سيناء.. والضوء الأخضر
في مؤتمر «العلم والتكنولوجيا في مجتمع السلام».. الذي عقد أخيرا- بالقاهرة.. كانت سيناء على رأس القائمة.. لبحث الإمكانيات الطبيعية، والأسلوب الأمثل لاستغلالها!
وسيناء «ثروة» تعود إلى صاحبها، المعادن، والموارد الجوفية.. ومياه السيول.. والتربة الصالحة للزراعة.. وأيضا - الغطاء النباتي اللازم للوعي.. جعلت العلماء يجندون أنفسهم من أجلها.
وحوارنا يبدأ مع المسؤولين والعلماء.. في جولة نتعرف - خلالها - على سيناء أكثر - ونمسك بخيوط التعمير في تلك البقعة العائدة.. بعد شوق!
على الرغم من وقوع سيناء ضمن الحزام الفاصل الذي يميز الشمال الإفريقي.. وشبه الجزيرة العربية.. إلا أن هناك دلائل تشير إلى أنها - أي سيناء - كانت في الأزمنة الجيولوجية القريبة منطقة من الغابات.. تنتشر بها الأنهار.
ومع ظهور حالة الجفاف، تعرض سطح الأرض للتدهور التدريجي.. الذي زاد من حدته أو تحطم الغطاء النباتي في صناعة الفحم!
وعلى هذا النحو، أمكن تقسيم السطح في منطقة سيناء إلى سبعة أقاليم بالنسبة إلى الخواص وتوزيع المياه وتشمل وادي العريش.. والسهل الساحلي الجنوبي والبحيرات المرة.. وإقليم الحراني.. والجزء الشرقي من خليج العقبة وسهل الطينة وإقليم بحيرة البردويل، حيث كانت لكل إقليم من تلك الأقاليم سمات خاصة تختلف مع غيرها من الأقاليم الستة الأخرى.
- ما دور معهد الصحراء في تعمير سيناء؟
يقول مدير المعهد - الدكتور عبده شطا: إن المعهد منذ بدء افتتاحه عام 1950، وحتى عام 1967، وهو يعطي أهمية كبيرة للأجزاء الشمالية والشرقية من شبه جزيرة سيناء، والمتمركزة بين السهل الساحلي عند العريش ورفح من ناحية.. وحوض وادي العريش من ناحية أخرى.. وقد أثبتت الدراسات أنه كان من الأنهار الكبيرة في مصر.. وما زال وادي العريش - حتى اليوم - يفيض بالمياه في مواسم الشتاء.. وذلك يوضح ما يمتاز به حوض وادي العريش الذي يشغل مساحة اثنين وعشرين ألف كيلومتر مربع من إمكانيات للموارد الطبيعية الزراعية.
وقد قام المعهد في عام 1976 بالاشتراك مع جهاز تنمية وتعمير سيناء.. بتنفيذ مشروع لتنمية دلتا وادي سدر لتوطين البدو المنتشرين في هذه المنطقة!
كما أقام المعهد - أيضا - محطة للتجارب لتنمية لخزان المياه الجوفية.. وزراعة أنواع من المحاصيل.. بالإضافة إلى إقامة تجارب على أشجار الفاكهة لتعميمها على البدو سكان المنطقة.
وقد ظهرت النتائج المبشرة والمشجعة على استمرار التجربة وتنميتها.. ويقوم المعهد - أيضا - بتربية قطيع من الأغنام والماعز على تلك النباتات.. وستكون هذه المنطقة نواة لدراسات أخرى في مناطق السهل الساحلي جنوب غرب سيناء.
ويتوقع المعهد - والكلام للدكتور عبده شطا - أن تكون عملية التنمية في دلتا الوديان المشار إليها - على شكل مجتمعات متناثرة يمكن أن توجه إلى إنتاج الخضروات والفاكهة.. وصيد الأسماك والسياحة، وبعض الصناعات التي تتلاءم مع الظروف البيئية.
- ما رأي المعهد في فكرة وزارة الري حول شق القنوات شمال غرب سيناء؟
- رد مدير معهد الصحراء: نحن نرى ضرورة إعادة النظر في مثل هذه المشروعات لعدم ملاءمة الظروف البيئية التي تحكم طبيعة الأرض في هذه المنطقة المغطاة بالكثبان الرملية.
