الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أداء المقاتل المصري يفرض نفسه على حروب المستقبل

بوابة روز اليوسف

لقد حارب المصريون بحشد وكثافة ونظام كما حاربت جيوش الفرس واليونان والرومان.. وحارب الإسرائيليون كمن يلعب الجودو 

“جنرال يوفر”     

153 عملية خداع قام بها المصريون قبل الحرب!

 

كانت حرب أكتوبر 1973 فرصة العرب الحقيقية لاكتشاف الذات، وتأكيد الثقة في إمكاناتهم المعنوية والقتالية، واستثمار قدراتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، في الارتفاع من مرحلة التمزق إلى مصاف القوى الكبرى ذات التأثير في السياسات الدولية!

 

ورغم انقضاء ثماني سنوات على وقف إطلاق النار فمازالت أصداء حرب 1973 تتوالى.. ومازالت آراء المعلقين العسكريين ودراسات المراكز الاستراتيجية تلقي المزيد من الضوء على أسرارها ونتائجها العسكرية.

 

في كتاب «المجدال» الذي اعترف فيه الإسرائيليون بتقصيرهم عديد من المؤشرات، التي توضح في قوة وحسم مدى الأخطار التي كانت تهدد دولتهم منذ اندلاع حرب أكتوبر 1973. «منذ طلوع فجر يوم 7 أكتوبر حتى غروبه.. حيث تمكن المصريون من تثبيت رؤوس الكباري وعبور «الأنساق» للمشاة والمدرعات كان مصير إسرائيل كدولة متوقفا على قدرة الصد الدفاعي أو الهجوم المعاكس.. لم تتعرض إسرائيل كدولة منذ قيامها على مدى 25 عاما للدمار وبصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري وكان بيننا وبين القضاء علينا خطوة واحدة»!

 

وفي الدراسة الشاملة التي نشرتها مجلة «العسكرية المتخصصة» للمعلق العسكري العالمي «تشارلز ويكبردج»، تحت عنوان «الحل الذي توصلت إليه هيئة الأركان المصرية» يقول: «في ضوء ظروف ومتطلبات الحرب الحديثة.. فإنه يكاد يكون في حكم المستحيل التغلب والسيطرة على عملية اقتحام قناة السويس وخط بارليف بدون استخدام السلاح النووي التكتيكي.. ولكن بالبحث العلمي والتخطيط السليم والإعداد الدقيق والخداع والسرية من جانب المصريين استطاعوا أن يأخذوا الإسرائيليين على غرة في يوم السادس من أكتوبر.

 

لقد افتتح المصريون حرب الشرق الأوسط 1973 بالقصف المكثف العنيف الذي انطلق من مواسير 4000 مدفع، وبضربة جوية فوق سيناء قامت بها 200 طائرة قاذفة ومقاتلة، ثم تلتها على الفور موجة أولى مكونة من 8000 جندي مشاة محمولين على 1000 قارب هجومي.

 

وخلال 24 ساعة كان المصريون، قد وضعوا خمس فرق كاملة من جنود المشاة على الشاطئ الشرقي. بالإضافة إلى 500 دبابة كما استطاعوا الاستيلاء على نحو 20 من قلاع بارليف البالغ عددها 30 قلعة وتدمير 250 دبابة إسرائيلية وقتل 150 إسرائيليا وأسر الكثيرين منهم. هذا بالإضافة إلى تساقط الطائرات الإسراائيلية في مصيدة حائط الصواريخ المصرية!

 

ولم يكن هذا عملا عاديا في حد ذاته.. بل كان عملا نادرا جديرا بالثناء والإطراء على ضوء نتائج حرب الأيام الستة في يونيو 1967، حينما دمر الإسرائيليون القوات الجوية المصرية بضربتهم الوقائية. وتشتت الجيش المصري الذي يبلغ 90 ألف جندي. بعد أن ترك بدون حماية جوية. وفقد الجزء الأكبر من مصداقة السوفيتية الصنع.. وبعد ذلك بفترة قال الرئيس ناصر لرئيس الوزراء السوداني محجوب: «عندما قدمت استقالتي في 9 يونيو لم يكن هناك سوى 400 جندي فقط فيما بين الإسماعيلية ومنزلي بالقاهرة.

