عاجل
الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: كل رمضان وأنتم بخير

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

في أحد الإعلانات التليفزيونية فوجئت بشخص بدا وجهه مألوفًا لي، نعم أعرفه بالتأكيد، لكن أين رأيته لا أتذكر، فانطلقت زوجتي ذات الذاكرة الفولاذية قائلة ألا تعرفه؟ هذا هو الزبال الذي أوقعك في مقلب في رمضان الماضي.



 

اندهشت واستنكرت ثم ابتسمت وجلست أنتظر إعادة الإعلان حتى رأيته وتعرفت عليه. نعم هو ذلك الشخص الذي احتضنته وكدت أبكي معه وهو يبكي وينظر إلى ابنته المسكينة وزميلاتها يسخرن منها: بنت الزبال اهه.. بنت الزبال اهه.

 

 

حدث ذلك في أحد شوارع مدينة نصر، عندما التقطت أذني هتاف بعض الفتيات الصغيرات: بنت الزبال أهه، بنت الزبال أهه. كن يشكلن دائرة حول فتاة في مثل عمرهن، تقف وسطهن باكية، وعندما استفسرت لم يجبن بشيء إلا ترديد نفس الجملة المستفزة بمنتهى الحماس، بنت الزبال اهه، بنت الزبال اهه. خاطبتهن بمنتهى الهدوء، هم أطفال في نهاية الأمر: ليه يا ولاد، دي صاحبتكم، ليه تزعلوها؟ لأجد إحداهن تقول: لأ.. مش صاحبتنا.. دي بنت الزبال.. بنت الزبال اهه، بنت الزبال اهه.

 

 

التفتت لأرى رجلًا يحتضن مكنسة وينظر إلى ابنته وهو لا حول له ولا قوة، لا يدري ماذا يفعل. ولما حدثتني نفسي أن الفتيات ربما كن بنات شخصية معروفة في المنطقة وأن الرجل لن يستطيع بحال من الأحوال وقف وقاحتهن، زاد ذلك من إصراري على نصرة الفتاة وأبيها.

 

 

كررت كلماتي لهن أنه من العيب أن نقول هذا الكلام وأنها مثل أختهن، لكن يأتـي الرد من نفس الفتاة المستفزة: لا ليست أختنا.. أبوها زبال ورائحتها نتنة.. بنت الزبال اهه، بنت الزبال اهه.. تردد ذلك والفتاة تنتحب بشدة.. وأنا أحاول ألا أغضب، وأشرح للفتيات أن ما يقلنه عيب ولا يصح. لكن لا حياة لمن تنادي.

 

 

بدأت بعض السيدات في التوقف واحتضان الفتاة الباكية.. وكلما التفتت حولي أرى عمال المحلات يكتفون بالتقاط الفيديوهات والصور! إلى هذا الحد من التبلد وصلنا؟ لماذا لا يتدخلون لإسكات الفتيات، أو جبر خاطر عامل النظافة، هل هذا هو كل ما يستطيعون فعله، التصوير والشير على الفيسبوك؟

 

 

سألتهن: لو واحدة باباها بيشتغل وزير وقالت لواحدة منكم أنا أحسن منك وانتي ريحتك وحشة، زي ما بتقولوا دلوقتي، تبقوا مبسوطين ولا تقولوا لها عيب؟ قالت إحداهن: لا طبعًا مش هنبقى مبسوطين.. لكن.. وفجأة بدأت تردد مرة أخرى: بنت الزبال اهه، بنت الزبال اهه.

 

في تلك اللحظة أعترف أنهن نجحن في إثارتي إلى أقصى درجة لأصيح: عيب كده.. إيه الأخلاق دي.. إيه التربية دي؟ واستدرت أخاطب الطفلة الباكية وأنا أحاول التخفيف عنها، فوجدتني أقول لها: على فكرة أنا بابا كان زبال.. توقفت الفتاة عن البكاء ونظرت لي باستغراب لا تدري ماذا تقول، فقلت لها: هو مش الزبال ده لو بطل شغل كل الناس اللي حوالينا دول هتبقى مش نضيفة؟

 

 

لكن فجأة توقفت الفتاة عن البكاء ولم ترد ثم استدارت وتركتنا وانصرفت بعيدًا.

 

كانت زوجتي تنتظرني على بعد خطوات، رأيتها تنظر نحوي مبتسمة ابتسامة غريبة، وقالت: على فكرة ما حدث كان مجرد مقلب. لم أستوعب شيئًا فقد كانت الفتيات قد وصلن بي إلى قمة الانفعال. قالت هذا برنامج الصدمة.

 

نظرت إليها وكلي ذهول لم يخرجني منه إلا وجه الإعلامي كريم كوجاك يستوقفني، ويطلب منى أن أعلق على ما حدث.

 

أقولها بصدق إنني لم أتصور يومًا أن أقع فريسة لتلك المقالب، بل كنت أتمنى أن يحاول أحدهم ذلك، زاعمًا أو متصورًا أنني سوف أفعل به الأفاعيل، فأنا من عشاق عمل المقالب.

 

 

بعد إذاعة الحلقة، فوجئت بالعديد من التعليقات على اليوتيوب تسبني وتلعنني لأنني أعلنت غضبى وصرخت في وجه فتيات صغيرات لا حول لهن ولا قوة! لا يعلمن أنهن فتيات مدربات على الاستفزاز بشكل مبهر، لا يدرين أنني أمضيت ما يزيد على خمس دقائق أنصح وأطبطب وأرجو وأقبل رؤوسهن ليسكتن ويمتنعن عن أذى الفتاة، لكن كيف يسكتن؟ ولماذا؟ مهمتهن التي تم تدريبهن عليها هي الاستفزاز إلى أقصى درجة، وقد فعلن ذلك بمنتهى المهارة، وأنا وقعت فريسة للشتائم واللوم على صفحات اليوتيوب.

 

تذكرت ذلك وأنا أرى على شاشة التليفزيون صديقي الزبال وقد تحسن به الحال ونال دورًا ناطقًا في أحد الإعلانات الكبيرة، وربما صار نجمًا في مسلسلات رمضان القادم.

ترى لو قابلته هل يتذكرني؟

 

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز