الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

زوجى يحب العسكرية منذ كان طالبًا فى التجارة

بوابة روز اليوسف

حين أخرجوه للمعاش.. جلس يخطط للحرب خرج المشير يوم 6 أكتوبر ولم يعد إلى البيت إلا بعد 16 يومًاصدق الذين قالوا أن وراء كل رجل عظيم.. امرأة عظيمة.. والأمثلة عديدة.. ولكن لن نذهب بعيدًا، فأكبر مثل على ذلك الرئيس أنور السادات.. ففى سنوات كفاحه الطويل.. وفى أحلك ظروف حياته، فى السجن والمعتقل، وهزيمة 67 كانت السيدة العظيمة وراء هذا النضال.. تعطى الأمل.. وتقوى العزيمة بالنصر الكبير.. ولا ننسى أبدًا وقفتها الكبرى بجانبه فى حرب رمضان، ودورها كزوجة وأم مصرية جمعت خلفها كل امرأة مصرية لتشد أزر الأزواج والأبناء فى القتال. وفى رمضان من العام الماضى أعلن قرار الحرب ضد إسرائيل وقام بتنفيذه المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية.. الذي آمن بأهمية القرار وضرورته من أجل كرامة الوطن. وقد كانت السيدة العظيمة زوجة وزيرة الحربية ونائب رئيس الوزراء، وراءه بحماسها.. تعالوا نستمع إلى ذكرياتها عن 6 أكتوبر ونتعرف من خلالها على الرجل الذي تحمل مسؤولية تنفيذ القرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس أنور السادات. > حب المشير للقوات المسلحة كالدم يسرى فى عروقه ابتسمت السيدة سماح الشلقانى ابتسامتها الهادئة وقالت لي: - أننا نعيش اليوم أيامًا مجيدة خالدة.. بفضل هذا القرار الذي نقلنا من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر. ولكن سبق هذه النتيجة صور كثيرة من النضال تؤكد حب المشير الكبير لبلده، وإيمانه العظيم بالقوات المسلحة ورجالها ضباطًا وجنودًا.. هذا الإيمان منبعه كما تقول زوجة المشير، حبه للعسكرية منذ أن كان طالبًا بكلية التجارة. وبدهشة قلت: كلية التجارة؟! فقالت: نعم المشير دخل كلية التجارة عندما رفضت أوراقه الكلية الحربية، لأنه لم تكن معه وساطة تزكيه لدخول الكلية.. واستمر فى دراسته بكلية التجارة وفى كل عام عندما كان يفتح باب القبول بالكلية الحربية يتقدم بأوراقه وترفض.. ثلاث سنوات قضاها بكلية التجارة.. وفى السنة الرابعة قبلت أوراقه فالتحق بالكلية الحربية.. تاركًا ثلاث سنوات من عمره قضاها بكلية التجارة! وتبتسم السيدة سماح وتقول: أن هذه الفترة كانت فى بداية زواجها بالمشير.. ووقتها طلبت منه أن يتم السنة الباقية فى كلية التجارة، ولكنه رفض أن يأخذ اهتمامه شيء آخر غير الكلية الحربية.. وتضيف زوجة المشير: - واستمر هذا الحب ملازمًا له فى كل سنوات حياته.. يدرس للقوات المسلحة.. لا تفوته مسابقة تعلن عنها القوات المسلحة إلا يتقدم ولها وينجح ويكون الأول على المتسابقين.. وبحماس شديد تقول: لا تعتبرى هذا تحيزًا للمشير.. بل هى الحقيقة.. فحبه للعسكرية يفوق كل شيء.. فمثلًا كانت أمامه بعثة لأمريكا.. ومع ذلك فضل عليها الالتحاق بكلية أركان حرب ومدة الدراسة بها سنتان.. ولحسن حظه