 

معركة رأس العش

 

وبالطبع لم يأت نصر أكتوبر 1973 من فراغ أو ضربة حظ أو مجرد رغبة في الانتصار.

 

لقد سبق حرب أكتوبر عدة مراحل قتالية تمهيدية بين القوات المصرية غرب القناة والقوات الإسرائيلية في سيناء.

 

مرحلة الرفض والصمود، التي بدأت في أول يوليو 1967 وانتهت في أغسطس 1968.

 

كانت بدايتها معركة رأس العش التي أوقفت تقدم القوات الإسرائيلية التي كانت تطمح في احتلال بورفؤاد.. وكان استمرار تلك المرحلة ملازما لاستخدام المدفعية بعيدة المدى عبر القناة.. الأمر الذي أجبر الإسرائيليين على التفكير في بناء المرحلة الأولى من خط بارليف لستر وحماية أفراده ومواقعه وأسلحته. ثم كان تدمير لنشات الصواريخ البحرية للمدمرة إيلات في 21 أكتوبر 1967 والتي كان لها أبلغ الأثر في رفع الروح المعنوية على الجبهة المصرية!

 

مرحلة الاستنزاف، وقد بدأت من مارس 69 حتى أغسطس 1970، حيث شهدت عبور مجموعات من القوارب المصرية الخاصة إلى شرق القناة. وتكبيد إسرائيل خسائر فادحة في الأفراد والأسلحة والمعدات.. وتمكنت المدفعية المصرية من تدمير 80٪ من تحصينات إسرائيل في خط بارليف الأول.

 

كان أبرز معالم مرحلة الاستنزاف ظهور ونمو قواتنا الهجومية التي تجلت في معركة «الجزيرة الخضراء»، التي استخدمنا فيها القصف المركز من الطيران واللانشات البحرية والمدفعية الثقيلة، والتي حالت دون تمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها.

 

معركة «لسان بورفؤاد»، حيث قامت سرية صاعقة بالتعاون مع بعض أفراد الشعب بتدمير مواقع العدو وأسر بعض أفراده.

 

معارك البحرية المصرية الهجومية شمال سيناء على رمانة وبالوظة بدون غطاء جوي.. وفي أقصى الجنوب من سيناء، حيث هاجمت الضفادع البشرية والقوات الخاصة ميناء إيلات مرتين ودمرت عددا من قطعه البحرية!

 

وعلى صعيد المعارك الجوية كانت نهاية أسطورة الفانتوم في 9 ديسمبر 1969 بعد التحامها بطيار الميج المصري!

 

وهكذا.. مرحلة في أعقاب مرحلة.. كان نمو القوة المصرية العسكرية من جديد.. وارتفاع معنوياتها وثقتها في القيادة وفي حتمية النصر.. وعبر هذه المراحل كانت القيادة المصرية في سباق مع الزمن على صعيد وضع وتطوير الخطط الاستراتيجية والتكتيكية.. وتنفيذ برامج التدريب الشاق واستيعاب السلام، استعدادا لخوض الجولة الرابعة في سلسلة الحروب العربية الإسرائيلية.

 

الحرب الصحراوية

 

وتجمع كتابات المعلقين العسكريين على اختلاف جنسياتهم واتجاهاتهم أمثال تزيج لوفجرين وروبرت روبلفسكي وروبرت هوتمز وغيرهم.. إن خطط وتكتيكات وأداء المصريين في حرب أكتوبر 1973 كانت تتميز بالاستعاب الكامل والتفوق الكامل على الإسرائيليين في معارك الصحراء.. سواء من حيث السرية والخف والمرونة دفاعا وهجوما.. وأن القوات المصرية كانت مؤهلة تمامًا لمواجهة سرعة الهجوم المعادي كما كانت مؤهلة بنفس الدرجة لخوض معارك الهجوم المعاكس والخاطف!

 

وأجمعت كتابات هؤلاء المعلقين على أن القوات المصرية نفذت الهدف الأساسي لأي حرب صحراوية بتدمير كل وسائل النيران المعادية.. بالإضافة إلى تعويض تفوق العدو الجوي بتفوق وسائل الدفاع الجوي. التي فرضت مظلة من الحماية للقوات البرية المتقدمة. ومنع الطيران المعادي من فرص التنسيق مع قواته الأرضية الميكانيكية والاشتباك بكثافة بشرية وآلية وعلي عدة محاور على طول 170 كيلومترا.. وتجنب الاشتباك مع العدو بقوات مشتتة ومبعثرة.

