عاجل
الأربعاء 4 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
الموجى لا يكتب (النوتة).. النوتة تكتبه!

الموجى لا يكتب (النوتة).. النوتة تكتبه!

العلم والموهبة، أيهما يسبق الآخر؟ الإجابة المباشرة: الاثنان على نفس القدر من الأهمية، دعونا نتأمل تلك الحكاية.



قال محمد الموجى فى واحد من لقاءاته التليفزيونية، إنه لم يكن فى بداية مشواره يعرف اسم المقام الافتتاحى الذي لحن على منواله أغانيه، وكانت الفرقة الموسيقية حتى تتمكن من (الدوزنة) ضبط الأوتار، تسأله قبل (البروفة)، فلا يجيب وكأنه لم يستمع للسؤال.

يكرر عدد من أفراد الفرقة السؤال، بينما يخشى الموجى أن يذكر اسم المقام ويكتشفون أنه ليس صحيحًا، أو يعلن على الملأ أنه لا يعرف، وبالتالى سيفقد ثقة العازفين، وجد الحل أن يمسك العود قائلاً لهم إنه سيضبط الأوتار، أثناء ذلك يبدأ فى العزف، وعلى الفور يتهامس العازفون باسم المقام وهنا يعلو صوته قائلاً: (أمال أنا كنت بقول إيه من الصبح).

ومع تكرار تلك المواقف بدأ الموجى فى التقاط الأسماء، سيكا وبياتى ونهاوند وكُرد وصبا وعجم وحجاز وغيرها.

تخرج الموجى فى مدرسة الزراعة، وكان أمل العائلة أن يصبح أكبر (ناظر زراعة) فى البلد.

قلبه دفعه إلى طريق آخر، التقط بأذنه الحساسة الأنغام وكأنها تأتى إليه من السماء، وعن إبداعه الموسيقى نوقشت أكثر من رسالة علمية دكتوراه وماجستير، فى محاولة لاكتشاف سر هذا التدفق النغمى، ولا أتصور سوى أن العلم لا يستطيع أن يحيل الإبداع إلى قواعد صارمة، أى دراسة علمية لن تستطيع الوصول إلى سحر الإبداع، على الجانب الآخر، بدأ الموجى يسعى لما هو أكثر من معرفة المقامات الموسيقية، أراد أيضًا أن يكتب (النوتة) الموسيقية، كان الموجى مثل أساتذته الكبار عبدالوهاب والسنباطى والقصبجى ومحمد فوزى ومحمود الشريف، يستعين ببعض الدارسين لكتابة (النوتة)، حددوا ستة أشهر يتفرغ خلالها ساعتين يوميًا وبعدها يكتب بنفسه ألحانه، وجدها الموجى فكرة صائبة، إلا أنه أخفق كثيرًا فى الحفظ، وفى كل يوم يحاول أن يستعيد ما كتبه بالأمس، ينسى ويبدأ مجددًا من المربع رقم واحد، شيئًا عصيًا حال بينه والكتابة الموسيقية، أوضحه هو بعد ذلك أنه سيعزف اللحن أولا أو تحديدًا جزء منه، ثم يشرع فى كتابته، ثم يعيد الأمر مرة ثانية وثالثة وهكذا، اكتشف أن التدفق النغمى سوف ينقطع ويفقد اللحن مزاجه العام.

ولا حظ صديقه عبد الحليم حافظ تلك الحيرة التي يعيشها الموجى، فقال لكل الأساتذة والعازفين وفى حضور الموجى: لو تعلم الموجى الكتابة سيفقد الإبداع، وأنهى الموجى بعدها تمامًا هذا الملف، مثل الآخرين وصار يبحث عن من يكتب له النوتة. هل حقًا لو تعلم الموجى لفقد الكثير من إبداعه؟ استنتاج خاطئ تماما، حتى لو كان مشاهير الموسيقيين لا يكتبون ألحانهم هذا لا يعنى أنهم لو كتبوها سيفقدون إبداعهم.

عند إنشاء معهد الكونسيرفتوار مطلع الستينيات، التحق به عدد من الملحنين الكبار مثل محمود الشريف وكمال الطويل وفؤاد حلمى من أجل الإلمام أكاديميًا بكل التفاصيل، ولكن كما قال لى الأستاذ كمال الطويل، كنا قد تجاوزنا الأربعين من العمر، وصعب جدًا فى تلك المرحلة العمرية أن نترك كل مشاغلنا وهمومنا ونتعلم الموسيقى، فلم نتمكن من الانتظام فى مقاعد الطلبة، وقال لى الأستاذ محمود الشريف أنه لو عادت به الأيام لتعلم الموسيقى أكاديميًا.

وصحيح أن الكبار بدون علم أمتعونا بالكثير، الصحيح أيضًا أنهم لو تعلموا لأمتعونا أكثر وأكثر وأكثر!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز