الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

الأسطورة تكشف عن حدث أولي قديم أسس بنية الواقع القديم ومعتقدات الأجيال السابقة وتشكل فكر الأسطورة من كائنات متفوقة تتخطى حدود البشر هي الآلهة.

يقول "ت. هـ. جيمز" "وجه المصريون القدماء اهتمامهم باستمرار نحو موضوعي أصل الكون وطبيعة الآلهة التي كان لها دور في الخلق والنشأة. ووضعت ثلاث نظريات مختلفة لتفسير الخلق تعتمد على المعتقدات التي كانت سائدة في كل من هليوبوليس وهرموبوليس ومنف وفى آخر الأمر تغلبت وجهة نظر هليوبوليس بعد تطعيمها بعناصر من نظريتي هرموبوليس ومنف".

 

لقد خرج الخالق إلى الوجود من تلقاء ذاته، وجاء ظهوره فوق أكمة من اليابسة بعد انحصار الأمواج. وأخذت أبعادًا مادية فوق حجر مرتفع يعرف باسم "بن بن" كان محل تبجيل وعبادة في مدينة هليوبوليس على اعتبار أنه المكان الذي شهد عملية الخلق وهذا التل الذي برز بعد انحسار مياه الفيضان العالية، أما حجر: "بن بن" فهو أشعة الشمس وقد تحجرت. هذا الإله الذي خلق ذاته هو الكائن التام بمعنى كلمة "خبري" الذي يمثل على هيئة جعران واسمه يعني التحول على غرار ما تفعله الحشرة عندما تندفع أمامها كرة الروث. ويقول لقد خرجت الخليقة مني الإله الخالق لقد اتحدت جنسيًا مع ذاتي وأنجبت التاسوع". 

 

تتلخص النظرية الأولى في أن الكون نشأ من هيولي مائي يسمى "نون Nun" انبثق منه الإله "آتوم" يضاهي ربوة الخلق أو الربوة الأولى، وفيما بعد أصبح الإله يضاهي ويساوي الإله "رع" وقام "آتوم" بقدرته بإيجاد التوأمين "شو" "إله الهواء" و"تفنوت" ربة الرطوبة، اللذين أوجدا بدورهما الإله "جب" إله الأرض والربة "نوتNut " ربة السماء. ونتج عن تزاوجهما "جب" و"نوت" الآلهة "أوزوريس" و"إيزيس" و"نفتيس" و"ست" وتكون من هذه الآلهة التسعة ما سمي التاسوع الإلهي (مجمع الآلهة التسعة). واعتبر هذا التاسوع فيما بعد كما ورد بالنصوص كيانًا إلهيًا واحدًا.

 

وقد اشتق من هذا النظام النظرية الكونية التي لاقت قبولًا عامًا وتتلخص في تكوين الكون على هيئة ثالوث يتكون من شو إله الهواء وهو واقف ويسند بيديه الجسد الممدد لربة السماء نوت بينما يرقد الابن جب عند قدميه". 

 

يقول النص: "أنا "نونو" أنا الواحد الأحد، ليس كمثلي شيء. لقد جلبت جسدي إلى الوجود بفضل قدرتي السحرية، لقد خلقت نفسي بنفسي وشكلت نفسي حسبما كنت أتمنى حسب رغبتي". "أنا السرمدي"، أنا "رع" الذي خرج من الـ"نونو" أنا "سيد النور" السماء حبلى برع وعندما ستلده "نوت" ترتفع الأيدي ويلتف من حوله الأتباع.. رب الأفق "رع" إنه يبزغ خارج الـ"نونو" إن تاسوعه يتحرق من حوله، وقدرته تخيف الآلهة التي أتت من بعده إلى الوجود. إن ملايين "كا" "ءاته" هي في فمه فهو السحر، ذاك الذي ولد من ذاته أنه ذلك الذي خلق الجبال وشكل السماء". في اليوم الأول و"آتوم" خارج الـ"نونو" فإنه يجسد في الوجود الإلهين التوأمين "شو" و"تفنوت"، وهما أول زوجين مخلوقين وقد شكلهما بلعابه: "لقد تفلت "آتوم" من فمه، باسمك هذا، الذي هو "شو"، يا "آتوم".. لقد تفلت "شو" و"نفثت/ تفنوت"، "تفالك" ولعابك، أي "شو" و"تفنوت".

 

يقول "آتوم": "تفنوت تلك التي هي الحياة، هي ابنتي، إنها في صحبة أخيها "شو" الذي يدعى أيضًا ذلك الذي هو الحياة. وهي تدعى أيضًا "ماعت" إنني أحيا مع فرخي، إني وسطهما، أحدهما خلفي والآخر أمامي، لقد نهضت فوقهما، بينما كانت سواعدهما تطوقني".   

 

وحيث إن شو وتفنوت أول زوجين في العالم فقد أنجبا "جب" إله الأرض و"نوت" إله السماء. وقد تزوجا بعضهما سرًا دون إذن من الإله "رع" ولما علم كبير الآلهة بذلك أرسل "شو" إله الهواء الذي أبعدهما عن بعض عنوة ومنذ ذلك الوقت والإله "شو" يطأ بقدميه "جب"، ويرفع بذراعيه القويتين السماء "نوت". 

 

ولادة التاسوع تواصلت بعدها عملية الخلق جنبًا إلى جنب مع خلق البشرية، وبولادة التاسوع ولد أوزوريس، وبتزاوج التاسوع أنجبا عددا كبيرا من البشر، وكانت البداية لأسطورة إيزيس وأوزوريس، وجعل أوزوريس سيد الكون بالعالم الآخر وهذه أبسط الصيغ التي صاغها كهنة هليوبوليس لتناسب نظامهم اللاهوتي فأسطورة الخلق عندهم كانت عملًا جادًا فلسفيًا فقد كان تحديًا لقدرتهم على تصور الكون وفهمه، ومن ثم استعانوا بالرموز الأسطورية للتعبير عن هذا الفكر، نستطيع أن نستنتج تلك الأساطير من النصوص والصور الممثلة في البرديات والتوابيت وكتب العالم الآخر التي تركها لنا المصري القديم، وبذلك يمكننا معرفة كيف خرج العالم إلى الوجود من مغزى هذا الإرث الفكري وعلى الرغم من ذلك فإن مصر القديمة لم تعرف أسطورة رسمية أجمع عليها الكهنة لتفسير بدء الخليقة، وربما يرجع ذلك لإحساس المصري القديم أن خلق العالم أمر غامض ومعقد فنسج العديد من قصص الخلق، بهليوبوليس وهرمو بوليس ومنف. 

نظرية الخلق الأولى- المتحف البريطاني

تم نسخ الرابط