 

ويقول المعلق العسكري العالمي «درو ميلتون»، لقد أثبت المصريون كفاءة رائعة في حرب 1973 في الانتقال من القتال الثابت إلى القتال المتحرك في الحرب الصحراوية ضد المدرعات المعادية.. وكان المصريون قوة متماسكة شرق القناة!

 

ويقول أيضًا.. إن الصواريخ المصرية قطعت أي محاولة وفاعلية للهجوم المنسق بين المدرعات والقاذفات المقاتلة الذي ساد المفهوم التكتيكي الهجومي منذ الحرب العالمية الثانية.. حيث تمكن المصريون من تحييد الطائرات وحركة المدرعات الإسرائيلية خلال الست الساعات الأولى من القتال.

 

اهتمامات المعلقين العسكريين

ولعل أكثر الموضوعات التي تناولتها اهتمامات المعلقين العسكريين ومراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم إزاء معطيات ونتائج حرب أكتوبر.. تتركز معظمها في عدد من المتغيرات الجديدة في العالم العسكري وفنون وعقائد القتال لعل أبرزها.

 

- نجاح القوات المصرية في إدارة النيران.. وهو ما يسمى بعلم وفن إدارة نيران الأسلحة.. حيث تعتمد الحروب الحديثة على قوة النيران والطيران. وعامل الوقت والمسافة. وتنفيذ الجدول الزمني الموضوع لإدارة المعركة. وأهمية المناورة بالقوات والالتزام بالضبط والربط.. فالمنتصر في الحرب الحديثة هو الذي ينجح في إسكات نيران خصمه!

 

- نجاح المهندسين المصريين في تجهيز مسرح العمليات الأمر الذي مكن قوات العبور من استخدام مضخات المياه في انهيار الكثبان الرملية الضخمة على طول خط بارليف.. وفتح الثغرات الملائمة لتركيب رؤوس الكباري وعبور المدرعات بعد ساعات قليلة وقياسية لدعم قوات المشاة.

 

>الإمداد والتموين الجيد حيث توافرت إمكانيات القتال المتلاحم للقوات المصرية.. من ذخيرة وقطع غيار للأسلحة البرية والجوية والبحرية، ومن طعام وملابس وخدمة طبية ونقل الماء والوقود.. وشبكات المواصلات وخطوط أنابيب المياه.

 

وقد كانت ملابس جنود المشاة التي اقتحمت خط بارليف ابتكارا جديدا تماما فقد جهزت بعشرات الجيوب والتجهيزات التي تمكن كل مقاتل من حمل أسلحته وذخيرته وطعامه وغير ذلك مما يحتاجه في معاركه الأولى مع العدو والاعتماد على نفسه إلى النظام خطوط الإمداد والتموين!

 

والسائد في كل جيوش العالم.. إن الجندي المقاتل في وقت الحرب.. يحتاج إلى أن يخدمه ما بين 7 إلى عشرة أفراد ولكن في حرب أكتوبر كان الجندي المصري المقاتل يخدمه جندي واحد فقط.. وهذا يرجع إلى التخطيط السليم والتجارب المضنية والابتكارات في التجهيزات والوسائل وحسن استخدام المعدات وصيانتها!!

 

> الأرقام القياسية في قوة التحمل والأداء.. والسرعة والجرأة والمبادأة «مع سرعة سير جنزيزر الدبابة»، وهو مقياس الحرب الحديثة.. مثال ذلك الجندي عبدالعاطي صائد الدبابات الذي دمر بمفرده 17 دبابة إسرائيلية بواسطة الصواريخ المحمولة على الأكتاف بالتصويب النظري.. وصمود كتيبة صاعقة لمدة ثلاثة أشهر دون أن تستلم للحصار الإسرائيلي.. علما بأن الرقم القياسي لقتال سرية الصاعقة نصف ساعة ومتوسط قتال الكتيبة ساعتان ونصف الساعة.

