عاجل| مآسٍ لا يتحملها بشر.. روايات من قلب مستشفيات غزة
أمير طه، البالغ من العمر 20 شهرًا، يرقد بصمت على السرير، وشعره الناعم يبرز إلى الأعلى، وجلده الناعم كطفل يمزقه جرح عميق عبر جبهته، وتتضخم الكدمات الأرجوانية حول إحدى عينيه البنيتين الكبيرتين.
النظر في عيون يتيم بـ”غزة”

إنه يتيم الآن، كما تقول عمته جسارة أمير، حيث استشهد والداه واثنان من إخوته في غارة إسرائيلية، في العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.
وقالت جسارة: “لقد وجدوا أمير بين ذراعي والدته ملقى في الشارع”، و“ماتت أخته، وتوفي شقيقه، وعمه، وأصيبت أخته الأخرى في المستشفى… ها نحن هنا، ليس لديه أم أو أب أو أخت أكبر منه أو أخ، والآن أصبحنا نحن الاثنان والله فقط".
أمير يريد والده. "لقد رأى بالأمس ممرض يشبه والده، وظل يصرخ "أبي!" أبي! قالت عمته: عندما تحتاج إلى تهدئته، تعرض للطفل مقطع فيديو لوالده.
جرائم الحرب الإسرائيلية
وسوف يتعافى أمير من جروحه الجسدية مع العلاج الذي يتلقاه الآن في المستشفى الميداني في رفح، جنوب قطاع غزة، الذي أنشأته دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومع اكتظاظ المستشفيات المحلية بالمرضى والجرحى الذين يبحثون عن المساعدة من المرافق التي تضررت أو دمرت، فإن العملية في مستشفى دولة الإمارات العربية المتحدة هو مكان نادر يعمل، ومجهز تجهيزًا جيدًا، ويعمل به طاقم عمل جيد يمكنه تقديم المساعدة للحالات الأكثر خطورة.
كانت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أول وسيلة إعلامية غربية تتمكن من الوصول إلى جنوب غزة الفلسطيني، لتقديم تقارير مستقلة ومنها واقعة الطفل أمير طه، حيث جعلت إسرائيل في السابق من شبه المستحيل على الصحفيين الدوليين أن يشهدوا بشكل مباشر الخسائر التي لحقت بالمدنيين. واصطحب جيش الاحتلال وسائل الإعلام الأمريكية، في رحلات قصيرة إلى شمال غزة.

وفي الشوارع المليئة بالقمامة وأنقاض المباني المدمرة، هناك رعب الحرب الحديثة. وعلى الرغم من القصف العنيف، يتجول الناس في الخارج مثل الزومبي -ربما يحاولون فهم حياتهم، وربما ليس لديهم أي شيء آخر يفعلونه. معظم المتاجر مغلقة، ولكن هناك طابور طويل خارج المخبز، تركت الأمطار الأخيرة مياهًا راكدة، وبدأت برودة شهر ديسمبر.
وفي غرفة أخرى بالمستشفى الميداني، تم تثبيت جنان سحر مغاوري، البالغة من العمر ثماني سنوات، في "جبيرة" لكامل الجسم.
وقالت جنان: كنت جالسًة بجوار جدي، وكان جدي يحتضنني، عندما قصف الطيران الاسرائيلي المنزل الذي أمامنا ثم منزلنا”، وأصبنا ولم يصب عمي كان بخير، فكان هو الذي أخرجنا من بين الأنقاض.

