الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

الدبلوماسيَّة السياحيَّة هذا المنجم الَّذي لا ينضب وأكثر إيرادات ماليَّة من الموارد النفطيَّة الَّذي يأتي يومًا وتجفُّ هذه الآبار، ولكنَّ السياحة بمختلف أنواعها تبقى ترفد ميزانيَّة البلد بتزايد، بالإضافة إلى تشغيل ليس فقط الموارد البَشريَّة، بل إنعاش جميع مرفقات الحياة من نقليَّات ومحالَّ ومولات وتراث ومأكولات.. وغيرها من مفردات الحياة اليوميَّة.

جميع البلدان لدَيْها مُقوِّمات طبيعيَّة وهي نعمة من الله الخالق، سواء جبال، بحار، أنهار، وديان، غابات.. وغيرها من جَمال الطبيعة الخلَّابة، بالإضافة إلى الأنواء الجويَّة المقسَّمة على الفصول الأربعة ولتصلَ حتَّى إلى نَوع المأكولات التراثيَّة، ولكنَّ المُشْكلة ليس في الطبيعة الخلَّابة الموجودة على الأرض، وإنَّما في العقليَّة المتحضرة الأكاديميَّة والمهنيَّة ذات الخبرة العالية في كيفيَّة تحويل هذا التراب إلى ذهب صافٍ لخدمةِ ورفاهيَّة الشَّعب ودعم الخطط التنمويَّة للبلد.

بدأت المدارس الأجنبيَّة، وخصوصًا البريطانيَّة منذ نهايات القرن الماضي، بالتركيز على السياحة فأنشأت فرعًا خاصًّا ومتخصصًا لفنِّ الدبلوماسيَّة وهو ما يُسمَّى بـ(الدبلوماسيَّة السياحيَّة) وبدأت تضع له مقرَّرات ونظريَّات وأُسُسًا كعِلمٍ كامل مستند إلى أفضل مُقوِّمات القيادة والقيادة الرشيقة بعيدًا عن المحاباة والتهميش للموارد البشَريَّة الخلاقة بالأفكار والآراء. الدبلوماسيَّة السياحيَّة واستنادًا إلى المنشورات والنشرات المتخصِّصة بهذا العِلم الَّذي وضع تحت مظلَّة الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة لِمَا يحقِّقه من مردودات اقتصاديَّة هائلة للبلد، كانت أوَّل تجربة لهذه للدبلوماسيَّة السياحيَّة في المملكة المُتَّحدة وتحديدًا في إسكتلندا الَّتي تتميز بتاريخ عريق من القرون الوسطى (ق 11، 12) من حيث القلاع والقصور والمتاحف وجَمال الطبيعة، حيث حققت أكثر من (150) مليون باوند استرليني لفترة ستة أشْهُر، وهذه الإيرادات الماليَّة لم تأتِ من جَمال المكان أو القلاع الموجودة أصلًا، وإنَّما جاءت من العقليَّة المهنيَّة الراقية والعصريَّة المعتمدة على الكفاءة العالية بتطبيق أفضل المقرَّرات العلميَّة للوصولِ إلى ما هو مُخطَّط له ضِمن خطط تكتيكيَّة واستراتيجيَّة اعتمادًا إلى الأدوات المتوافرة بعيدًا عن الروتين القاتل وبعض القوانين المقيتة الَّتي تجعل من الذهب الصافي والجواهر الطبيعيَّة ترابًا لا قِيمة له.

ومن خلال تواصلي مع الدبلوماسيِّين المتخصِّصين بهذا المجال، حيث تختار الدبلوماسيَّة السياحيَّة أكفأ الأشخاص ضِمن التخصُّصات ذات الأولويَّة التالية في مجال:(العلاقات العامَّة، العلاقات الدوليَّة، العلوم السياسيَّة، اللغات، نُظم المعلومات، إدارة المشاريع والماليَّة).. وغيرها ذات العلاقة، بالإضافة إلى أنَّ الشخص المرشَّح للعملِ في الدبلوماسيَّة السياحيَّة، سواء في مكاتب السياحة أو البعثات الدبلوماسيَّة الخارجيَّة، عليه أن يجتازَ حلقات عمليَّة ودَوْرات متخصِّصة في هذا المجال ومِنْها: (إتيكيت التعامل مع الآخرين، بروتوكول وإتيكيت استقبال كبار الشخصيَّات والضيوف، سِمات وكاريزما موظفي العلاقات العامَّة، مفاهيم البروتوكول والإتيكيت بحوكمة القيادة والقيادة الرشيقة، إدارة وإتيكيت فنِّ الإنصات والاستماع وفنِّ الإقناع، لُغة الجسد والهندام الخارجي، إدارة الوقت وفنّ المجاملة، بروتوكول وإتيكيت نظام الأسبقية وإعداد وتنظيم المؤتمرات والفعاليَّات السياحيَّة)، بالإضافة إلى بعض الفنون ذات العلاقة الدبلوماسيَّة السياحيَّة ومِنِها المعرفة الكاملة بمُقوِّمات السياحة من حيث أماكن الإقامة والأسعار والأمان والمطاعم والنقليَّات.

ذهبت الدبلوماسيَّة السياحيَّة إلى أبعد من ذلك حيث بدأت تتفرع إلى عدَّة فروع معتمدين على تهيئة الكوادر البَشريَّة من كلا الجنسَيْنِ لمرافقةِ وإعلام السيَّاح كُلّ حسب رغبته في التجوال وقضاء وقت ممتع بأفضل مفردات السفرة الاسترخائيَّة والهادئة. ومن ضِمْن هذه التفرعات بالدبلوماسيَّة السياحيَّة؛ السياحة الدينيَّة (فقط زيارة الأماكن المقدَّسة والدينيَّة والأضرحة التاريخيَّة)، السياحة التراثيَّة (زيارة المواقع التراثيَّة المسجَّلة في اليونيسكو.. وغيرها من المواقع الأثريَّة القديمة)، السياحة الطبيعيَّة (تسلُّق الجبال، التخييم بالصحراء، ركوب الأمواج والزوارق الشراعيَّة.. وغيرها)، السياحة الرياضيَّة (الترويج للمباريات وإقامتها ـ كما حصل في قطر الشقيقة ـ أو شراء لاعبِينَ كبار ـ كما حصلَ في الأندية السعوديَّة ـ حيث نشاهد امتلاء المدرَّجات بعدما كانت شِبه فارغة) السياحة الأكاديميَّة أو الجامعيَّة (وما هو موجود في بريطانيا حيث أغلب دوَل العالَم ترسل طلابها للدِّراسة ومِنْها سلطنتنا الحبيبة).

وفي الختام، الدبلوماسيَّة السياحيَّة لا تعتمد على مُقوِّمات الطبيعة فحسب، فهي موجودة بفضل الله الخالق منذ الأزل، وإنَّما تعتمد على العقول العصريَّة الأكاديميَّة المهنيَّة ذات الكفاءة العالية الَّتي تعرف كيف تحوِّل هذا التراب وهذه المُقوِّمات الطبيعيَّة الموجودة أمام أعْيُننا إلى ذهبٍ خالصٍ وموارد اقتصاديَّة عالية ترفد موازنة البلد ماليًّا، وتشغيل الأيدي العاملة بكافَّة المجالات، بالإضافة إلى تحريك وإنعاش الحياة الاقتصاديَّة الأخرى كالمطاعم والفنادق والمحالِّ والأسواق.. وغيرها بدلًا من التخوف من تقلُّبات سُوق النفط العالَميَّة.

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تم نسخ الرابط