 

- أكد المصريون أن دور المشاه يستحق أن يستعيد أمجاده تحت سواتير النيران وصواريخ الدفاع الجوي.. وأثبت جندي المشاه المصري أنه الدليل المرئى أمام العدو على تثبيت النصر وتحرير الأرض.. وأنه صاحب القرار الحاسم الذي يستطيع تدمير قوة العدو في كثير من المهام القتالية حتى لو كان خلف حصون المدرعات الكثيفة النيران.

 

- إن دور المدرعات لم يتلاش ولم ينته وإنما يحتاج إلى إعادة النظر للتطوير في ضوء معطيات حرب أكتوبر.. فلم تجد المدرعات الإسرائيلية دروعها السميكة وقذائفها المجوفة وسرعة حركتها أمام القذائف الصاروخية المصرية التي تصدت لها عن بعد أو عن قرب في أوضاع الصدام المباشر!

 

-  أثبت المصريون قدرة فائقة في شؤون المخابرات والتمويه على العدو وخاصة في مرحلة الإعداد، وتحديد ساعة الصفر لمعركة أكتوبر 1973.

 

وقد رصدت مراكز الدراسات العسكرية الاستراتيجية، حتى الآن، ما يقرب من 152 عملية خداع وتمويه قام بها المصريون في هذا الصدد بنجاح وسرية كاملة. منها اختيار ساعة المعركة في موسم جني المحصول الرئيسي في مصر وهو القطن. والتفاوض على شراء قصر لعظيم مصري في باريس. وإبحار قطع الأسطول المصري لإجراء عمرة صيانة في الهند. وتعبئة الاحتياطي ثم تسريحه، والإعلان عن بعثة القوات المسلحة للحج. ومقابلة محمد حسن الزيات وزير الخارجية آنذاك لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بحثا عن حل لمشكلة الشرق الأوسط. وتوزيع «كتيبة الكسل» على امتداد الشاطئ الغربي لقناة السويس لإيهام العدو بعدم الاستعداد للمعركة و.. و..و.

 

وفي كل الأحوال فقد كانت خطة القيادة المصرية إطالة المدة، التي يمكن أن يحصل خلالها العدو على المعلومات من يوم إلى أسبوع فأكثر!

 

- تجنيد المؤهلات

وعلى صعيد الدفاع الجوي.. فقد خاض المصريون باعتراف وإجماع المعلقين العسكريين ومراكز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية.. آخر حرب حديثة في العالم.. حرب الأسلحة المشتركة.. حرب المظلة الصاروخية.. حرب الإلكترونيات!

 

ويرى هؤلاء أن الفضل في نجاح المصريين في خوض هذه الحرب التي تعتمد على الكفاءات العلمية القادرة على استخدام الأسلحة والمعدات الحديثة والإلكترونية.. يرجع في المقام الأول إلى دخول عناصر جديدة من حملة المؤهلات العليا التي أمكنها استيعاب المعادلات الرياضية اللازمة لإدارة قواعد الصواريخ وبطاريات المدفعية ورصد أسلحة العدو والتصويب بالأشعة وأجهزة التنصت والتشويش.

 

ورغم الهجوم الذي تعرض له الرئيس عبدالناصر لقبوله مبادرة روجرز - فقد أتاحت هذه المبادرة فترة كافية للقوات المصرية لبناء حائط الصواريخ القريبة والبعيدة المدي.. والتي شكلت فيما بعد خلال حرب أكتوبر 1973 ظاهرة جديدة وخطيرة في حروب المستقبل.. حيث كان لها الفضل الأكبر في شل الذراع الطولي التقليدية للجيش الإسرائيلي.. والتي كانت تعتمد على قوة الطيران وقوة المدرعات وتفوق هذين السلاحين على نظيرهما في الجيوش العربية مجتمعة.. حيث كانت إسرائيل تبادر في كل حروبها السابقة إلى استخدام ذراعها الطولي في نقل المعركة بعيدا عن أرضها وفقا لأسلوب الحرب الوقائية وضربات الإجهاض!

 

لقد كان لشبكة الصواريخ البعيدة المدى الثابتة.. والقريبة المدى المتحركة قوة تعادل قوة الذراع الطولى للقوات الإسرائيلية.. بالإضافة إلى القوة الجوية والقوة المدرعة المصرية المدخرة!

