4 أوراق فى جيب جندى من شهداء الصاعقة
فى عدد سابق- كنت قد حدثتكم عن تلك «الأوراق» التي كان قد أطلعنى عليها- قائد عسكرى كبير.
وكنت أيضًا قد قلت- وقتها- أنه قبل أن «يطلعنى عليها- اشترط ألا أبوح لكم بما تحمله من «مفاجأت»!
وهذا الأسبوع فقط استطعت أن أجعله يوافقنى على أن أقرأ لكم شيئًا واحدًا مما سبق أن أطلعنى عليه.
هذا الشيء هو «بعض أوراق «أجندة» حمراء.. وجدت فى جيب أحد «جنودنا» الشهداء.
الورقة الأولي:
الحب، الحرب، الأرض، العرش، الثأر، الجنس، الخبز، الموت، الشجر، الصدق، الجوع، القلم، الوزير، الخفير، الناس، الكل.
هنا، كل هذه الكلمات- وغيرها- لها طعم غير ذلك تعودناه.
هنا «اخترنا أن تكون مواقفنا فى مناطق الكمائن» عيوننا من خلف الكمائن تسع المكان، الآن آذاننا تلتقط أصواتًا بعيدة لسيارات تقترب منا على طريق الطور، الأصوات- اتضح- أنهما لسيارتى أتوبيس تحملان مجموعة من العسكريين تتقدمها عربة جيب، دققنا النظر، وضح جيدًا أن العسكريين- بالسيارات- أغلبهم يرتدى زى الطيارين- وضح أيضًا أن عددهم يزيد عن 60 شخصًا متجهين إلى مطار العريش، قائدنا أصدر أوامره بعدم التعامل مع السيارات إلا بإشارة منه، هو يريد بذلك أن يعبر عليهما حتى تدخل تمامًا فى مرمى الكمين. أنزلنا طائرات الهليكوبتر- هنا- لمهمة محددة، المنطقة جبلية وعرة، مهتمنا كما حددها لنا قائد مجموعتنا- فى الواحدة ظهرالسادس من أكتوبر-هى بالضبط، تعطيل احتياطيات العدو ومنعها من نجدة قواته فى الشما، نحن كقوات صاعقة تعتمد فى قتالنا على المفاجأة والشجاعة والمهارات الميدانية، مهمتنا، فوق إزعاج القوات الإسرائيلية المتمركزة فى الجنوب، وفتح جبهة جديدة، تشغلهم عن المعركة الرئيسية على امتداد القناة، هى أيضًا زرع الألغام ونصب الكمائن ونسف خطوط مواصلاتهم.
الآن اقتربت منا السيارتان، أصبحتا تمامًا فى مرمى نيران أسلحتنا جميعًا، اتجهنا بأعيننا إلى القائد، أعطانا إشارة البدء- فأمطرناهم بقذائف الـ«أر- بى -جى، والرشاشات والقنابل اليدوية فى وقت واحد.
وفى ثوان، تحولت السيارة الأولي- بمن فيها- إلى كتلة من الحديد المشتعل.
والثانية- بينما هى تحاول الإفلات- عاجلناها ثانيًا بوابها من القنابل التي تمامًا مزقتها.
الورقة الثانية:
بعدها بيومين، كنا نزحف لمهمة أخرى، المهمة هى نسف طريق الطور نفسه، انقسمنا إلى ممجوعتين، واحدة لنسف الطريق والثانية لحمايتها أثناء التنفيذ.
لم نكتف- فقط- بنسف طريق الطور- نسفنا أيضًا أنابيب المياه وخطوط التليفونات، شاع الذعر والارتباك بين صفوف الإسرائيليين، نشطوا للبحث عنا، حلقت طائراتهم الهليكوبتر فوق رءوسنا، راحت تقصف موقعنا بالصواريخ والرشاشات، تعاملنا معها تعاملاً فوريًا، أصبناها، فأثرت التراجع والهرب.
