السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

د. إيمان ضاهر تكتب: أسرار الشخصية المصرية

بوابة روز اليوسف

مصر في هذا العالم، حيث كل شيء يتغير، لكنها عرش مجيد يتربع عليه الرجل الصبور، وهو قائد مصر، ملك لشعب عاطفي يفضل الكلمات الطيبة والعدالة الإنسانية من ملايين الدنيا بطريقة انهزامية ومهينة. 

قوة المصري ولادة ومنجزة وتأثيرها لا يزعزعه أي خوف أو إرهاب، يدافع عن حبات الرمل في الصحراء حتى آخر قطرة من دمه. مصر خالدة بحضارة قيادة عبقرية ورائدة بمعرفة الحقيقة فخورة بكيانها الخلوق والرابط المقدس الموحد بين أبناء شعبها شعاره كرامته العربية ولا يجرؤ على النزول إلى  الشر والدناءة. أليست هي هوية هذه الأرض المباركة التي تربى  فيها المصري؟ أليس هو النيل الولي الصالح لشخصية المصري   البطولية؟ إن التدقيق في أهمية الأرض (أرض الكنانة) التي  ترعرع فيها المصري خلقت هذه الشخصية البطولية التي تحدت وجابهت كل المصاعب عبر الأزمان،  علماء وباحثين ومؤرخين، عجزوا عن توضيح تلك القوة الخارقة التي يتحلى بها المصري، إنه يصوغ    ويستحدث المعجزات التي أدهشت العالم قديما وحديثا، وسيبقى يتألق ويرتفع لأعلى المقامات. أليست الأهرامات التي شيدها المصري المتواضع  لغزا لم يجد علماؤه بعد كل أسراره؟. وأليس هو المصري الشجاع في العصر الحديث الذي أفنى خط بارليف الإسرائيلي المحصن في حرب أكتوبر عام 1973، والذي برأي الخبراء العسكريين أكبر وأقوى خط دفاع في العصر الحديث.  والغرابة إن القوة أهلكته بطريقة بسيطة، حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت "الدفع المائي"، وأسأل نفسي عن أرض مصر ، أرض ولادة لأكبر  العباقرة هؤلاء  ساعدوا ولا يزالون يشاركون في بناء الطريق الحضاري والإنساني بين أبنائها؟ أليسوا من قضوا على الغزاة والطامعين بماء وهواء هذه الأرض المحروسة من الله عز وجل؟ نعم إن الإنسان الذي يولد من تربة أرض مصر أو يعيش فيها سوف يتجلى بمقام مميز، أليست هي مصر كما قيل: اختيار سيدنا نوح عليه السلام لابنه؟ وكذلك الحكماء اختاروا لأنفسهم، عمرو بن العاص اختار نفسه، ومروان بن الحكم اختار ابنه عبد العزيز وهكذا.  كما ذكر الشيخ رفاعة الطهطاوي، في مقدمة كتابه القيم، الذي ميزه العلماء أول كتاب ألف عن الشخصية المصرية في العصر الحديث. أجاب الشيخ الطهطاوي عن سبب هذا الخيار، بقوله، "كيف لا تكون هذه أرض العلم والحكمة قديماً وحديثاً، ومنها نبع العلماء والحكماء والرؤساء الذين بنوا أعمدة العالم بذكائهم وحكمتهم وفنونهم ومعرفتهم. وما زالوا يبرزون طلاب العلم وأهل الفهم، من كل الأقطار والأطياف يسيرون لينشدوا أعلى الكمال. إنها بركة النعمة اعتزازا، أن سماها الله تعالى في  كتابه العزيز "كنوز الأرض" وتحدث عن عظمة مصر، العالم الفرنسي فورييه في مقدمة كتاب “وصف مصر”  والذي أسهم فيه 160 عالماً وفناناً فرنسياً رافقوا نابليون في حملته. ضد مصر سنة 1798م: "لم يسبق لأي دولة أخرى أن أجرت أبحاثًا بهذا القدر من الاكتمال والتنوع، ولا تستحق أي دولة أخرى أن تكون موضوعًا لمثل هذا البحث. إن معرفة مصر أمر جوهري لكل الأمم المتحضرة، وذلك لأن هذه الأمة مهدت للفنون المصرية وهي أكثر من مجرد فن وحتى أكثر من الحياة، إنها  مصدر للحياة على الإطلاق. أليست اليوم محطة انطلاقة للمراكز والعلاقات الدولية والتجارية والاقتصادية. أليست منارة فكر  السلام ومنبعه ومربض حقوق الإنسان في الحفاظ عل أرضه كل شبر فيها؟ أين تكمن عظمة مصر؟ هويتها النادرة والمتفردة في الدنيا بالحب المفرط لأبنائها، حتى إن البعض أطلق عليها "إدمان حب مصر". "وأذكر أن أحدهم أخبرني أنه في برج إيفل في باريس، أثناء زيارته لفرنسا، التقى مصريا من أسوان يعيش في فرنسا منذ 25 عامًا ويحمل الجنسية الفرنسية.. ولكنه بنى مقبرة في بلاده، وأوصى بأن يدفن أبناؤه في مصر بعد وفاته. وقد لخص المفكر الدكتور جمال حمدان عظمة  موقع مصر في عنوان كتابه القيم شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان. وكيف أختم الحديث عن عظمة مصر وشخصية  أبنائها، فالحديث يطول ويطول والبريق المصري  عمره لن يزول. وقد مرّ ابن بطوطة - رحمه الله تعالى- بمصر في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، ومن  بين ما قال  عن هذه الأرض، أرض مصر: "هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يَجِدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منـزل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها من نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل الذي أجلّ خطرها، وأغناها عن أن يستمد القَطْرَ قُطْرُها، وأرضها مسيرة شهر لمجدّ السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة، قال ابن جزيء: وفيها يقول الشاعر: لَعمرك ما مصرٌ بمصرٍ وإنما هي الجنة الدنيا لمن يتبصَّر. وللحديث عن عظمة مصر وشعبها بقية، ولا تزال  تحمل الكثير الكثير من المفاجآت.

 

أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في باريس.

تم نسخ الرابط