الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

ماذا حدث للندن مدينة الجمال؟ مدينتي التي أحببتها، المدينة التي قال عنها أحد فلاسفتها وكتابها المميزين صمويل جونسون "إذا مللت من لندن.. فقد مللت من الحياة نفسها"، مدينتي التي سحرت قلبي وعشقتها عيوني، ولي فيها ذكريات وأيام غربة لا تنسى.. لقد تراجع الأمن وتفاقمت عمليات القتل والتعدي فيها، لقد اعترف ضابط شرطة -لا يزال في الخدمة- في لندن بارتكاب 24 جريمة اغتصاب، في انتهاكات على مدى نحو عقدين، مما يجعله واحدا من أكثر مرتكبي الجرائم الجنسية عددا في بريطانيا كما أعلنت النيابة العامة، أنه تم توجيه الاتهام لشرطي في لندن بقتل شاب أسود بالرصاص قبل عام في جنوب العاصمة البريطانية، كما فرضت القوى الأمنية البريطانية طوقاً أمنياً حول محال "هارودز" بعد أن طعن رجل داخل المتجر  في لندن، وتم العثور على رجل في العشرينات من عمره بنفس المتجر في "نايتسبريدج" مصاباً بطعنات وجروح، وانتشرت حالات القتل بدافع السطو والنهب على نطاق واسع في لندن، مقتل شاب عماني أمام متجر هارودز الشهير، عندما باغته ملثّمون، وطالبوه بتسليم ساعته الفاخرة، كما قُتل طعناً في ذات اليوم شابان آخران في سلسلة عمليات الطعن المتفرقة، حالة من الذعر في لندن، بعد ازدياد عدد القتلى بالسلاح الأبيض جعل البعض يتخوّفون من تراجع الوضع الأمني للعاصمة التي تُصنف من بين أكثر مدن العالم أماناً، وخاصة مع ارتفاع عدد الجرائم التي تنطوي على سكاكين أو أدوات حادة على المستوى الوطني إلى 44500 جريمة، بزيادة قدرها %6، بما في ذلك 252 جريمة قتل و368 محاولة.

                                                                                 

تحولت لندن الجميلة، الفاتنة التي لا تشيخ، وصنفت كواحدة من أكثر 10 مدن أمانًا فى العالم، فى العقود الأخيرة إلى مقبرة للفنانين والسياسيين، لما شهدته تلك المدينة من حوادث لمشاهير لقوا حتفهم في ظروف غامضة رمياً من شرفات أبراج لندن الشاهقة، وما زال موتهم لغزا محيرا حتى الآن فلا أدلة ولا دوافع مجرد شهادات مرسلة وغموض يحيط بمكان الحادث. 

وتؤكد المصادر الرسمية، أن كل هذه الحوادث ما هي إلا حوادث انتحار مستخدمة نفس السيناريو، وكأن الشخصيات العامة  تذهب دائماً إلى لندن في رحلة انتحار وخلاص من الحياة!

إنه المكان نفسه الذي يتحول إلى مسرح لهذه الحوادث، والأسلوب نفسه الذي يتبعه البوليس الإنجليزي مع كل حادث، وكأنه ينفذ اتفاقية بينه وبين إحدى الجهات التي يهمها التخلص من أشخاص بعينهم، المهم أن ترتب هذه الجهة وصولهم إلى لندن وهناك ينفذ الاغتيال، ويتولى البوليس الإنجليزي باقي المهمة؟  لكن كيف وقعت تلك الحوادث؟ لعدد من أشهر الشخصيات، منهم مؤسس الحرس الجمهورى المصري وأول رئيس لها  الفريق محمد الليثى ناصف،  وسندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، ورجل الأعمال أشرف مروان، زوج مني ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي قد  إتهم إنه عميل لإسرائيل وقالت الصحف الإسرائيلية إنه عميل مزدوج، وقد قتل فى 27 يونيو 2007 بعد أن سقط من شرفة منزله في لندن بمنطقة سانت جيمس بارك بوسط العاصمة البريطانية، وقد ذكر بيان صادر عن شرطة سكوتلاند يارد، أن التحقيقات حول ظروف حادث سقوطه من شرفة منزله لا تزال مستمرة، ورغم وجود كاميرات مراقبه بموقع وفاته إلا أن تعطلها حال دون توفر تسجيل للحادث، كما أكد القضاء البريطاني انتحاره ونفى وجود شبهة اغتيال أو قتل عمد.                                                                         

وتوضح الحكاوي.. كيف وقعت تلك الحوادث؟ الفريق محمد الليثي ناصف، توفي  بظروف غامضة بتاريخ 24 أغسطس 1973، أثناء وجوده مع أسرته بالعاصمة البريطانية لندن لتلقي العلاج بعد سقوطه بطريقة غريبة من شرفة شقته ببرج ستيوارت تاور غرب لندن،  نهاية أليمة وغامضة للرجل الحديدي الذي قال عنه الرئيس المصري جمال عبد الناصر: “لو أملك شخصا آخر مثل الليثي ناصف لما أقلقني حال الجيش.