خلال الدراسة أوفدته الكلية فى بعثة دراسية إلى لندن وباريس. وتستمر السيدة سماح فى تعريفنا بالمشير من خلال تدرجه فى مناصب الجيش المختلفة من قائد فصيلة إلى قائد سرية، إلى قائد لواء إلخ.. فتقول: لقد تخرج من كلية أركان الحرب وكان ترتيبه الأول فعين مدرسًا بها.. وبعدها قامت ثورة 52.. ويومها أذكر أنه كان مع رجال الثورة أثناء تواجدهم للرقابة على الصحف.. بعد ذلك عين فى رفع.. وبطبيعة الحال لو لم تجد القوات المسلحة هوى فى نفسه لما كان بينه وبينها كل هذا الحب.. بدليل أنه رفض منصب سفير.. ورئيس مؤسسة ليبقى بالقوات المسلحة. وتستمر السيدة سماح زوجة المشير أحمد إسماعيل فى تعريفنا بتاريخ الرجل العسكرى شريك حياتها فتقول أنه بعد ذلك دخل أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية وأيضًا كان من الأول الناجحين. قلت لزوجة المشير مقاطعة: - هل المشير من أسرة عسكرية؟! قالت: والده كان ضابط بوليس.. ولكن هو أول ضابط فى العائلة يلتحق بالقوات المسلحة.. وإن كان اليوم قد فتح الباب أمام كل شباب الأسرة. > الفرق بين ذكريات 5 يونيو و6 أكتوبر قلت لزوجة المشير حدثينى عن ذكرياتك فى 6 أكتوبر والفرق بينها وبين ذكريات 5 يونيو؟ قالت: لا يوجد وجه للمقارنة.. بين الاحساس بالنصر.. والاحساس بالهزيمة وإذا عدت إلى الوراء أيام نكسة 67.. أذكر أن المشير فى تلك الفترة كان قائدًا لجبهة القتال من أول يوليو وكان الجيش وقتها محطمًا.. وبالرغم من هذه الصورة القاتمة للجيش فى تلك الفترة.. إلا أنه وقبل مضى شهر على نكسة 5 يونيو.. استطاع بناء الجيشين الثانى والثالث، ثم دخل معركة رأس العش ومعركة الجزيرة الخضراء فى ذلك الوقت.. وأثبتوا نجاحًا.. وهزم الإسرائيليون فى تلك المعركة.. ويومها أذكر.. وهذا لم يعد سرًا الآن أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أبلغ المشير تليفونيًا وهتو على خط القتال وقال له: «الأمم المتحدة بترجونى وقف الضرب»، ورد عليه المشير: وقال: «أمهلنى ساعتين حتى تتم معركتنا وبعدها نوقف الضرب...». ثم تضيف زوجة المشير لتقول وبعد أن بنى الجيشين الثانى والثالث تركهما لتولى منصب رئيس هيئة عمليات وبعدها تم تعيينه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة بعد استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض. > المشير على المعاش وتستطرد السيدة سماح وتقول: وبعد فترة عمل كبيرة فى هيئة أركان حرب.. أعفى من منصبه.. وكان ذلك عام 69 أيام حرب الاستنزاف.. ومنذ أن خرج على المعاش ولم يتخل عن عمله العسكري.. فكان دائمًا يجلس فى مكتبه فى البيت يخطط ويدرس النظريات الحربية لإعداد خطة حربية محكمة.. دائمًا فى مكتبه يدرس ويتابع الإذاعات والصحف الأجنبية ليقف على آخر تطورات الموقف ويسجل للخطة الحربية، ليكون على استعداد للدخول فى الحرب.. وكان ينوى أن يقدم هذه الخطة للزعيم الراحل عبدالناصر.. ولكنه بحكم ظروفه وحساسيتها خشى أن تفسر بتفسيرات يفهم منها أنه يرغب فى العودة للقوات المسلحة.. فأبى على نفسه ذلك. وبلهفة الزوجة الوفية.. وتقديرها للرجل المؤمن برسالته قالت: كنت كلما أشعر بالأرق فى منتصف الليل آراه جالسًا على مكتبه ومستمرًا فى إعداد دراسته الحربية معتمدًا على إيمانه بالله وحبه الكبير لبلده ووطنه وقدرته فى أن يصنع شيئًا طالما ذلك فى استطاعته.. خاصة وأنه مؤمن بضرورة قيام حرب.. يحارب فيها الجيش حقيقة، حرب فعلية حقيقية.. وإلا لن يرفع الشعب المصري رأسه أبدًا إذا تم الصلح عن طريق الحل السلمى فقط.. خاصة وأن الجيش كان يعنى من حالة نفسية لأنه فى عام 67 لم يحارب. > لحظات قرار إعلان الحرب قلت لزوجة المشير حدثينى عن اللحظات التي عايشت فيها إعلان قرار الحرب. وبابتسامتها الهادئة قالت لي: - قبل أن أحكى عن هذه الفترة التي تعتبر فترة ذهبية من تاريخ حياتنا وحياة مصر.. أقول أنه منذ أن أسند الرئيس السادات وزارة الحربية للمشير.. منذ ذلك الوقت وهو متفق معه على الحرب، على أن يمهله عامًا واحدًا فقط يعد فيه الجيش.. ومنذ ذلك الوقت ولم يضع دقيقة واحدة.. لأن إيمانه الكبير بضرورة الحرب كان موازيًا لإيمانه بقدرة العسكرى المصري الذي ظلم سنوات عديدة.. بأنه إذا دخل معركة فهو لابد قادر على مواجهة العدو.. وأظن رأيت وسمعت بنفسك عندما كنا نزور الجرحى من أبطال حرب رمضان مع حرب رئيس الجمهورية، قصص البطولة التي كانوا يروونها جميعًا، عن بعضهم البعض. قلت: هل كان المشير متفائلًا؟! فابتسمت ابتسامتها الهادئة: - كل التفاؤل. فإذا لم تكن هناك ثقة كاملة بمقدرة الجيش واستعداده الكامل لخوض المعركة الحربية عن جدارة، لما أسرع الرئيس السادات باتخاذ هذا القرار الشجاع.. وفى رمضان.. ولكنى أقول أنها إرادة الخالق الذي زراد لنا أن نزيل آثار الهزيمة ونعيد للجيش والشعب كرامته. وسألت حرم المشير: هل كنت تعلمين بتوقيت قرار الحرب؟ قالت: بالطبع لا.. فالأسرار العسكرية والخطط الحربية لا تخرج من داخل أسوار غرف العمليات وهذا طبيعة العمل العسكري. قلت: إذن احكى لنا ملاحظاتك على المشير صباح 6 أكتوبر. قالت: لسوء حظى لم أكن فى هذه الفترة التاريخية فى مصر.. فقبل 6 أكتوبر كنت فى لندن أقوم بإجراء عملية جراحية بعد أن استقر رأى الأطباء على إجرائها فى لندن خوفًا من تطور المرض.. ولظروف مرضى لم يمانع المشير فى سفري.. ولكن يوم 6 أكتوبر كنت فى سفارتنا المصرية فى لندن استعد للعودة إلى مصر.. وهناك عرفت أن الطيران متوقف.. وأثناء وجودى استمعت إلى أول بيان حربى يذاع من إذاعة القاهرة.. وفى هذه اللحظات خفق قلبي.. ليس خوفًا.. وأنما كان نفسى أكون موجودة بجانبه فى مصر أشوف وأعيش الأيام الحلوة من تاريخ مصر.. ولكن بينى وبين نفسى قلت: «كده عملتها يا إسماعيل»! ثم ابتسمت ابتسامة الرضا وقالت: «فى الحقيقة أنا كنت فى نفس الوقت فرحانة ومبسوطة.. فرحانة لفرحته بمجيء اليوم الذي حقق فيه حلمه الذي عاش من أجله فى انتظار طويل.. وليس هذا غريبًا على أحمد إسماعيل.. فكل من يعرفونه.. يعرفون فيه حبه الكبير الذي يكنه لبلده وللقوات المسلحة.. وأظن الكثيرين يعرفون أنه عندما أعلن بقرار إعفائه من الجيش وخروجه إلى المعاش.. كان له رجاء واحد وطلب ضرورة إبلاغه للمسؤولين فى ذاك الوقت قال لهم: إذا حدث وأعلن عن قيام حرب أن يدعوه لخوض المعركة مع فصيلة من الجيش ليعبر بها عن القتال. > لماذا قبلنى أبي..؟ وبكل الفرحة والسعادة مضت تحكى لي.. قالت: - عدت إلى مصر لأنى كنت متلهفة على العودة إلى الوطن.. وعندما دخلت البيت سألت ابنى الدكتور محمود عن الأخبار؟.. وكيف عرف نبأ قرار الحرب إلخ.. فقال لى أنه عرفه من الراديو.. وأنه فهم بعد ذلك لماذا قام المشير على غير عادته مبكرًا جدًا.. وأخذ حمامًا.. وصلى ركعتين لله، ثم قبله وخرج.. وقال لى د.محمود: صحيح أن كل هذه التصرفات طبيعية.. لكنى كنتن أشعر بحدوث شيء غير عادي.. وعندما استمعت للبيان العسكرى من الراديو.. عرفت السبب الذي من أجله قبلنى أبي.. وقال لى محمود: وبعد سماعى البيان قمت أنا بدوري وصليت لله حمدًا وشكرًا.. ودعوت لأبى بالنصر. وبنفس الابتسامة الهادئة قالت لي: لقد وصلت البيت يوم 16 أكتوبر فى اللحظة التي ظهر فيها المشير على شاشة التليفزيون.. فرأيته لأول مرة منذ سفرى فى أجمل صورة عندما كان يحييه ممثلو الشعب لتنفيذه للقرار الشجاع.. وما أن خرج من مجلس الشعب حتى كنت معه على التليفون أهنئة بالنجاح وقلت له: مبروك.. وقد وجدته سعيدًا باستقبال الشعب له. فقلت له: فى الحقيقة أنت تستاهل كل خير. وسألتها: منذ خرج المشير صباح 6 أكتوبر كم مرة جاء إلى البيت؟ قالت: لم يدخل البيت منذ أن خرج منه صباح 6 أكتوبر، حتى عاد يوم 22 أكتوبر، يوم أن أذاع بيانه العسكرى فى الإذاعة والتليفزيون فى وقت واحد.. وهو نفس اليوم الذي أنعم عليه فيه السيد الرئيس برتبة المشير. قلت: ألم يكن يتصل بالبيت ليطمئن على أولاده؟ قالت: بالطبع لا.. لأنه كان فى مهمة لابد من التفرغ لها تفرغًا كاملًا.. هذا رغم أنه عطوف على أولاده وعلى ضباطه وجنوده وكل من يعرفه، يعرف فيه حنانه وعطفه منذ أن كان ضابطًا صغيرًا. وأذكر أنه فى حرب الاستنزاف وعندما كانت تقوم بعض الدوريات ببعض المهمات العسكرية كان يتأخر على غير عادته.. فاتصل بيه تليفونيًا لاطمئن عليه وأعرف سبب تأخيره.. فكان يقول لي: أنى أنتظر عودة الدورية لاطمئن على وصولهم سالمين. وإذا حدث واستشهد بعض الأفراد من الضباط أو الجنود.. يعود متألمًا ألمًا شديدًا وكأن أحدًا من أولاده فقد. ثم استطردت زوجة المشير قائلة: - لقد كان يوم وصوله إلى البيت أول مرة بعد 6 أكتوبر.. فرحتنا كلنا.. فلقد استطاع بقرار الحرب الذي أعلنه الرئيس السادات أن يعيد لمصر عزتها وكرامتها ويومها عاد المشير إلى بيته سعيدًا وقال لنا: - الحمد لله، أن الله سبحانه وتعالى أعطانى العمر وقدرنى أن أعمل شيئًا للوطن.عدد صباح الخير 978 اكتوبر 1974

تم نسخ الرابط