وذهبت والدة جنان إلى المستشفى للبحث عنها، وقالت: جئت إلى هنا، ووجدتها هنا"، تحاول تشجيع طفلتها على التحدث معنا بينما هي نفسها في صدمة، تتساقط الدموع على وجهها وهي تبكي بهدوء.
شيء يمزق القلب
ويقول الأطباء في المستشفى الميداني الإماراتي إنهم يجدون صعوبة خاصة في رؤية ومعالجة الأطفال الأبرياء من ضحايا الحرب، لكنهم مشغولون للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون الخوض في هذا الأمر.
قال الدكتور أحمد المزروعي عن رؤية الأطفال المصابين: “إنه شيء يمزق قلبك”، وأضاف زميله المدير الطبي للمستشفى الدكتور عبد الله النقبي: “من الواضح أن هؤلاء مدنيون. قال: "إنهم لا يستحقون أن يفقدوا أحد أطرافهم أثناء جلوسهم مع العائلة".
تم تشييد المستشفى بسرعة في ملعب لكرة القدم، لكن طاقمه الطبي وأحدث المعدات تجعل من 150 سريرًا مطلوبًا للغاية، و"الناس من هنا يطلبون منا أن نبقي خدماتنا مقتصرة على المصابين بجروح خطيرة لأنهم هم المحتاجون، وقال النقبي: “ولا يمكنهم الانتظار”.
هدوء وسط الغارات الجوية
المسعفون المتطوعون متواجدون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ويعملون لساعات طويلة، "بالأمس بدأنا في الثالثة صباحًا، لإسعاف 4 مصابين، ليس هناك عمليات بتر بل حروق.
ويضيف النقبي: “الحروق أسوأ من عمليات البتر”، "وبقينا مستيقظين حتى وقت متأخر من بعد الظهر".
ويعد التعامل مع ضحايا الصدمات أمرًا أساسيًا في عمل الأطباء في إطار المهمة، التي يطلق عليها اسم "عملية جالانت نايت 3"، ولكنهم يشهدون أيضًا عواقب انهيار الأنظمة الصحية المحلية والظروف المزدحمة والفقيرة التي تؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية وغيرها من المشكلات التي تجتاح قطاع غزة المنكوب.
وقال النقبي: “جاء شخص مصاباً في رأسه ويخرج من الجرح ديدان”، "لا يمكننا تفسير نوع البيئة التي تعرضوا لها، ومن الناحية الطبية لا أستطيع أن أشرح مدى قذارة هذا الوضع، حتى جراحنا أصيب بالصدمة”.
ويسود الهدوء داخل المستشفى تقريبًا، حيث يقوم طاقم عمل منظم برعاية مرضاهم بكفاءة، في الأقسام ووحدات العناية المركزة وغرف العمليات، لكن الحرب أصوات الانفجارات لا تتوقف.
وتقول معدة التقرير: في غضون 15 دقيقة من وصول قناة "سي إن إن"، سمع دوي غارة جوية قريبة، الأطباء لا يتراجعون، وقال النقبي: "هذه هي الحياة هنا"، مضيفاً أنهم يسمعون ما لا يقل عن 20 ضربة في اليوم، و"أعتقد أننا اعتدنا على ذلك."
ملطخة بالدم
وفي ملجأهم، لا أحد يعرف ما الذي تم ضربه إسرائيل– سواء كان هدفاً لحماس أو منزلاً مدنياً أو محلاً تجارياً، لكنهم سرعان ما يحصلون على أخبار عن وجود ضحايا يحتاجون إلى علاجهم.
وقال النقبي، وهو مسرع إلى "المنطقة الحمراء" حيث يستقبل مرضى الصدمات الجدد: "لقد اتصلوا بنا الآن، وسوف يرسلون لنا شابين بترت أطرافهما من جراء القصف.
قال لاحقاً، وهو يناقش تجارب الفريق في المنزل: "معظمنا أطباء طوارئ ذوو خبرة، واستشاريون في وحدة العناية المركزة"، نظيفة ومنظمة وبمخطط مناسب."
والملاحظات التي سلمها المسعفون الذين نقلوا رجلاً وصبيًا يبلغ من العمر 13 عامًا، وكلاهما فقدا أطرافه، ملطخة بالدماء.
أصيب كلا المريضين بجروح خطيرة، وتعمل الفرق بسرعة على استبدال الضمادات التي يتم استخدامها كعاصبة. وقال النقبي: "لم يأت إلى مريض واحد عاصبة مناسبة"، موضحاً أن وقف فقدان الدم بشكل صحيح أمر بالغ الأهمية لإنقاذ الأرواح.
"العالم لا يستمع"
وذلك لأن المرضى يأتون من غزة المدمرة التي رأيناها خلال رحلتنا التي يبلغ طولها 4.5 كيلومتر من الحدود المصرية إلى المستشفى والعودة.

قبل الحرب، كانت لمى علي حسن علوش، البالغة من العمر 20 عاماً، تدرس الهندسة في الجامعة وتستعد لحفل زفاف شقيقتها.
واستجابت عائلتها لأوامر جيش الاحتلال بمغادرة منزلها في الشمال والفرار إلى الجنوب، لكن المنزل الذي كانوا يبحثون فيه عن مأوى تعرض لقصف، وهي الآن في المستشفى وقد بترت ساقها اليمنى.
وأضافت: "العالم لا يستمع إلينا"، و"لا أحد يهتم بنا، نحن نموت منذ أكثر من 60 يومًا، نموت من القصف، ولم يفعل أحد شيئًا".




