لم تكد الأسرة الثالثة تبدأ عهدها حتى لمسنا تطورًا واضحًا في بناء القبور التي جاءت مغايرة لطراز القبر العتيق، ثم كانت الطفرة الحاسمة بظهور المصطبة التي تعد الخطوة المباشرة في بناء الهرم المدرج.
وبدأت الأسرة الثالثة بنحت القبر في الطبقة الصخرية تحت الأرض، ثم أقامت فوقه بناء مستطيلًا ضخمًا من اللبن ممتدًا على مساحة كبيرة ومرتفعًا فوق سطح الأرض، وشيدت فيه درجًا يصعد من الأرض إلى قمته ودرجًا آخر ينزل من قمته مخترقًا كتلة اللبن العلوية ثم الطبقة الصخرية التي نحت فيها القبر تحت سطح الأرض، وكانت قبور الأسرة الثالثة تتكون- على غرار قبور العصر الثيني– من حجرة جنائزية رئيسية هي حجرة المتوفى ومن عدد آخر من غرف متفاوتة الاتساع تكدس فيها قطع الأثاث الجنائزي والأشياء التي يحتاجها الميت في حياته.
وفى الأسرة الثالثة توسع الملوك في استخدام الحجر فقد اختار "إيموحتب" لبناء مدفن الفرعون زوسر منطقة مرتفعة بسقارة، تطل على مدينة منف وتشغل مساحة طولها 597 ياردة من الشمال إلى الجنوب وعرضها 304 ياردات من الشرق إلى الغرب.
وهكذا أحدث ايموحتب انقلابًا لم يتناول شكل المبنى الخارجي فحسب، بل كان تغييرًا جوهريًا إذ استبدل باللبن الحجر، وترك تواضع المصطبة إلى جلال الهرم، وشيد في الأعماق غرفة دفن ضخمة من جرانيت أحاطها بسرداب وغرف تزدان بزخارف من القيشاني الأزرق.
كانت مقبرة الملك زوسر مقبرة حجرية ضخمة بني فوقها خمس مصاطب أخرى تتناقص تدريجيًا في الحجم ليأخذ الشكل العام للبناء يشبه هرمًا مدرجًا ذا درجات.
وعن الهندسة البنائية للهرم المدرج يقول في ذلك "أ.أ.س.ادواردز" (يتكون البناء السفلي للهرم المدرج من بئر عميقة تفضي إلى عدد كبير من الممرات والحجرات، جعلت منه مدفنًا لا مثيل له بين الأهرامات الأخرى، ويمكن تحديد مدفن زوسر ومداخل البناء المتعاقبة، فقد حفروا بئرًا مساحتها 3 أقدام مربعة وتصل إلى عمق 28 قدمًا في باطن طبقة الحجر الجيري، ثم حفروا نفقًا مسقفًا على عمق 23 قدمًا تحت سطح الأرض يبدأ من هذه البئر إلى مسافة 66 قدمًا تقريبًا، وعند هذه النقطة– أي بعد اجتياز الحد الشمالي للمصطبة التي قصد زوسر في ذلك الوقت بناءها– يستمر النفق مساحة 70 قدمًا أخرى على هيئة خندق مفتوح تنحدر أرضيته إلى أعلى حتى تصل إلى مستوى الأرضية ثم عادوا يحفرون في البئر حتى وصلوا إلى عمق 92 قدمًا.
وترتب على تعميق البئر أن انخفضت أرضية الخندق حتى أصبحت منزلقًا ينحدر تدريجيًا إليها لكنهم لم يخفضوا الأرضية إلى آخر مستوى عمق، بل إلى نقطة تبلغ نحو 40 قدمًا فوق قاعدته فقط وحجرة الدفن في الهرم المدرج أصبحت هي الجزء المركزي في ترتيب الحجرات، فقد بنيت كلها من حجر الجرانيت الوردي المجلوب من أسوان، وتقع في قاع البئر وفى طرفها الشمالي ثقبوا فتحة في أحد أحجار السقف لينزلوا منها سدادًا من حجر الجرانيت، وفوق حجرة الدفن هذه كانت توجد حفرة يصلون إليها من المنزلق بواسطة وضعوا فيها السدادة الجرانيتية حتى جاء وقت وضعها في مكانها.
وحجرات أعضاء أسرته الأحد عشر أسفل الهرم على عمق كبير في الصخر الذي تحت سطح الأرض، كما أن هناك عددًا من الحجرات والممرات الأخرى، والهرم المدرج الدرج موضوع فوق مصطبة مربعة مثلما وضعت مصطبة الآجر فوق الكوم.
ويحيط بالهرم سور من الحجر الجيري الأبيض يضم مستطيلًا تبلغ مساحته حوالي 45 فدانًا به مقبرتان، المقبرة الجنوبية تواجه غروب الشمس، والمقبرة الشمالية له عبارة عن هرم مدرج يبلغ ارتفاعه حوالي مائتي قدم وموجه نحو الشمال وتحيط به مبان دينية كبيرة بالحجر الصلد ومعها ساحة وهياكل للآلهة وهكذا أصبح الهرم المدرج رمز لجبانة منف.
المصاطب في الأسرة الرابعة ظل الكثير من مصاطب الأسرة الرابعة يبنى من الطوب اللبن، ولكن استعمال الحجر الذي كان مقصورًا من قبل على آثار الملوك كان له الأثر الأكبر في تطور بناء المقابر في ذلك العصر. وفي المباني السفلية لمصاطب الأسرة الرابعة، سواء المبني منها باللبن أو الحجر، نرى عدة ظواهر جديدة، لكل منها دخلة عميقة في أحد جدرانها خصصت لوضع تابوت من الخشب أو الحجر.
في الزاوية الجنوبية الشرقية لهذه الحفرة حفرة عميقة ربما كانت تحفظ بها الأحشاء التي تستخرج من جسد الميت، وبعد الدفن يسد مدخل هذه الحفرة بسقافه ثقيلة من الحجر الجيري وتملأ بعد ذلك البئر العمودية الموصلة إلى سطح البناء العلوي بالرديم وتقفل فتحتها بغطاء محكم من الحجر.
من الهرم المدرج إلى الهرم الكامل يقول في ذلك "اريك هورنونج" (في الأسرة الرابعة نجد المهندسين الملكيين يبحثون عن أشكال جديدة، فقد ملئوا مدرجات الهرم بالمادة الصلبة كما في هرم ميدوم، وحولوا المقبرة الجنوبية للهرم إلى هرم ثان صغير لا يقصد به أن يكون مكانًا للدفن).
ويعتبر الهرم الشمالي للملك سنفرو الذي يقع في منطقة دهشور أول الأهرام التي اتخذت الشكل الهرمي الكامل أما الهرم الجنوبي وهو الهرم المنحني "هرم أوناس" فهو هرم فريد في شكله كما هو فريد في تصميمه.
يعزز القول "ياروسلاف تشرني" ويقول "يبدو أن هذا التغيير من الشكل بالهرم المدرج إلى الهرم الحقيقي يعزى إلى انتصار عقيدة الشمس الهيلوبوليسية، فهذا الشكل الهرمي كان مستلهمًا من "البنبن" "beben" وهو حجر مخروطي الشكل مرتفع ومدبب القمة كان يقدس في هليوبوليس باعتباره مثوى أو مستقر الشمس التي تقبض بأشعتها عندما تشرق في الصباح عند قمته".
وهذا ما يجعلنا نفكر في سبب اختيار الشكل الهرمي وهل له مدلول ديني معنوي عند المصري القديم.



