الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

قصة قصيرة سندباد آخر

بوابة روز اليوسف

يتأمل امتلاء وجنتيها، الخط المستقيم في مفرق شعرها ، لا يدري لماذا كان واثقا بأن الشمس حين تشرق فمنه ، وحين تغرب ففيه ؟.. يكاد يتنسم رائحة لبن طازج ، عرقها له رائحته.

 

 

تأودت في مشيتها فتأمل فستانها الفضفاض الذي يبلغ كعبيها ، أو يرتفع عنهما قليلا، يبدوان في لون دم الغزال ...  ابتسم .. للنساء في جمالهن مكر جميل. عيناها مكحولتان فيهما شهوة بِكْر، ناداها فاقتربت ... دعاها إلى الجلوس بجوار مكتبه ثم دفع إليها بملف ممتلئ بالأوراق - راجعي بيانات كل المتقدمين للوظيفة، ربنا معهم، الأجر بسيط لكن هذا هو المتاح  قالت في هدوء : هل سنكتب للناجحين منهم عقدا سنويا ؟ - إذا نجحوا ! خفضت بصرها في إشفاق  – ابني أخذها من قصيرها وسافر وعاد مرتاحا، لديه شقة لا بأس بها، لكنه يقيم بيننا الآن  - حمدا لله على سلامته - تزوج في الغربة، ولم يوفق، الزواج بأجنبيات مشكلة في كل شيء، اختلاف في العادات والتقاليد، والطباع، يدفع بكل شيء إلى النهاية. صمت قليلا ثم قال :  - ما رأيك في الزواج بسندباد، لف الدنيا ودار، عرف الكثير، خَبر البحور ، وركب السفائن ، ونزل الموانئ ، وشاف كل الجميلات من كل جنس ولون ، لكنه عندما عاد.. عاد سندباد آخر يريد بنت بلد  أغضت هامسة: ربنا يوفقه ..  عاد يتأملها : بنت بلد يريد ابتسمت، وهي ترتب أوراق الملف  قال: تتوقعين أن يُقبل منهم أحد؟ - كل واحد ونصيبه  - عندك حق، كل واحد ونصيبه .. مناورا كتاجر يوشك على إبرام صفقة وشيكة - ياريت يكون لك فيه نصيب التزمت الصمت .. - أتوقع ألا يقبلوا أحدا من المتقدمين ، وإذا قبلوا أحدهم ، فستكون المكافأة متغيرة ، بمعنى شهر تكون تامة، وشهر لا تُصرف ، وشهر منقوصة حَدَّقت في عينيه ، يبدو عارفا بأسرار العمل هنا ، خبرته الوظيفية عميقة رثت للشباب المتقدمين ، تراءت في عينيها سحابة حزينة - لو كنتِ تعرفين واحدا من المتقدمين، وتريدين له الوظيفة قولي لي. - لا أعرف أحدا - ومالك حزينة ، وشايلة طاجن ستك ! - أضع نفسي مكانهم ، أعمل هنا تحت التمرين ، ولم يعدني أحد بعقد موسمی برقت عيناه بسرور غامض ، أحس بها مواتية بشكل ما ! – وما حاجتك لعقد موسمى أو دائم.. قلت لك سندباد.. جاء محملا بكل ما تشتهي الأنفس، حقائب ، حقائب  أشار بكلتا يديه إلى بذلته  – البدلة هدية منه، وأزرار القميص المُذهبة والكرافتة منه ، بكرة .. أهديك عطرا مما أتى به من عطور، لو شفت هداياه لاخوته،  بيحلفوا بخيره - ربنا يحفظه لك ويخليكم لبعض - طفلاه جميلان ، شقراوان لهما أعين زرقاء ، وخدود متوردة لكنهما محرومان من الحنان، أمهما تركتهما له ، تخيَّلي أقوم أنا بالطبخ لهما وغسيل ملابسهما ، أسهر طول الليل: ننة .. هوه .. ننة نام!، وأدبح لك جوزين حمام !، هه! هجرتهم أمهم وشافت لها شوفة! لكن الولدين لما تشوفيهم قمربن.. قمرين فعلا. - في عِزه يكبران إن شاء الله  أغلقت الملف على الأوراق، واستأذنت في الانصراف فأذن لها  .. وقبل أن تُغلق الباب خلفها رفع نبرة صوته - فكَّري .. فكَّري فالتفتت إليه.. واجمة.

 

- فكَّرى في السندباد .. في السندباد ابتسمت .. وكتمت     ضيقها .. عندما ظهر اسمه في كشف المقبولين للوظيفة تهللت، وبعد عقده الموسمى ارتدت خاتمه الذهبي فاستدعاها إلى مكتبه ضیَّق ما بين عينيه - تزوجته من وراء أهلك ؟ زَمَّت حاجبيها غضبًا - خطوبة بموافقة أهلى أشاح بوجهه عنها  - قولى كلاما غير ده ، تعرفينه من زمن ؟!  خبط على زجاج مكتبه بيديه  – وداريت عنى إنه متقدم للوظيفة ؟! قلتِ بعظمة لسانك: إنك لا تعرفين أي واحد منهم !، من يكذب مرة يكذب أخرى،  تزوجته من وراء أهلك؟!، وتقولين خطوبة؟! في صمت غاضب أبرزت صور الخطوبة من حقيبتها، وهما يجلسان وسط العائلة، كانت أمه تناوله علبة القطيفة الحمراء، تفتحها بينما يمد يده ليلتقط الخاتم الذهبي، وتُطل الأوزة الدلة الصيني الناصعة الريش حاملة قطع الشكولاتة .. أمها تبتسم، وأبوها يبدو كما لو كان قد تَّوج مشوار حياته بخطوبتها  .. نظر إلى الصورة .. تفحصها يشير إلى صورة أبيها – ومن هذا؟ - أبي - ومن هذه؟  - أمي لمعت عيناه، وهو ينحت حروفه ببطء: - مبروك ثم عاد يقول: الخطوبة وعد بالزواج! .. وليست زواجا!  ... انسلت من مكتبه في طريقها إلى دفتر الانصراف، نظرت إليها الموظفة من خلف الزجاج وأشارت إلى الدفتر .. ، انتبهت إلى أنه في وضع عكسى  - عدﱢلي وضع الدفتر ، هأوقَّع بالمقلوب ؟  - أيوة وقَّعى بالمقلوب !، كل واحد يشوف حاله الأول ... لم توﻘﱢـع ... ، قالت بهدوء: تحبي ألف من الباب...  فاضطرت الموظفة أن تعدﱢل وضع الدفتر، وقَّعت وفي قلبها غُصة. مرقت بجانب أذنها الكلمات.. - هربا معا، تزوجته على غير رغبة أهلها.. - حرمت نفسها من الفستان الأبيض فرحة كل بنت... هربت معه تصوَّری ببدلة جينز زرقاء ... تصوَّرى - خايبة وعايبة! .. استدعاها لمكتبه هذه المرة بجرس طويل يقرﱢب وجهه من وجهها، تسارعت أنفاسه وهو يرتب كلماته: - زملاؤك وزميلاتك لا يريدون لكما البقاء بينهم لكن أنا قلت لهم: سأتركهما ليأكلا عيش، لسنا قطَّاعين أرزاق، وربنا ما يجعلنا قطَّاعين أرزاق، كلماته تدوى في سمعها.. تفكر فى طريقة ما تحتفظ بها بوظيفتها التي على كف عفريت الآن، ووظيفة خطيبها الموسمية .. تحاول أن تنتقى كلمات مناسبة، ثم تُساءل نفسها: " هل امتلك هذا المدير عالمي؟  هل ينغص علينا حياتنا بسبب سندباده العائد ؟! "  تمالكت نفسها. . دعاها إلى الجلوس على مقعد بجواره . - هذه أوراق متقدمين جُدد، ضميها للملف، وعلى فكرة من التحقوا بالوظيفة، ممكن الاستغناء عنهم في أي وقت.  لمعت عينها ببريق خاطف، دبت في فكرتها الحياة، فتحت الملف المكتظ بالأوراق، سحبت عقد الوظيفة الموسمى الخاص بخطيبها، ثم انتزعت الأوراق الخاصة بها، مزقتها إلى قطع صغيرة، نثرتها أمامه، نهضت وهي تقول بصوت حازم:  - سـﻠﱢم لي على السندباد وإخواته !.

 

تم نسخ الرابط