 

ومن هنا كان تعليق كينيث هانت نائب مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حول هذه الظاهرة الجديدة، التي أبرزتها القوات المصرية. «لقد تمكن المصريون بما لديهم من الصواريخ وحسن استخدامها من قلب ميزان التوازنات التقليدية بين الطائرات المقاتلة والدفاع الجوي.. وبين الدبابة والسلاح المضاد لها».

 

ويقول المعلق العسكري العالمي روبرت هوتز في مقاله حول المتغيرات المتوقعة في معادلة القتال بعد حرب أكتوبر 1973.

 

ومن الواضح أن القوات الجوية الإسرائيلية كانت تضع ثقة كبيرة في إجراءاتها الإلكترونية المضادة المحمولة جوا.. ولكن هذه الإجراءات الباهظة التكاليف قد ثبت عدم فاعليتها أثناء العمليات التي واجهتها من الصواريخ المصرية.

 

وكمثال على ذلك أن الطيارين الإسرائيليين الذين وقعوا في أسر القوات المصرية بعد أن أسقطت طائراتهم بواسطة حزام الصواريخ، اعترفوا بأن قيادتهم كانت على ثقة كاملة في التجهيزات ومعدات التشويش الإلكترونية التي زودت بها طائراتهم وقدرتها على الإفلات من الصواريخ المصرية.. ووصولها إلى أهدافها على الجبهة المصرية والعودة بسلام فماذا بهم يقعون في مصيدة المصريين!

 

 

 

سبع دقائق للإقلاع

 

وعلى صعيد القوة الجوية المصرية.. احتل هذا الجانب أيضًا اهتمامات كبيرة من المعلقين العسكريين ومراكز الدراسات الاستراتيجية.

 

والمعروف في علم التحكيم العسكري بين القوات المتحاربة.. إن من يقف ما بين 15 إلى 20٪ من قوته الجوية يعد مهزوما.

 

فإذا طبقنا هذه النظرية على إسرائيل فقد كانت كل المؤشرات تجزم بهزيمتها جويا على الأقل خلال الأيام الأربعة الأولى من معركة أكتوبر .1973

 

والمعروف أن إسرائيل لجأت بعد الأيام الأربعة الأولى من معركة أكتوبر وتدمير جانب كبير من قوتها الجوية.. إلى إخراج الطائرات «المستير» الفرنسية القديمة التي أدخلتها المخازن منذ حر 1967 والدفع بها إلى سماء المعركة.. الأمر الذي يؤكد الهزيمة الساحقة التي نالت القوة الجوية الإسرائيلية.

 

وصحيح أن الولايات المتحدة جندت آنذاك طائراتها الضخمة طراز جلاكسي وهيركيوليز لنقل مخزون البنتاجون من المانيا الغربية وغرب الولايات المتحدة إلى مطار العريش.

 

كل ذلك صحيح.. ولكنه لا يغير من حقيقة الهزيمة الجوية الإسرائيلية.. كما لا يغير من سلامة القوة الجوية المصرية وطواقمها القتالية وبراعة طيارينا وشجاعتهم وبذلهم إلى درجة أن الطيار المقاتل كان يقوم بعدة طلعات جوية متوالية وقياسية.. وكان قادة التشكيلات والأسراب في طليعة رجالهم خلال كثير من العمليات الجوية.

 

وكان المهندسون في سلاح الجو المصري مثار إعجاب المعلقين العسكريين أيضًا.. فقد نقل عنهم حلف وارسو وحلف الناتو ابتكاراتهم في التجهيزات الهندسية لدشم الطائرات.. وضرب الفنيون الجويون المصريون الرقم القياسي الأمريكي والإسرائيلي في سرعة تجهيز وتموين الطائرات وإقلاعها من 15 دقيقة إلى سبع دقائق فقط.

وهكذا..

أثبت المقاتل المصري أنه مفاجأة معركة أكتوبر 1973 في تدريبه وبذله وعطائه.. وكان مؤهلا تماما لهزيمة الفكر الإسرائيلي على الصعيد النظري وعلى الصعيد العملي إلى حد اعتراف كتاب «المجدال» بهذه الحقيقة: «مستحيل تجاوز ما حدث.. فقد كان يمثل خطورة قصوى على فكرة قيام إسرائيل ذاتها»!

 

عدد روزاليوسف 2784  

تم نسخ الرابط