أساطير الخلق، هذا النوع من الأساطير الكونية من أكثر الأساطير أهمية في الثقافة المصرية القديمة، لأنها تحكي عن ظهور العالم إلى الوجود، وتؤكد الوجود المستمر للعالم.
الكون المصري عبارة عن عالم يتألق فيه الآلهة، خلق إله أكبر هو خالق كل شيء مرتبط تمامًا بدورة الحياة والموت وعودة الحياة مرة أخرى للبعث، ومرتبط أيضًا بفكرة التجدد المتمثل في دورة اليوم ودورة حكم الإله المتجسد في الملك.
البحث عن البدايات والغايات شيء أساسي بعالم الأسطورة، هي نظريات للتفسير والتعليل لما يدور بعقل الإنسان في نشأته ومحاولته الإجابة عن تساؤلاته.
الأسطورة تجسيد للدوافع التشكيلية الكامنة في أعماق جميع الفكر المصري، الأساطير المصرية هي سند للطقوس وتعبير عنها بل يمكن أن تتحول إلى عروض درامية ومن الممكن أن تتحول الأسطورة إلى حكاية للتسلية مثل أسطورة المعركة الكبرى، ونلاحظ أن الأساطير المصرية تعبر عن تطور الفكر للمصري وتعبيره عن تأملاته في الكون وعن حاجاته الإنسانية قبل ظهور الفلسفة، وإننا لا نستطيع أن نعيد رواية أسطورة من الأساطير المصرية لأنها حينئذ تفقد مغزاها وقيمتها لأنها ذات مغزى ديني وكلما تعمقنا في دراستها تكشف لنا طبيعتها ومضمونها الفكري.
تحاول الأسطورة أن تضفي مغزى على أي وضع يعتبره الإنسان مهمًا وبالتالي يوجد العديد من الأوضاع التي تؤثر في حياة الإنسان وأوجدت بدورها الأساطير.
نشأت الأسطورة مع عالم الآلهة الممكن لقيامها ونشأتها عندما اقتبستها النصوص وعبرت عنها بالصور الرمزية كلغة أسطورية خاصة بها في الدولة الوسطى والحديثة، فارتباط الطقوس بالأساطير تمثل بالفن المصري القديم في وجود أقدم مسرحية تمثيلية أسطورية تمتزج فيها الشعائر الطقسية بأبيدوس التي تحكى الأسطورة الأوزورية، تم تناقلها شفويًا وظهرت الأساطير متوافقة مع الأحداث السياسية التي كانت فيها تتصارع الآلهة، وبذلك أصبحت الأحداث مادة مهمة في نسج الأساطير، فهذه الأحداث التي ندعوها أسطورية، هي التي نشأت منها أساطير الخلق ونشوء الكون.
قصص الخلق هي روايات متنوعة ذات صبغة سياسية لموضوع واحد، كانت المياه الأزلية العنصر الرئيسي في أساطير خلق العالم المصرية، وقد شاع ذكرها في الروايات التي تتناول نشأة الكون وإن اختلفت في التفاصيل كثيرًا، وتفترض جميع أساطير الخلق وجود لجة من المياه الأزلية سابقة لظهور المخلوقات وكانت تمتد إلى ما لا نهاية في جميع الاتجاهات.
أسطورة هلاك البشرية "إنقاذ الجنس البشرى من الهلاك"
موضوعات هذه الأسطورة هي خطيئة البشر، وخيبة الأمل وإنقاذ البشر من الإبادة: فقد نقش رأس البقرة "حاتحور" لتمثل السماء عليها تظهر الأسطورة على صلاية "نعرمر" وعلى حائط مقبرة ستي الأول ورسمها "روبرت هاي" بالألوان المائية، ووجدت أيضًا بحائط مقبرة رمسيس الثاني والثالث بطيبة.
يقول النص:
قال "رع" "لنون": "يا أيها الإله الأكبر سنًا، الذي فيه جئت إلى الوجود، أبصروا البشر الذين جاءوا إلى الوجود من عيني، لقد دبروا أشياء ضدي، أخبروني ما الذي يجب أن تعملوه.
قال نون: ليت عينك ترسل حتى تتمكن من أن تقبض لك على الذين خططوا أشياء شريرة ولكن العين ليست قادرة بقدر كاف لتضربهم من أجلك عليها أن تهبط ک حتحور". أرسل الإله عينه إلى الأرض على هيئة الآلهة "حاتحور" كمبعوثة الغضب الإلهي، وفي يوم واحد افترست جزءًا من البشر ثم استلقت لتنام.
"ورأى "رع" أن يكتفي بهذه العقوبة، فقام خلال الليل بسكب الجعة التي اختلطت بمياه النيل لتصبح في لون الدم، وعندما استيقظت "حتحور" أخذت تلعق هذا الشراب حتى ثملت وهكذا نجت البشرية، ولكن بعد أن قرر "رع" الانسحاب إلى السماء، فاستقر فوق ظهر البقرة السماوية التي يرفعها الإله "شو" وسلم إدارة شؤون الأرض إلى "تحوت" كما سلم الثعابين- وهي رموز الملكية- إلى "جب" إله الأرض، وهكذا تم الفصل بين الآلهة والبشر فصلًا لا رجعة فيه".
هكذا تفوقت قصة هليوبوليس للخلق بفضل استيعابها الأساطير الأساسية في البلاد الفكرة المتباينة للسماء على شكل بقرة تفوق فيها المصري في تصوره الفكري وإبداعه فالتفكير الأسطوري هنا محاولة تدمير البشر، وفي الصورة الممثلة للسماء على شكل بقرة هي دعابة خيالية من الفنان لفهم السماء في نطاق الخيال فقد كان يعلم أنه لا بد أن يتصور السماء عن طريق الخيال.



