القبائل الأفريقية بين الإسلام والموروث القديم
شهدت الأسرة الأفريقية بصفة عامة بمكوناتها العديد من التغيرات البنيوية وكذلك الأيديولوجية مع دخول الدين الإسلامي في شتى مناطق القارة، حيث بدأت الثقافة والتقاليد العربية-الإسلامية تؤثر بشكلٍ لا يمكن إغفاله على تلك المجتمعات بكل خصوصياتها التقليدية والموروثة.
ثم أخذت التقاليد والعادات الإسلامية تتعمق رويدًا رويدًا بين السكان المحليين في هذه البلاد بمرور الزمن، ومن اللافت، أنه ورغم انتشار الإسلام في أكثر مناطق غرب أفريقيا، إلا أن العديد من الموروثات والعادات التقليدية بقيت ذائعة بين العديد من الجماعات في غرب أفريقيا، وكان من بين تلك العادات ما يُخالف المبادئ الإسلامية المعلومة، ففي بعض الأحيان كان الرجل يتزوج من أختين في ذات الآن، أو ربما يتزوج الرجلُ من ابنة أخيه.
وفي ذات الصدد، كان انتشار عادات العُري بشكل واضح في تلك المجتمعات الأفريقية خلال العصر الوسيط، وحتى بعد انتشار الإسلام، وإن قلت في ذات الآن عما كانت عليه تلك العادة مقارنة بما قبله، وكذا ما يُعرف بذيوع أنماط من الصداقة بين الرجال والنساء رغم كونهم متزوجين.. الخ.
ومن بين تلك الأمور التي يُحرم الدين الإسلامي أتباعه أن يقوموا بها، وكان مما شاهده الرحالة ابن بطوطة (ت: 779هـ) في غرب أفريقيا من مظاهر التناقُض في المجتمع القبلي الأفريقي وقتئذ ما بين المحافظة على الفرائض الدينية، واقتراف أمور ينكرها الإسلام في ذات الوقت.
يقول ابن بطوطة: "وشأنُ هؤلاء القوم عجيبٌ، وأمرهم غريب.. فهم مسلمون، مُحافظون على الصلوات، وتعلم الفقه، وحفظ القرآن، وأما نساؤهم فلا يحتشمن من الرجال، ولا يحتجبن مع مواظبتهن على الصلوات، ومن أراد التزوج منهن كان يمكنه أن يتزوج، غير أنهن لا يُسافرن مع الزوج..".
ولقد تحدثت بعض المصادر التاريخية في العديد من رواياتها عن وجود مظاهر التناقض التي ذاعت بين الشعوب والقبائل الأفريقية، وإذا أخذنا نموذجًا عن ذلك التناقض تلك البيئة المحلية التي ينشأ فيها الطفل الأفريقي ما بين الموروث القديم من جانب، والعادات والتقاليد الإسلامية من جانب آخر.
وأضحت كافة جوانب الحياة الاجتماعية الخاصة بالأسرة الأفريقية بكافة جوانبها فيما يخص الرجل، والمرأة، والعلاقات فيما بينهما، وتقاليد الزواج، وتربيةُ الأطفال، ونشأتهم، ورعايتهم.. إلخ، في تلك الممالك في جنوب الصحراء عامة أقرب بشكلٍ أو بآخر إلى العادات الإسلامية أكثر منها لتقاليد الأسلاف والأجداد القديمة الموروثة.
ويمكن القول إنه بقيت- في ذات الآن- بعضُ العادات والطقوس القديمة والتي لم تندثر بدورها، والمتوارثة عن الأسلاف، ومن ثم ظل لها أثرها بشكل أو بآخر على تكوين وبنية المجتمع، والأسرة الأفريقية خاصة منذ القدم، وحتى يومنا هذا. ويُعد "الزواج" من أهم العادات المجتمعية التي ترتبط تقاليدها بالمبادئ الإسلامية في أي مجتمع يدين بالإسلام، ومن بينها المُجتمعات الأفريقية.
وكان إنجاب الطفل هو نتاجًا طيبًا لهذه العلاقة الإنسانية السامية بين الرجل والمرأة في المجتمع. وكانت طقوس الزواج في غرب أفريقيا الوسيط أقرب إلى الطابع الإسلامي رغم كل شيء، ومن أدلة ذلك، يقول أحد الباحثين عن تقاليد الزواج في "تمبكتو"، وهي أشهرُ المدن في غرب أفريقيا في العصر الوسيط: "أما الزواجُ في مدينة تُنبكت (تمبكتو) فكانت له طقوس يغلبُ عليها الطابع الإسلامي..".



