الدبلوماسيَّة كلمة يونانيَّة الأصل وهي مشتقَّة من كلمة (Diploma) المأخوذة من الفعل (Diplom) وتعني: الوثيقة التي تصدر عن أصحاب السُّلطة والرؤساء السياسيين وتمنح حاملها امتيازات.
استخدمها الرومان فيما بعد، وهي وثيقة تُنسخ على ألواح معدنيَّة وتُطوى بشكلٍ خاصٍّ، تعطي حاملها امتيازات كجواز السَّفر أو المرور، بالإضافة إلى أنَّ هناك مناديًا يُنادي بالأسواق والطُّرقات لِيخبرَ الجميع بسفر مبعوث الدولة إلى أخرى، وهو ما يُسمَّى الآن بالمُتحدِّث الرَّسمي. وسبق ذلك تاريخيًّا حضارتَيْ وادي الرافدين والفراعنة، وكذلك الدولة العباسيَّة التي تميَّزت بنشاط وهمَّة عالية لوظيفة المنادي التي عكست تطوُّر ثقافة المُجتمع ـ آنذاك.
إنَّ وظيفة المُتحدِّث الرَّسمي (م. س) تُعدُّ من أولويَّات دوائر المراسم أو التشريفات لهرم الدولة منذ ستينيَّات القرن الماضي، وحصريًّا للكادر الدبلوماسي العامل في وزارات الخارجيَّة بالدوَل المتقدِّمة للإعلان عن الزيارات الرسميَّة بَيْنَ الدوَل، وطبيعة ونَوْع هذه الزيارات ومدَّتها وكافَّة التفاصيل الأخرى. وبعدها بدأت الشركات الاقتصاديَّة الكُبرى مِثل:(بوينج، روزرايز، ايرباص، بي أم، وسوني.. وغيرها) تحذو حذوها باستحداث هذه الوظيفة للإفصاح عن طبيعة التطوُّر والإنتاج الجديد والاتفاقيَّات الموقَّعة. كثير من الدوَل المتقدِّمة بدأ بعد الحرب العالميَّة الثانية باستحداث منصب أو وظيفة المُتحدِّث الرَّسمي (م. س) التي كانت مخصَّصةً فقط لوزارة الخارجيَّة، (ما عدا المُتحدِّث الرَّسمي العسكري في حالة الحرب). ما صرَّح به أخيرًا معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام بأنَّ (مجلس الوزراء قرَّر تعيين مُتحدِّث رسمي باسم وحدات الجهاز الإداري للدولة الخدميَّة…) جعلني أتطرَّق صراحةً بشكلٍ مقتضب إلى وظيفة وتعريف وخصائص المُتحدِّث الرَّسمي؛ لأنَّه يحتاج إلى مقالات كثيرة.
يُعرَّف (م. س) بأنَّه هو الواجهة الرَّسميَّة المعتمدة التي يُمثِّلها، سواء كمؤسَّسة حكوميَّة أو أهليَّة، وعليه أن يمتلكَ المهارات الأساسيَّة لفنِّ الاتِّصال والتواصل الاجتماعي، والكاريزما المؤثرة في المحيط الإعلامي. لذلك يجِبُ على (م. س) التأكُّد من دقَّة المعلومات التي حصل عليها، فكُلَّما تمَّ صياغة الأفكار بطريقة بسيطة وسَلِسَة الأداء وواضحة المعالم يصبح المُتحدِّث أكثر خبرة في إقناع الآخرين بما يحمل في جَعبته. اتَّفقت أغلب المدارس الدبلوماسيَّة المتخصِّصة في تدريس فنون ومفاهيم المُتحدِّث الرَّسمي على أنَّ مِن أهمِّ صفات تعيين واختيار المُتحدِّث الرَّسمي: الابتعاد عن القبليَّة والعلاقات الشخصيَّة والاجتماعيَّة، المستوى الأكاديمي، اللغات، كاريزما عالية وكياسة معهودة، هدوء الأعصاب، عدم وجود أيِّ تلعثُم بالكلام، خالٍ من أيِّ علَّة صحيَّة بالجسم أو الأسنان والفَمِ التي تتحكم بمخارج الأصوات، إتقان المقابلات الصحفيَّة والتعامل مع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروءة، لغة الجسد بَيْنَ المُرسِل والمَستقبِل، بالإضافة إلى حُسن المظهر والهندام الخارجي، وخصوصًا للنساء اللاتي يركضنَ خلف الصَّيحات الغربيَّة بشكلٍ صارخ والتي تُغيِّر من معاني الوَجْه الجميل بعمليَّات التجميل (البوتكس، شدّ الخدَّيْنِ، التقشير الكيميائي، جراحة الذقن، تجميل الفكَّين والأسنان، تلميع (سنفرة) الجلد، إعادة شدِّ الحاجب، جراحة الجفن). بعض الدوَل الغربيَّة وضعت بعض القياسات والمواصفات حالها حال المُضيفات والمُضيفين في الخطوط الجوِّيَّة أو الكادر الدبلوماسي، وهو الطول والوزن (للرجل طول 175، والوزن 75)، (وللمرأة 170، والوزن 65)، وهناك مفاهيم وتعليمات كثيرة لا مجال للتطرق إليها في هذا المقال المختصر. إنَّ من أهمِّ خصائص كاريزما المُتحدِّث الرَّسمي هو الاتِّصال غير اللفظي الذي يتضمن الإيماءات وتعبيرات الوَجْه التي تساعد بدرجة كبيرة في إيصال الحدث أو القضيَّة، بالإضافة إلى أنَّه يكُونُ جزءًا من الفريق الاستراتيجي، كما ينبغي على (م. س) أن يكُونَ مُتحدِّثا فعَّالًا ولدَيْه علاقة وثيقة مبنيَّة على الاحترام المتبادل مع المسؤول الحكومي، سواء كان رئيسًا للوزراء أو رئيسًا أو وزيرًا أو رئيس وكالة حكوميَّة أخرى، وأنَّ (م. س) ليس شخصًا واحدًا فقط، وإنَّما هو قِسم أو دائرة ترتبط بهرم الجهة الحكوميَّة أو المعنيَّة؛ لأنَّه إذا غاب المُتحدِّث الرَّسمي لأيِّ سببٍ كان فيجِبُ أن يكُونَ البديل كالأصيل بنفس المواصفات والسِّمات.
لذلك فإنَّ وظيفة (م. س) ليست شخصيَّة تُلقي الخُطَب والبيانات الرَّسميَّة على الجمهور ووسائل الإعلام فحسب، بل إنَّها العقل الإعلامي الذي يمتلك المهارات المتنوِّعة والموهبة الحرفيَّة والمهنيَّة، ما يؤهله لتحقيق الأهداف بشكلٍ يرضي المسؤولين (على اختلاف مناصبهم سواء الحكومي، الأهلي، القِطاع المختلط). وهناك نوعان من (م. س) أوَّلهما الذي لدَيْه الصلاحيَّة بعقد مؤتمر والإجابة على استفسارات الصحفيين.. وغيرهم، والثاني الذي يُلقي الخبر ويُغادر المنصَّة بدُونِ استقبال أيِّ أسئلة من الجمهور الإعلامي، وسوف نتطرَّق في الأسابيع القادمة إلى أهمِّ أعمدة وسِمات هذه الوظيفة.
– المرجع:(عبد الفتاح علي الرشدان ومحمد خليل الموسى، 2005)، كتاب (البروتوكول الحكومي) نسخة نيويورك.
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت



