دينا توفيق تكتب: يا حواء
أخذت "حواء" رشفة من فنجان قهوتها وهي تشعر بأنها سلطانة زمانها وسط أحبائها.. تستمتع بتواجدها معهم وتشعر بالراحة النفسية، حيث تتلاشي في هذا اللقاء وتذوب كل الأحزان كما تذوب قطعة السكر في الفنجان.. فما أجمل اللمة الحلوة التي تهون علينا قسوة الحياة.. وابتسمت "حواء" عندما تذكرت أن الحياة أهدتها أناسا تذوقت معهم صدق المحبة وكان وجودهم نعمة في حياتها.. فلا قيمة للحياة دون رفيق درب نسير معه الطريق.. كما أن الأمان الحقيقي بقرب من نحب.
وكما يأتي البعض لحياتنا كنعمة، فهناك أيضا من يأتي لحياتنا كدرس.. فلا ينبغي أن نجعل هذا الأمر يهز ثقتنا في الآخرين بل يجب أن نتعلم الدرس.. فليس كل البشر أسوياء.. ولو علمنا ما بداخل النفوس، لانقلبت حياتنا رأسا علي عقب.
تنهدت "حواء" وهي تفكر كيف صفعتها الحياة بمن وثقت بهم لكنها تعلمت كيف تنهض بنفسها دون اللجوء إلى أحد.. لم تهتز عندما واجهت صنفا من البشر لا يفكر إلا بنفسه فقد تألمت قليلا ثم تعلمت.. هكذا هي الحياة.. فهناك أشخاص في البداية يذهلونك باختلافهم وتميزهم ثم تندم بعد ذلك لأنك عرفتهم!
أدركت "حواء" أنه لا ينبغي عليها أن تتخيل مكانتها في قلوب البشر، فمكانتها ستظهر في أفعالهم معها وأحاديثهم إليها.. فمن يحب لا يجرح ومن يقسو لا يحب.
ثم التفتت "حواء" لتنظر إلى أحبائها وهي تقول في نفسها: كم هي محظوظة بهم.. وأخذت رشفة ثانية من فنجان قهوتها وقالت بصوت هادئ: سأبقي كبيرة في عين نفسي ولن أجرح من جرحني ولن أسيء إليه، فأنا أكبر بكثير من هذا، فطبعي الوفاء وأخلاقي في علو السماء.
وصدقت مقولة أنه لا علاقة للأيام بالنضج.. نحن نكبر بمرور الأوغاد.. والمؤسف هو أن مخالطة هؤلاء الأوغاد طويلا قد يجعلنا نفارقهم ونحن مكتئبين النفس مستاءين الخاطر.. لذا قررت "حواء" أن تعتزل كل ما يؤذيها حتى لا تخسر سلامها النفسي.. فليس كل البشر يستحقون أن نحملهم معنا في حقيبة المستقبل، فالبعض لا يصلح أن يكون أكثر من محطة مرور نتعلم فيها دروس الحياة.. ومجرد دفاتر تم إغلاقها ولا نية لفتحها مرة أخرى.
وفي النهاية يكون أحيانا الابتعاد عن بعض البشر مكسبا لراحة قلبك.. فليس كل كتاب يستحق القراءة مهما كان عنوانه جذابا.. هكذا هو حال بعض البشر.. فإذا لم تكن العلاقات قائمة من أجل أن نسعد بعض، فعدمها أفضل.
لذا قررت "حواء" أن تتحلي بشجاعة الحذف، حذف الماضي، حذف الرسائل، حذف الأصوات وحذف بعض الأشخاص أيضا.. والأهم من ذلك هو أن تظل كما هي طيبة القلب في عالم يحاول أن يجعلها شيئا آخر.. وهذا في حد ذاته إنجاز عظيم.



