الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

من أقوال العرب المتعارفة وصلنا أنَّ "كل فتاة بأبيها معجبة"، فهو لها مصدر الأمان، والقوة.

و"البنت سر أبيها" فهو يُستأنسُ بهن، للطف حديثهن، ولين عريكتهن، وهن الغاليات في القدر، والتقدير، والمنزلة وإذا كانت الأمم "رمز الحنان"، فالأب الوحيد الذي يستطيع حمايتها من مخاطر الحياة. 

 

فتاتان مَرَّتا في حياتي، كانتا رمز الوفاء، والتقدير، وفعلاً سر أبيهما.

 

في لندن، التقيت صفية مصطفى أمين،  أتت بصحبة والدتها، إلى عاصمة الضباب، لتكمل دراستها العليا، في إحدى الجامعات البريطانية المعروفة. كان والدها مرمياً في غياهب السجن ظلماً.

 

وصفية، التي سميت تيمناً بأم المصريين صفية زغلول، دفعها إعجابها، واعتزازها بأبيها، وبعمها علي أمين، إلى اقتفاء خطاهما في عالم الحرف والحبر والورق والمتاعب.

 

أخبرتني، أنها عندما فاتحت والدها برغبتها في العمل الصحفي، بادرها بحسم:

"لأنك ابنتي، تبدأين أول السلم، عاملة مصعد، ثم تتدرجين".

 

وكما الأب فعلت البنت، هو اشتهر بعموده اليومي "فكرة "، وليوم صفية مصطفى أمين، تمتعنا بعمودها الأسبوعي "فكرتي" في "أخبار اليوم".   

 

أما الثانية، فكانت الدكتورة دينا أبوزيد، ابنة الدكتور فاروق أبو زيد، الذي سار ذكره كل مسير، وذهب سِمْعَهُ في الناس كواحد من أبرز اساتذة الصحافة في العالم العربي، سفح عمراً في الكتابة،  وتدريس أصول مهنة الصحافة، وفن الكتابة، وكيفية التعامل مع المصادر، وتدبر المعلومة، بالفهم، والتقصي، والتعليل، والتحليل، قبل تقديمها للقارئ،  والمواظبة اليومية على قراءة الصحف بما فيها الصحف المعارضة، وعَلَّمَ تلاميذه، ومريديه، على أن يكونوا منفتحين على كل الآراء، وقبول الفكر الآخر، المتعارض مع تفكيرهم.

 

فىذي عام 2004 دعاني أنس الفقي، رئيس مجلس إدارة "المجموعة الثقافية المصرية"، للمشاركة في إصدار موسوعة الاعلام في مصر. كان الدكتور فاروق أبوزيد، يرأس تحرير تلك الموسوعة، تعاونه الدكتورة ليلى عبد المجيد، ومثل وزارة الإعلام فى جلسات العمل الدكتور مصطفى حجاج مستشار وزير الإعلام.

 

وتعددت لقاءاتي بالدكتور أبو زيد، وهب الله له لساناً طلقاً، حلو الحديث، لا يستبد برأي ولا يستقل بخطة، يشاور،  ويتشاور، كلامه ينزل دائماً في صواب الأمور وسدادها.

 

أما دينا فاروق أبو زيد، فكانت معرفتي بها، يوم ترأست في "جامعة عين شمس"، لجنة مناقشة رسالة دكتوراه قدمتها ابنتي شيرين، وكان موضوعها،  صورة المرأة في إعلانات القنوات التلفزيونية المصریة وانعكاسھا على صورة الذات لطالبات الجامعة.

 

سارت الدكتورة دينا على خطى أبيها، من مذيعة بالتليفزيون المصري، إلى مدير المركز الإعلامي في"جامعة عين شمس"، إلى رئيس لمجلس قسم علوم الاتصال والإعلام في كلية آداب "عين شمس"، فالعمل خبيرا في منظمة اليونسكو العالمية، ثم منصب وكيل كلية الإعلام بالجامعة ثم عميد كلية الإعلام في "جامعة 6 أكتوبر".

 

                                                                       

يعتبر الدكتور فاروق أبو زيد من الجيل الأول، الذي درس أصول مهنة الصحافة، وأبلى بها، وتفوق، لسرعة حفظه وثبات حافظته، قبل تأسيس كلية الإعلام في "جامعة القاهرة"، جمع وهو في ريعان الشباب بين العمل الصحفي، والدراسة الأكاديمية. وحدث أن تم اختياره ضمن مجموعة الأوائل في قسم الصحافة،   للتدريب في المهنة، فتنقل بين الجرائد والمجلات القومية، سديدة كانت ريشته، وجريء في كتاباته، طبقة نثره لا تجد في الصحافة من يبلغها بسهولة. بعد تخرجه عمل فى مجلة "الإذاعة والتليفزيون"، وكان يعشقها كثيرًا فعمل فيها فترة طويلة، ولم يكتف بالمجال الفنى، فحسب، إنما كتب في السياسة. وتخصص علميا في حقل تاريخ الصحافة المصرية، الذي يعد أحد أقدم حقول البحث العلمي في مجال الصحافة، إذ حصل على درجة الماجستير في أوائل السبعينيات من القرن العشرين من كلية الآداب "جامعة القاهرة "عن موضوع عنوانه "الفكر الليبرالي في الصحافة المصرية 1828 ـ 1881"، ثم استكمل الموضوع نفسه في رسالة الدكتوراه عام 1975 من كلية الإعلام عن موضوع عنوانه "الفكر الليبرالي في الصحافة المصرية 1882 ـ 1924".