ولذلك نرى ضرورة الاهتمام بالموارد الطبيعية المتاحة.. ولا بد من التفكير في نقل مياه النيل بواسطة الأنابيب لاستخدامها في إقامة المستوطنات المحلية.. وسوف نقوم - مستقبلا - بالبدء في إنشاء السدود الحجرية.. فضلا عن تنمية خزانات المياه الجوفية.. لإحياء عصب هذا الجزء الشاسع من شبه جزيرة سيناء.
ويتوقع الدكتور جمال عبد السميع - نائب رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا - مستقبلا مبشرا لسيناء في المجال الزراعي خاصة.. ويقول: يجب ألا نطبق في سيناء ما طبقناه في دلتا النيل.. وذلك لاختلاف طبيعة التربة في هذه عنها في تلك.. فقد استطاع الفلاح المصري أن يستغل منطقة وادي النيل بأساليب الري التقليدية والزراعات التي نجحت فيها.. ولكن في سيناء تختلف التربة وطبيعة الأرض.. فظروف تكوينها الجافة جعلت قطاع التربة فيها يتميز بخواص طبيعية وكيماوية متباينة تمامًا.. وبالتالي يستلزم ذلك اتباع طرق للري تختلف أيضا عن الطرق المعروفة لمعالجة هذه الأرض الجديدة.. كالري بالرش.. مثلا.

- طيب.. ما هو الرى بالرش؟
- هو تقليد لنظام الري الطبيعي.. ويتمثل في توزيع مياه الري على سطح التربة بطريقة ضغط المياه في أنابيب مقفلة تخرج من رشاشات يختلف شكلها وارتفاعها حسب نوع التربة والمحصول.
ولقد تطورت هذه الطريقة إلى طريقة الري بالتنقيط.. وهو استخدام أنابيب من البلاستيك ذات رشاشات أو فتحات صغيرة ضيقة عند ساق كل نبات.. وبذلك لا تروي كل المساحة.. وإنما موقع النبات النامي فقط.
والتطور في هذه الطريقة يسمح بإضافة العناصر الغذائية ذات القيمة العالية للنبات.
ورغم أن الري بالتنقيط يوفر كثيرا من المياه - أكثر نسبيا مما يوفره الري بالرش العادي - إلا أنه يحتاج مزيدا من التجارب التطبيقية لمدة طويلة، لاختبار هذه الطريقة في ضوء الظروف الموجودة.
ويضيف الدكتور جمال عبد السميع: إن حجم التوسع الزراعي في سيناء يرتبط بكمية ونوع المياه التي يمكن توصيلها - من دلتا النيل - إلى المنطقة المستصلحة عن طريق مواسير تحت قناة السويس.. ولا يجب أن ننظر إلى هذا التوسع كمساحة.. بل ككمية إنتاج فإذا كان بمقدورنا استصلاح مليون فدان وإنتاجها لعشر وحدات من الفدان فقط.. فلا شك أن استصلاح ربع هذه المساحة فقط في ظروف أكثر تحسنا وبتكثيف أكبر في الخدمة.. لا شك أن ذلك الاهتمام سوف يعطي وحدات إنتاجية أكثر قد تصل إلى خمسين بدلا من عشر!
بالإضافة إلى أن اختيار النبات المناسب للتربة.. يجب أن يكون في المقام الأول للحصول على كمية إنتاج أفضل مما لو حاولنا استصلاح التربة حسب نوع معين من النباتات.
- إذن كيف نبدأ التعمير الزراعي في سيناء؟
يرد الدكتور جمال عبد السميع: يجب الاهتمام أولا بزراعة الأشجار لحماية أحواض النباتات من شدة الرياح ولفحات الحر.. وهذه الأشجار تعتبر ذات فائدة أخرى.. فمن الممكن بعد ذلك الانتفاع بأخشابها، بعد أن نكون قد بدأنا في زراعة غيرها.
كما أنه لا بد - أيضا - من سرعة البدء في إقامة مزارع تجريبية على أسس علمية سليمة.. نستخدم فيها مياه الري بنوعياتها المختلفة.. وذلك لتجربة أفضل أساليب الزراعة.. وأجود النباتات التي من الممكن زراعتها في هذه المنطقة.