غيرنا الموقع- تسلقنا جبلاً أكثر وعورة، اكتشف الإسرائيليون موقعنا الجديد- راحوا يقصفونه- من الجو- بالقنابل والصواريخ، لم يكن أمامنا غير حل واحد لتفادى قصفهم، لم يكن أمامنما إلا التسلسل بين قطع الصخور الضخمة للخروج من الجبل، اندفعنا جميعًا نحو السفح- وقبل أن نصل إلى الأرض- فوجئنا بثمان دبابات إسرائيلية تطوق الجبل، بينما اختفت الطائرات- أيضًا- تعاود قصفنا بالصواريخ والرشاشات.
أخذ الإسرائيليون يوجهون لنا نداءاتهم بالاستسلام فعدونا باستخدام الغازات السامة ونصف الجبل- نيران أسلحتنا- على الفور- كانت خير رد على نداءاتهم.
الورقة الثالثة:
بدأ ما معنا من الذخيرة يتناقص، نتسلل- يوميًا من جبل إلى جبل، استخدمنا كل أساليب التمويه المختلفة، عاودنا زرع الألغاب ونسب الكمائن، اهتدينا إلى مخزن لذخائر وأسلحة الإسرائيليين، الطريق إلى نسفه مزروع بالألغام، لو انشغلنا فى التخلص منها، من المؤكد أنهم سيكتشفوننا ثانيًا، بلا تردد، قفز أولنا فوق الألغام- أصبح جسده الطاهر طريقًا لنا إلى الهدف.
الآن، الطائرات الإسرائيلية تغرق المنطقة- بالمنشورات- وعود خيالية تغرى بدو سينا، مبالغ خيالية لكل من يقبض أو يرشد عن أحد رجال الصاعقة، المختبئين بين الصخور!
ضاعت كل جهودهم- للبحث عنا- دون فائدة- مرت الأيام- سمعنا بوقف إطلاق النار من «راديو» صغير كنا نحتفظ به.
قررنا أن نعود- ثانيًا- بكل أسلحتنا وأسلحة رفاقنا الذين سقطوا شهداء.
الطريق شاق وطويل، العدو يحيط به من كل جانب مازالت طائراته تبحث عنا، مضى علينا فى رحلة العودة شهور طويلة، نسير وفوق ظهورنا أحمال ثقيلة من الأسلحة والمهمات الشخصية، نسير ويخالجنى خاطر أن أرى كل شباب مصر- متطوعين فى صفوف الصاعقة- ليشعروا بأنفسهم بما نشعر به الآن من زهو- واعتزاز.
الورقة الرابعة:
نحن كرجال صاعقة، تعودنا على التأقلم والتكليف مع الطبيعة- كنا نحصل على الدقيق بطريق مختلفة- كنا- أيضًا- نتعرف بالخبرة على أماكن وجوه الملح وسط الصخور.
تناقص ما معنا- أيضًا- من تموين، أقمنا بالإغارة على أحد مراكز تموين القوات الإسرائيلية- استولينا على ما نستطيع حمله من مؤن.
ووقت أن كانت الثعابين مختلفية فى بياتها الشتوى، كنا نعتمد فى غذائنا على الملح والخبز الساخن بالخميرة، أدركنا أن الزواحف تتجنب أماكن وجود نبات الحنظل، اتخذنا منها مبيتًا لنا، أكلنا النباتات الجبلية، هذا النبات يعطينا طعم الفجل، هذا أيضًا فى طعم الجرجير، الأرانب الجبلية هى الأكلة الشهية التي كنا نحلم بها، صيدها كان يكلفنا- هو الآخر- الكثير من الجهد. عرفنا أنها تحب البصل- كنا- فى حالة توافره- نضعه لها فى الفخ.
بالنسبة للمياه، كنا نتجنب الآبار والعيون المعروفة حتى لا يكتشفنا الإسرائيليون، كنا نعتمد على مياه الأمطار أو مياه الآبار التي نحفرها بأنفسنا، واجهتنا فى طريق العودة وحوشا جبلية مفترسة- واجهنا أيضًا طائرات ودبابات وصواريخ الإسرائيليين.
مضى علينا الآن- فى رحلة العودة- نحو سبعة أشهر لن يكفينى لوصفها سبع «أجندات»!
عدد روزاليوسف 2626



