؤلاء الذين يملكون السلطة الاقتصادية هم من يملكون السلطة الثقافية، وبالتالي فعملية إنتاج الذكاء الاصطناعي تخضع لهذا الإنتاج الترتبي الهرمي، ولذلك فمعظمه له أهداف محددة، يعرفها منتجه وإن تم استقبالها بطريقة نسبية وفقًا لاختلاف مرجعيات جماعات الاستقبال.

 

ولعل اتساع مجالات الذكاء الاصطناعي لحدود مدهشة، منها قدرته على الاستخدام لعلاج الأمراض عبر زرع شرائح في المخ البشري لتحفيز مراكز الإشارة.

 

وهي المسألة التي أدت للخوف من المزج بين الإنسان والآلة بطريقة ربما يمكن لها الخروج عن السيطرة، وعن قواعد وقوانين وأعراف السلوك البشري الدولي.

 

أما المجالات الأخرى والتي يمكن فهمها على أنها مجالات آمنة في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي سواء في مسألة التحول الرقمي أو المساعدة على معرفة الطرق والاتجاهات أو متابعة ومراقبة تطبيق القانون عبر كاميرات متابعة دقيقة أو مراجعة الأعمال المكتبية رقميًا، أو متابعة البريد الإلكتروني وتنظيمه، أو مراجعة الأمور المحاسبية، أو الخدمات الداعمة في مجالات الزراعة والصناعة والتغير المناخي والصحة والمساعدات الطبية وما إلى ذلك، فهي مجالات ذات طابع عملي ولا توجد مشكلة واضحة في استخدام الذكاء الاصطناعي فيها، وهي مجالات حقق فيها الذكاء الاصطناعي إفادة لتوفير الجهد والوقت والمساعدة على جودة العمل وجودة الحياة، كما حققت الشركات العاملة فيه أرباحًا كبيرة. المشكلة إذن تكمن عندما يدخل الذكاء الاصطناعي في مرحلة العمل بديلًا عن العقل البشري، في مرحلة خطيرة من تاريخ البشرية أصبح العالم فيها قرية واحدة وأصبح التأثير سريع الانتشار.

 

فهل تتحدث اليونسكو عن تلك المشكلات الأخلاقية المتعلقة بالاستبدال في مجالات الكتابة والفنون الإبداعية؟

 

هل تتحدث عن تلك الاستخدامات في مجالات الإعلام وتداول المعلومات ونقل الأخبار وصناعة الصور الذهنية؟ 

 

بالتأكيد الحديث المهم عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي يهتم بهذه المجالات الإبداعية والإعلامية معًا بشكل أساسي.

 

كما أنه يخشى من مسألة القوالب النمطية التي يصنعها الذكاء الاصطناعي، فهو يعمل على إنتاج المخرجات وفقًا للمدخلات التي يقوم الإنسان البشري الحر بإرادته المستقلة بتغذيته بها.

 

وهي مخرجات رغم كل الدقة تفتقد طابع الأصالة الناتج عن البصمة الشخصية للمبدعين الكبار.

 

وهو طابع مهم حقق على مدى تاريخ البشرية إبداعات مذهلة مختلفة ومتنوعة، وبالتالي فمسألة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في عملية الإبداع أمرًا يهدد التنوع الثقافي الكبير للإبداع البشري ويفقده بصمته الإنسانية، والتي تختلف من شخص إلى آخر، اختلاف بصمات الأصبع.

 

ويمتد هذا الإنتاج النمطي الذي يحذر منه اليونسكو إلى إعادة استخدام أصوات المطربين العظماء وصور وتعبيرات الفنانين الكبار من الممثلين والفنانين التشكيليين ومصممي الجرافيك والمناظر والمشاهد التمثيلية، وهو ما يحمل طابعًا خطيرًا يتضمن دون شك مسألة الانتحال الأدبي والفكري والإبداعي.

 

فأنت تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يغني بصوت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ كما حدث في مصر، وتسطيع أن تطلب منه أن يرسم مثل بابلو بيكاسو وتطلب منه أن يكتب الشعر مثل أحمد شوقي، أو يؤلف للمسرح مثل توفيق الحكيم.

 

وهكذا يصبح النمط هو السيد ويصبح الانتحال- سواء كان معلنًا أم مخفيًا- أمرًا ممكنًا ومتاحًا.

 

وهو ما يمكّننا من مشاهدة مقاطع افتراضية غير أخلاقية للمرأة وللرجل أيضًا، كما أنه يتيح فرصًا للتمييز بين الرجل والمرأة بأن يقوم بتسليعها أو تغيير هويتها الأصلية، وبين الفئات الاجتماعية، كما أنه يقدر على تزوير الهويات التاريخية.

 

ولذلك وأيضًا في مجال الإعلام وصناعة الأخبار المصورة يملك مقدرة فائقة كذكاء اصطناعي على صنع الأخبار وإطلاق البيانات بطريقة ربما تخالف الواقع ويصعب فرزها وفهمها وإدراك أنها مشاهد تمارس التلفيق والكذب والتشوش وصناعة التوتر الاجتماعي والسياسي، والتأثير على الثقافة العامة ووضعها في حالة استقطاب واستفسار، وربما في حالة اختراق، عندما يكون خلط الأحداث المفتعلة بالأحداث التاريخية أو الواقعية المعاصرة. وهذا ما يسبب حالة من عدم الثقة والتوتر والاسترابة في التعاطي مع الوثائق المسموعة المرئية وما إلى ذلك، من طرق نشر وتداول الأخبار والمعلومات.

 

ولذلك فربما تسعى وزارة الثقافة المصرية لتكوين محور عمل وزاري ذو صلة لمعالجة هذه القضايا والنظر في تنفيذ ذلك الاتفاق الإطاري لليونسكو، في ضوء الإطار المرجعي الحاكم للثقافة والمجتمع في مصر ووضع تشريعات وأدوات قانونية للتعامل في إبداعات الذكاء الاصطناعي في مصر، وكيفية ضبط العلاقة مع ما يتماس مع الشأن التراثي والإبداعي والهوية الوطنية، سواء في المحيط الإقليمي أو الدولي، تفعيلًا لفهم اليونسكو لفكرة القيم المحلية الوطنية لكل دولة على حدة ومدى قدرتها وحدود تفاعلها مع التطور المتنامي للذكاء الاصطناعي.

 

إن الحديث عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لهو حديث مغاير لأحاديث روايات الخيال العلمي وسيطرة الآلات على البشر وما إلى ذلك.

 

إنه تنويه مبكر لضبط مشكلات ملموسة بدأت تظهر واضحة في مجالات الغناء والموسيقى والفنون التشكيلية وتداول الأخبار والمعلومات، وعلينا الاستعداد لها، لا للدخول في معركة لا للدخول في معركة معادية للذكاء الاصطناعي وهي مسألة مستحيلة تمارس إنكار الواقع وتخرجنا من العالم المعاصر.

 

ولكن لضبط التفاعل الحي المثمر مع إمكانيات الذكاء الاصطناعي والقدرة على الاستفادة القصوى منه، والسيطرة على تأثيراته السلبية خاصة في مجال الهوية الوطنية والإبداع والإعلام.  

 

 

تم نسخ الرابط