الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

د. إيمان ضاهر تكتب: مصر ولادة العقول المبدعة

د. إيمان ضاهر
د. إيمان ضاهر

 

أتحدث عن روعة وجمال بنات مصر، شابات المنيا هؤلاء "رفعوا عيونهن للسماء" فاستجاب التاريخ لهن ليدخلن مهرجان "كان" الحافل بكل فنون الدنيا على الإطلاق.. إنه إنجاز التفوق والابتكار لأروع الاختيارات للعمل العبقري لبنات النيل النبيل، الفيلم المصري الذي نال في أسبوع النقاد على حفاوة رائعة ليس لها مثيل.

 

فتيات في ربيع العمر لم يغادرن قريتهن في  الصعيد أبدا إنما أرادوها مسرحا لبداية احلى  الرحلات، فالإبداع رحلة تبدأ ولا تنتهي أساسها فكرة كبيرة كتبت لهن ولمخرجي العمل هذا الإنجاز حروف من الذهب لجائزتهن "العين الذهبية".

 

أيتها الفتيات المصريات، ما هي القوة التي تملكنها؟ إنها الإيمان والخيال، إنه حب الفن، والشباب أليس هو فن؟ الفن يا بنات مصر  الأبية هو أن تكن على طبيعتكمذن تماما. فالروح  والصورة اجتمعا وتألفا والبيئة أيضًا وقوة  الفن دارت حول نقطة التوازن والاندماج في صراع العواطف والتقاليد والمشاعر والاحلام. وأي أحلام؟ أحلام الفن الذي يساعدنا على  العيش. وأليس الفن منقذ للعالم الذي نراه  اليوم؟ وتردد ماجدة مسعود إحدى المبدعات،  نحن نسير منذ سنوات على خطى مجموعة  صغيرة يتمردن من خلال تشكيل مسرحية في الشارع ونحن نحلم بالتمثيل والغناء والرقص للعثور على مكان لنا متحديات عائلاتنا وتقاليدنا.. فيلم بسيط ومضيء في نفس الوقت، فيلم "إنساني"، يسمح لنا أن نرى تجسيد المعركة التي يقدنها للاستيلاء على حريتهن والاضطراب الذي يسببه هذا النضال من حولهن.

ثم تجيب ميريام نصار ذات الروح الفريدة بأنه هو الطريق الطويل الذي قطعناه منذ البرشاء، وهي قرية صغيرة تقع في جنوب مصر على بعد حوالي 200 كيلومتر من القاهرة، وهناك التقى المخرجان المصريان ندى رياض وأيمن الأمير.

في عام ٢٠١٧ مجموعة من الشابات قبطيات يمارسن مسرح الشارع لطرد الشرور التي يعانين منها: الزواج المبكر، التحرش، السيطرة على الجسد.. أمام السكان المذهولين أو المعادين، يفرغن حقائبهن ويرددن شعاراتهن، البعض 

في الفساتين. إنهن يحدثن ضجيجًا بكل  معنى الكلمة بإيقاعاتهن، إحداهن بالدربوكة، والأخرى بنوع من الماراكاس.. ربما تعرضن للإهانة، وقد رشقهن الصبية بالحجارة، لكنهن يستمررن. ومازلن في هدفهن سائرات.

يتحدث المخرجان عن "معجزة صغيرة"   عن هذه التجربة المذهلة التي أدت إلى إنتاج فيلم وثائقي بعنوان بنات النيل، تم عرضه في مدينة" كان "خلال أسبوع النقاد.. تم تصويره على مدى أربع سنوات، حافة الأحلام، وهو عنوان عالمي، يمكن التهامه كمسلسل رائع بتقلباته الدرامية، رحيل فتاة، الجدال مع  خطيب، حياة عائلية، بروفات زلقة.. عفوية وطبيعية.. أليس الفن علاج له القدرة على  تهدئة الاحزان وتحرير الإنسان؟