 

انكب الدكتور فاروق أبو زيد على الكتابة، شق قلمه المشي في عدد كبير  المقالات، الأبحاث، والمؤلفات التي أثرت المكتبتين المصرية والعربية.

 

إنتاجه العلمي اتسع ليشمل جوانب متعددة في مجال الصحافة والإعلام، كما أنه أشرف على كثيرين من الطلاب في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وناقش عشرات الرسائل العلمية.

 

ذكرت الدكتورة دينا، أن والدها عندما كان يشعر، بالقيود، تفرض على الصحافة، وتكم الأفواه، وتقمع الحريات، كان يتجه إلى العمل البحثى، حيث لا قيود، ولا تضييق وقمع.

 

وتخبر الدكتورة دينا عن أبيها:

"في عام ١٩٦٤ تحدث عن رواتب خريجي الجامعات وقارنها برواتب فئات أخرى بالدولة، وكاد يسجن بسبب ذلك، فقضى تلك الفترة في المنزل، ولم يحب أن يضيع وقته هدرًا، لذا التحق بالماجستير ثم حصل على الدكتوراه، وقام بأبحاث كثيرة ودراسات علمية. 

 

وهذا أفاده كثيرًا حينما قرر الاتجاه إلى العمل الأكاديمي الذي شعر فيه بحرية كبيرة، وعوضه عن كل ما تعرض له بسبب من كتاباته السياسية، ثم تم تعيينه في جامعة القاهرة، ورغم أنه كان عضوًا في نقابة الصحفيين لم يحاول الرجوع للعمل الصحفى، لأنه وجد ذاته في العمل الأكاديمي.

 

إلا أن ولعه القديم بالصحافة، منعه من الابتعاد، فعمل في جريدة "صوت الجامعة"، التي تصدرها كلية الإعلام في "جامعة القاهرة"، وكانت الموضوعات تنشر في الفترة التي تقلد فيها رئاسة قسم الصحافة ومنصب عميد الجامعة جادة ومميزة، ولم يقل مستوى الصحيفة وقتها عن الصحف التي تصدر في الأسواق، بل كانت تجذب انتباه القراء، وفي خارج الجامعة كان يطلب مني البعض نسخًا لقراءتها. فقد كانت الموضوعات تهم كل قارئ، وكان والدي يقدمها بشكل احترافي".

 

ترك الدكتور فاروق أبو زيد  على أرفف المكتبات 25 كتاباً، ومن أشهرها:

 

"الصحافة وقضايا الفكر الحر في مصر"، "أزمة الديمقراطية في الصحافة المصرية"، "أزمة الفكر القومي في الصحافة المصرية"، "عصر التنوير الصحفي"، "فن الخبر الصحفي"،" فن الكتابة الصحفية"، "الصحافة العربية المهاجرة"، "الصحافة المتخصصة"، "مدخل إلى علم الصحافة"، "النظم الصحفية فى الوطن العربي"، "انهيار النظام الإعلامى الدولي"، "الفكر الليبرالي في الصحافة المصرية"،" الكتابة للجريدة والمجلة".

 

في كتاب "الإعلام والسلطة"، قال فيه إن مصر تمزج بين جميع الأنظمة، حيث أخذت من النظام الاشتراكي، والشيوعي، والرأسمالي، والنظام التابع للمسؤولية الاجتماعية، وتحدث فيه عن العلاقة بين الإعلام والرئيس والنظام السياسي، وبعض نماذج وسائل الإعلام.

  تولى رئاسة قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ثم عمادة الكلية لمدة ست سنوات خلال الفترة الممتدة بين 1994، افتتح خلالها المبنى الجديد لكلية الإعلام، كما شهدت الكلية خلال تلك السنوات العديد من الأنشطة الطلابية والفعاليات العلمية التي شارك فيها نخبة من الرموز المصرية والعربية والأجنبية، واختير عضوا في المجلس الأعلى للصحافة لسنوات عديدة، أشرف خلالها على إعداد تقارير الممارسة الصحفية والتي كانت تصدر دوريا بمشاركة مجموعة من تلاميذه خلال في 1998، كما اختير عضوا بالمجلس القومي للمرأة والمجالس القومية المتخصصة. 

 

كان فاروق أبو زيد يؤمن جدا بالشباب ويشجعهم، وكان يؤمن بهم وبقدراتهم، ويشاركهم في أبحاث علمية، على الرغم من فارق السن والخبرة، فقد شارك  مجموعة منهم في مشروع ضخم نتج عنه "الإعلاميون والانتخابات.. مدونة مهنية وأخلاقية"، نشرته مؤسسة الأهرام بالتعاون مع المكتب الإقليمي لمؤسسة "فريدريش ناومان" من أجل الحرية.

وصدر الدليل الإرشادى للصحفيين والإعلاميين عن "مؤسسة الأهرام"، بالتعاون مع "مؤسسة فريدريش ناومان" أيضاً.

 

كان مدمنا للعمل، عاشقاً للصحافة، في أيامه الأخيرة، كان يجلس إلى طاولة مكتبه ساعات طوال منكباً على البحث، والتنقيب، والتقميش، حول إعلام ما قبل ثورة 2011، موضوع كتاب رغب في نشره ليلحق بمعرض الكتاب، فداهمه الألم، واشتد المرض عليه، اكتمل الكتاب، ولم يمهله الموت ففارقنا.

 

فاروق أبو زيد كان مفخرة من مفاخر أساتذة الإعلام عندنا.

 

 

تم نسخ الرابط