- ماذا عن تخطيط سيناء؟
يقول نائب رئيس جهاز بحوث ودراسات التعمير - ومقرر اللجنة العليا لتنمية وتعمير سيناء - المهندس عبد الرشيد منصور: لقد وضعت سياسة طويلة الأجل لعمل تخطيط شامل لسيناء، وتجميع البيانات الضرورية لهذا التخطيط.. وتحديد المشروعات المختلفة في قطاعات الزراعة.. والصناعة والبترول والسياحة والثروة السمكية.. وبذلك نستطيع تحقيق تنمية سيناء على أسس علمية حديثة وبالاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة.
وعند استلام الأرض سوف تقوم لجنة التخطيط بإعداد برنامج تنفيذي للمتطلبات الفورية التي تحتاجها الحياة الجديدة لسكان سيناء، كهيئة المرافق والخدمات.. من مواصلات ونقل، وإصلاح طرق بالإضافة إلى ضرورة توفير الخدمات الصحية والأمن.. وذلك لتهيئة المناخ المعيشي المتكامل لهم.. والذي يكفل مساواتهم بباقي محافظات الجمهورية.
وقد أرسلنا مجموعات متخصصة إلى سيناء للوقوف على ما وصلت إليه المشروعات السابقة، قبل السيادة المصرية، حتى نستطيع تحديد المشروعات المتكاملة.. وبالتالي تقدير التكلفة المادية والبشرية.
أما عن التعليم - في سيناء - فيقول أحمد شاهين مدير التعليم الإعدادي والثانوي هناك:
لقد خلقنا - بعد حرب 67 - مدارس كثيرة في سيناء، استولى عليها المحتل الإسرائيلي.. ويبلغ عددها تسعا وخمسين مدرسة، ما بين تعليم ابتدائي وإعدادي وثانوي عام وثانوي فني، ودار للمعلمين والمعلمات، وقد تضاءل عدد هذه المدارس - بعد ذلك - حتى أصبح ثماني وأربعين فقط.. إلى جانب دار للمعلمين والمعلمات.. أنشئت عام 1977.. ولقد ألغى الاحتلال مدارس التعليم الثانوي التجاري والصناعي.
وسوف تعاد المدارس الصناعية مع تجهيزها بالورش والأقسام الفنية التي كانت بها قبل النكسة.. وسنضيف لها أقساما جديدة لتخدم احتياجات البيئة، وسوف ننشئ مدرسة زراعية.. ونعيد تشغيل المدرسة التجارية التي ألغيت في فترة الاحتلال الإسرائيلي!
وسيتم إنشاء مدارس صناعية أخرى تقوم على التعدين واستخراج البترول.
بالإضافة إلى توسيع عدد المدارس الابتدائية لخدمة البيئة.. وسنقوم أيضا بإنشاء مشروع لمحو الأمية لأبناء البدو في سيناء.. بالتعاون مع محافظة سيناء الشمالية.
كما سنقوم بإنشاء مدارس كاملة الإعاشة لتكون مقرا ومأوى للتلاميذ والأساتذة الذين يفدون من أطراف الجزيرة.. مع تهيئة جميع سبل الراحة والترفيه المطلوبة من مدارس ومكتبات وملاعب وغيرها.. كتعويض لهم عما فقدوه أثناء فترة الاحتلال الماضية.
أما بالنسبة للتعليم العالي في سيناء، فيقول مدير التعليم الإعدادي والثانوي بها:
لقد وضعت الوزارة في خطتها إنشاء كلية للتربية بالتعاون مع جامعة القنال.. لتخريج المعلمين الذين تحتاجهم مدارس سيناء المختلفة.. وتتجه النية - أيضا - إلى إنشاء كلية للهندسة توجد بها التخصصات اللازمة لاستغلال جميع الموارد البشرية.
أما بالنسبة للخطة الصحية الموضوعة لسيناء فيقول د. سعد فؤاد - وكيل أول وزارة الصحة:
لقد أعددنا مسحا طبيا شاملا لكل أهالي سيناء وسوف نقوم باستخراج بطاقات صحية لكل فرد منهم.. وسيكون هذا النظام هو الأول من نوعه في مصر.. وستعمل على تدعيم الخدمات الصحية.. والتي تشمل رعاية الطفولة والأمومة، والوقاية من الأمراض المعدية.. إلى جانب التثقيف الصحي.. وغير ذلك.