عاش الليثي حياته في غموض، إلا أنه ظهر على مسرح الحياة السياسية المصرية بعد أن كلفه السادات بإلقاء القبض على رجال مراكز القوى والمؤيدين للحقبة الناصرية التي يؤيدها الليثي وبحكم التقاليد العسكرية استجاب الليثي لطلب الرئيس السادات وألقي القبض على معظم معارضيه ونفذ ما سمي حينها بـ''ثورة التصحيح''. يوم وفاته، فقد استيقظ الليثي من نومه في الصباح الباكر كعادته ثم دخل الحمام واختفى صوته فجأة، وكانت زوجته قد استيقظت هي الأخرى لتجهز له طعام الإفطار وبعد دقائق دق جرس الباب فوجدت أمامها ضابطاً بريطانياً يخبرها بأن زوجها ألقى بنفسه من البلكونة، وأن جثته ملقاة على رصيف الشارع الآن.  وانتهت التحقيقات التي أجرتها المباحث البريطانية لعدة أيام لكشف ملابسات الحادث، وقد انتهت التحقيقات في النهاية إلى أن الليثي توفي نتيجة شعوره بدوار وأن ما أدى إلى سقوطه بهذا الشكل أنه طويل القامة، وبالتالي يسهل سقوطه من الشرفة. ورغم الإجابة التي قدمتها التحقيقات البريطانية إلا أن عائلته واصدقائه بل والكثير من السياسيين لم يقتنعوا بها وأكدوا أن الحادثة ليست طبيعية وأن تلك جريمة اغتيال مخطط لها مسبقاً. الحكي فى سيرة الليثي كما ترويها الزوجة، يوضح وقوع خلاف حاد بين الرئيس السادات وبين قائد الحرس الجمهوري، لم يطمئن الرئيس بعد هذا الخلاف إلى بقاء الليثي في منصبه، فيقرر نقله إلى درجة سفير بوزارة الخارجية، وكان قليلون يعرفون هذا الخلاف.. بعد ذلك بعام وأشهر قليلة يأمر السادات بتعيين الليثي سفيراً لمصر في اليونان.. وبالفعل يسافر الليثي مع أسرته إلى اليونان ويتوقف في لندن للعلاج، ولأن الفحص الطبي والعلاج لن يستغرقا غير يومين أو ثلاثة، تتم دعوة الليثي ناصف للإقامة في شقة تتبع رئاسة الجمهورية، وكأن هذه الشقة كانت كلمة السر في نهاية حياة أحد أشهر العسكريين في مصر!

ففي اليوم التالي مباشرة لمبيت الليثي في هذه الشقة التي تقع في الطابق الحادي عشر من «ستيوارت تاور»، يعثر البوليس الإنجليزي على جثته أسفله! 

 وقبل أن يتفوه مخلوق بكلمة تصرخ زوجته في وجه ممثلي القنصلية المصرية في لندن قائلة: السادات قتله!   

وتكمل الزوجة الحكاية، موضحة  مخاوف ناصف وهمساته لها بأنه خائف من انتقام السادات الذي قد يتخلص منه ويقتله بعد الخلاف الكبير الذي نشأ بينهما في أعقاب القبض على مراكز القوى فيما سمي ثورة مايو، وتستنكر انتحار زوجها بأنه كيف لشخص صلى الصبح ثم قرأ القرآن أن يقدم على هذه الجريمة ويغضب ربه؟ ثم من أين ألقى بنفسه من داخل الشقة التي لا يوجد فيها غير شرفة واحدة في الصالة، وكانت ابنتاه هدى ومنى تجلسان في الصالة منذ دخل والدهما الحمام وحتى معرفتهما خبر العثور على جثته أسفل العمارة؟ أي عقل يصدق رواية الانتحار من نافذة لم يقترب منها المنتحر؟ ورغم مرور أكثر من خمسين عاماً على وفاة هذا الرجل الغامض، لم يكتشف إلى الآن لغز وفاته.                        

                                                       

سعاد حسني واحدة من أشهر الفنانات في مصر والوطن العربي، وقد شكلت قضية موتها في يونيو 2001 غموضا كبيرا لم يحل إلى الآن، حيث قيل إنها انتحرت وقيل إنها قتلت، فقد توفيت إثر سقوطها من شرفة منزلها في لندن، بنفس البناية، وقد أثارت حادثة وفاتها جدلاً لم يهدأ حتى الآن، حيث تدور هناك شكوك حول قتلها وليس انتحارها، كما أعلنت الشرطة البريطانية، وقد انتهى التضارب في النهاية إلى ثلاثة آراء فأصحاب الرأي الأول يشكلون الغالبية أنها انتحرت، وتفسيرهم لذلك أن سعاد حسني تعاني من أمراض عديدة وخطيرة في الكبد والعمود الفقري وغيرها من الأمراض التي يصعب شفاؤها وقد استمر علاج سعاد حسني سنوات وسنوات، صاحب مرحلة العلاج انطلاق العديد من الشائعات حول إصابتها بالشلل وشائعات أخرى عن حاجتها للمال للإنفاق على نفسها ورفضها المساعدة من الأصدقاء أو بعض الشخصيات المصرية أو العربية وقد ساءت حالتها النفسية لدرجة كبيرة مما جعلها تتمنى الموت، خاصة أنها لم تكن تقيم في المصحة التي تعالج بها، إنما كانت تقيم مع إحدى صديقاتها في لندن.

 

أما الرأي الثاني، الذي صرح به عصام عبدالصمد الطيب، الطبيب المكلف بمتابعة حالة سعاد حسني في المستشفى، فقال إنها كانت تعالج لإنقاص وزنها بأحد مستشفيات التأهيل، وخرجت من المستشفى قبل الحادث بأيام معدودة وكانت تعاني من حالة اكتئاب شديد بسبب الضغوط النفسية والشائعات التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة، ونتيجة للهبوط الذي يصاحب الريجيم القاسي سقطت سعاد حسني من الدور السادس لأنها لم تستطع التحكم في جسدها وهي تنظر من السلم.

 

والرأي الثالث، أنها توفيت مقتولة وجاءت دلائل ذلك بعد ثورة 25 يناير بعد إلقاء القبض على صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق، حيث أعادت شقيقتها فتح القضية من جديد.

ماتت السندريلا سعاد حسني منذ سنوات وما زال مصرعها لغزاً حير رجال أسكوتلاند يارد، وقيد الحادث في النهاية “انتحارا” لكن بعض أصدقاء الراحلة اتهموا صفوت الشريف بانه وراء اغتيالها بعدما تردد أنها كانت تعتزم نشر مذكراتها التي تتعرض في بعض فصولها للسنوات التي ابتزها الشريف ورجاله من أجل تجنيدها للعمل في جهاز المخابرات. 

وبعد سفرها إلى لندن للعلاج أشيع أنها ستقوم بنشر مذكراتها، الأمر الذي جعل الشريف يشعر بالرعب من أن تفضح حكايته معها، وبعد ذلك تم الإعلان عن وفاتها إثر سقوطها من شرفة شقة صديقتها بلندن.                                                                          

 

 هل قتل أشرف مروان لأنه عميل مزدوج؟! لقد توفي بعد أن سقط من شرفة منزله في لندن. ودارت حوله العديد من القصص التي تناولت حقيقة عمله لحساب الموساد الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر عام 1973. الحقيقة يكشفها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في مذكراته التي نشرت صحيفة روز اليوسف مقتطفات منها. حيث كشف مبارك أن عملية اغتيال مروان وقعت في تمام الواحدة وأربعين دقيقة بعد ظهر يوم الأربعاء 27 يونيو 2007 بواسطة رجلين ذوي ملامح شرقية واضحة، ليبيي الجنسية ألقيا به من نافذة شقته في لندن، ولم تستغرق العملية أكثر من دقيقة، وعرف بها السير إيان وارفيك بلير مدير جهاز سكوتلاند يارد يومها منذ أول أسبوع أجريت فيه التحقيقات حول ملابسات الحادث.

 

مبارك يكشف في مذكراته أن رجل أعمال بريطاني الجنسية كان صديقا لمروان قد شاهد عملية القتل كاملة من شرفة منزله التي تقع في العقار الملاصق، ولكنه أخفى شهادته عن عمد لأن أجهزة المخابرات البريطانية كانت قد توصلت للمنفذين بدقة وبالأسماء، وهما من جهاز المخابرات الليبية، وعلمت أن كشف الحقيقة يومها كان سيهدد المصالح البريطانية ويفضح علاقة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق "توني بلير" السرية بالقذافي.

 

مبارك يؤكد أن المخابرات الليبية اختارت أن تقتل أشرف مروان بنفس طريقة قتل الفنانة سعاد حسني حتى يطمس معالم الجريمة وتتوزع الشبهات بعدها على أكبر عدد من الأجهزة العربية، وأن حفاظ الجناة على ملامحهم الشرقية جاء للصق التهمة بمصر وإسرائيل معا، حيث إنهما عمليا من المفترض أن لديهما دافعا منطقيا يجعل من إحداهما الجاني، لأن مروان كان يعمل في الأساس مع الاثنين بشكل مزدوج في قضية معقدة للغاية.. والله أعلم .                                                                               

 

 

 

وتبقى لندن مركزًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ولشن وإدارة الحروب النفسية، والدعائية، والمنشورات السرية، وصراع المصالح والاحتقانات، وملجأ للمعارضين، وتجار السلاح والمتآمرين.. وتتوالى الحكاوي والحكايات.

تم نسخ الرابط