د. حسام الإمام يكتب: من وحي الثانوية العامة
ليست التربية أمرًا سهلًا، وواجب على الجميع التفكير جيدًا، كيف أكون أبًا وكيف أكون أمًا؟ فلكل كلمة ينطق بها الشخص معنى وحساب. لا تتفوه أمام أبنائك بكلمات لا تفهمها ولا تدرك معناها، لأن تأثيرها عليهم سوف يكون عظيمًا. استوقفني هذا الأمر كثيرًا من قبل لدرجة أن نفسي حدثتني بعدم الزواج لخوفي الشديد ألا أكون أبًا قادرًا على تربية أبنائه بشكل سويّ، فلماذا أكون سببًا في زيادة البلاء على المجتمع الذي أعيش فيه؟ هذا ما دار في ذهني في مرحلة الشباب، ثم فهمت وانتبهت لنفسي وعرفت أن كل المطلوب مني هو الاجتهاد وبذل العناية الواجبة حتى أكون أبًا مسؤولًا كما أتمنى.
مشكلة حقيقية أن ترى وتجد حولك أمورًا يعتبرها الكثيرون أمورًا عادية بديهية، في حين يصعب عليك تفسيرها وشرحها لأبنائك! كيف أفسر لأبنائي وأقنعهم أن الغش هو الأمر العادي والمسار الطبيعي لصناعة المستقبل؟ وتذكرت فورًا مرحلة من حياتي فوجئت فيها بعبارة "انزل من فوق الحصان" تنزل على وجهي كالصفعة. ماذا تقصدون؟ أتعرفون ما معنى الكلمة؟ هل تؤمنون بها حقًا؟ هل يمكن أن يتبنى أحد ذلك الأمر ويعتقد بصحته ويدافع عنه؟
قالوا إنها شطارة، لا مشكلة أبدًا فيها! وأفاضوا في الشرح والتبرير حتى ظننت أن المشكلة عندي وليست عندهم، ربما أحتاج إلى تحديث أفكاري ومبادئي.. ربما! شهدت ذلك عن قرب وهو ينتشر بين مجموعة من الزملاء. لم أفهم في البداية مقصدهم، لكن بعد وقت قصير فهمت أنهم يقصدون النصيحة المخلصة لا أكثر ولا أقل، توعيتك بألا تحاول أن تكون بطلًا كما يفعل الفرسان في حواديت ألف ليلة وليلة، فلا أنت فارس مثلهم، ولا هم عادوا فرسانًا يصلحون لهذا الزمان.
واحترت وتساءلت: هل يدركون بالفعل معنى الكلمة ويقصدونها؟ هل يعلمون أن من يعلو الحصان هو الفارس، وأن الفارس يجب أن يتحلى بالأخلاق كالإيثار وتقديم يد العون والشجاعة بالطبع والوفاء والصدق؟ وبالتالي يا عزيزي فلا معنى للتخلي عن تلك الأخلاق، أو بمعنى آخر النزول من على الحصان وفقًا لتعبيرهم، إلا بالعمل بأخلاق الجبناء والغشاشين والكذابين والغدارين وتبنيها والدفاع عنها!
كارثة تؤرقني وتشغلني وتسرق النوم من عيني لأنها، كما قلت مرارًا، تجعلني دائمًا أصطدم بحالة خاصة شديدة الخصوصية– بصوت أحمد زكي– جعلتني أراجع نفسي، أراجع موقفي كله، أراجع حياتي وحياتنا، اصطدمت بالمستقبل.
مستقبل أبنائنا عندما يجدوننا نردد عبارة "انزل من فوق الحصان"، نرددها أمامهم بكل فخر واعتزاز، نغرسها في عقولهم ونرعاها يومًا بعد يوم حتى تنمو وتصبح شجرة مثمرة من الغدر والأنانية والغش.
مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]