كما وضعت خطة لتنظيم العمل بالعيادات الخارجية للمستشفيات، والعلاج بالأقسام الداخلية.. وتحويل المرضى إلى المراكز المتخصصة للعلاج.
وسنقوم بتنظيم خدمات الإسعاف والطوارئ.. وسوف نزود سياراتها بأحدث الأجهزة ضمانا لتأدية رسالتها على الوجه الأكمل.
ويقول الوزير المفوض بالتمثيل التجاري مصطفى عوض:
لقد كانت اتفاقية السلام عاملا مهما في وجود الاستقرار الذي يشجع المستثمرين للعمل في مصر.. وإرساء لقواعد الانفتاح الاقتصادي على أسس سليمة وراسخة.
- لكن ما الآثار الاقتصادية التي يمكن أن تحققها سيناء؟
أجاب الوزير المفوض:
سوف تتمثل الآثار الاقتصادية في سيناء.. في أكثر من قطاع.. فبالنسبة للسياحة، يوجد بسيناء مناطق سياحية رائعة.. مثل دير سانت كاترين وجبل الطور، والمنطقة السياحية في شرم الشيخ، يضاف إلى ذلك الأنشطة السياحية الأخرى الموجودة بالمنطقة.. كل ذلك يعتبر عوامل جذب لتشجيع السائحين على ارتيادها.. مما يكون له الأثر في ازدياد الدخل الاقتصادي من العملات الصعبة.
وإلى جانب السياحة توجد الثروة السمكية، فبإعادة بحيرة البردويل إلى مصر، يعود الصيد إلى المنطقة، كما كان قبل فترة الاحتلال، وسوف تزيد كمية الإنتاج منه.. عملا للقضاء على أزمة اللحوم وتوفيرا لما كنا ندفعه مقابل الاستيراد السنوي لهذه الأسماك.
وسوف يقوم عامل المسافة بين بحيرة ناصر والقاهرة، وبحيرة البردويل، وقربها من العاصمة، سيكون ذلك عاملا مهما، والحديث ما زال للوزير مصطفى عوض، في تحسين التوزيع.
كما ستزيد - بالتالي - أعداد الدواجن.. في مزارع التربية، تبعا للتوسع في صناعة بذرة الأسماك التي تستعمل كعلائق لها.. مما يرفع إنتاجية الثروة الحيوانية في مصر.. تعويضا عما تفتقده من المراعي اللازمة لزيادة هذه الثروة.
وبالنسبة لقطاع البترول.. فستعود الآبار التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية.. والاكتشافات الجديدة ليصل إنتاجنا منه - بعد التوسع - إلى ما يقرب من مليون برميل يوميا - بعائد يبلغ ألفا ومائتي مليون دولار.. تغطي الاحتياجات المحلية.. ويكون لدينا فائض للتصدير يتراوح ما بين 400 و500 مليون دولار سنويا.
أما إنتاج الفحم فإن لدينا منه ما يغطي احتياجنا لعشر سنوات قادمة.. بالإضافة إلى ضمان استمرار تشغيل أفران الحديد والصلب بكامل طاقتها الإنتاجية.. مما يساعد على تخفيف أزمة استيراد الحديد اللازم للبناء.
أما بالنسبة للفوسفات والمنجنيز فإن منطقة أبو طرطور غنية بهما.. وهناك مشروعات لاستثمار واستغلال هذه الخامات.. لخدمة الصناعة وتوسيعها في مصر - بالإضافة إلى إمكانية الحصول على الرمال البيضاء التي تدخل في صناعة الزجاج.. إلى جانب المواد التي تساعد على الارتقاء بصناعة الخزف والصيني.. والطوب الحراري والإسمنتي.. وغيرها.
كما يمكن استخراج الذهب - أيضا - من شبه جزيرة سيناء.. مما يعود لنا بفائدة مجزية.. ويكون أحد المصادر الاقتصادية للدخل القومي في مصر.
روزاليوسف العدد 2679