المعجزة الأخرى، هؤلاء البطلات تمكن من القيام بالرحلة لمرافقة العرض العالمي الأول للفيلم: الجمعة 17 مايو، ماجدة مسعود، هايدي سامح، ميريام نصار، مونيكا يوسف مغنية الفرقة وأم لطفلين، وأخريات تنزهن فخورات بأنهن من مصر أم الفنون تحت شمس  الكروازيت، مرتديات الجينز والقمصان، حاملات آلاتهن الموسيقية.. وانضم عدد قليل من المارة إلى المشهد، واكتشفوا الشعارات المرفوعة على اللافتات (باللغتين الفرنسية والإنجليزية): "لا أستطيع ارتداء  هذا"، "ملابسي ليست المشكلة"، إلخ.. "رفعت عيني للسماء" الأرواح التي تزيد من حيوية الإنسانية، المفتاح الذهبي لصياغة وزركشة الفيلم الوثائقي، من خلال  دفقات من الضوء، ومنارات أمل مصرية تجسد للعالم كله ما تستطيع شابات تحقيقه وتعرف كيفية تحقيقه. والبرهان على هذا التحقيق هذه الجائزة التي أثارت قلوبنا وأرواحنا لعقود مقبلة.

أليست قصصا لا تنسى؟ قصص عن روابط خفية بين عوالم لديها فرصة ضئيلة، إن لم تكن معدومة، لعبور المسارات. حول طاولة، حيث كن ينهون الحلوى، أمضينا لحظة مع هؤلاء الشابات واللواتي لا يكسبن عيشهن بعد من فنهن. فنجد الوجوه قد انطبعت على شبكية العين، فقصص بنات النيل هذه لا تنسى.. يتحدثن باللغة العربية ويترجم المخرجون إلى الإنجليزية. "رفعت عيني للسما" أليست طريقا واحدا؟ وصوت واحد لعدة أصوات وأرواح شابة اعتنقت الفن على أرض مفتوحة، أرض مصر، أرض الصعيد العظيم مغروسة بالتبادل لتكون أغنية ملكا للجميع.  "رفعت عيني للسما".

 

وهايدي سامح، اللامعة على جفنيها التي  طالما حلمت بأن تصبح راقصة وتنضم إلى فرقة الباليه. نكتشف في الفيلم أن لديها خطيبًا.. نحن سعداء من أجلها لكننا نرتعد أيضًا لأن حبيبها يشرح لها بهدوء أنه بمجرد زواجها سيتعين عليها البقاء في المنزل والتوقف عن التمثيل.. يطلب منها هاتفها الخلوي لحذف جهات اتصال صديقاتها. تحاول الجدال فينزعج منها ويظلم الجو.

"لقد انفصلت عن هذا الشاب والتقيت بآخر"، تشرح لنا هايدي وكلها مبتسمة.. إنها واسعة  الحيلة ولديها والدين رائعين.. أحد النقاد في كان اعترف لي بعد نهاية المهرجان أن الإصغاء إلى الشابات المصريات هو بحد ذاته فن هادئ ومركز لنفهم مغزى الكلمات والرؤية العميقة  بشكل غير متوقع.. مشاعر من نفس النظام في إيقاظ الفرح بحساسية نابضة بالحياة وأكثر  حدة أحيانا. 

جائزة العين الذهبية، ورسالة خالدة للحياة  لبنات النيل، بنات مصر في دنيا الأحلام،  بنات المنيا رافعات عيونهن للسماء لنتشارك لغة ونظرات فتيات حتى قبل نطق الكلمات إنها مراجعة لإنسانية مذهلة تحلم بالفن وكأن الكون كله فنهن، هذه العيون الجريئة الصادقة أضاءت أنوارا ، نافذة الإنسان المصري على  العالم ونافذة العالم على أبناء مصر مفتوحة لأفكارهن لرؤية المشاعر الخضراء وغير الناضجة، لكن العالم فهم ألوانهن وآلامهن وأحب غرس الأفراح في أحلامهن. 

وأليس الفن والإنسان لا ينفصلان، وأن لا فن دون إنسان، ولا إنسان دون فن؟ وللحديث بقية عن مغزى وقدر الفن.

أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في باريس

 

تم نسخ الرابط