عاجل
الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
"ضُرّة" زوجتي على القهوة

"ضُرّة" زوجتي على القهوة

لا أُبالغ إن قلت إن الملايين من سيدات مصر - منهن زوجتي - يعتبرن المقهى بمثابة "ضُرّة" تتمتع ببريق وجاذبية، لا استقرار للأسرة إلا بالخلاص منها، على العكس تمامًا مما يذكره التاريخ عن مقاهي المحروسة، التي كانت ولا تزال تشكّل التجمع الأول للآلاف من قادة الرأي والكتّاب والمثقفين والسياسيين والفنانين، بل وبداخلها تشكّلت العشرات من الحركات الوطنية، والأحداث السياسية المؤثرة في تاريخ مصر المعاصر.



فعلى عكس مفهوم أغلب سيدات مصر عن المقهى، يذكر التاريخ أن الإمام الراحل محمد عبده "كان يمسك الأرجيلة بيده اليمنى، ويوزع الثورة بيده اليسرى" من داخل "مقهى متاتيا"، الذي كان يقع في ميدان العتبة بوسط القاهرة، وهو المقهى الذي كان يرتاده العديد من المفكرين والسياسيين مثل: جمال الدين الأفغاني، ومحمود سامي البارودي، وسعد زغلول، وعبدالله النديم، وبداخله نما الوعي السياسي والثوري لدى المئات ممن قُدّر لهم أن يلعبوا أدوارًا بارزة في الحياة السياسية المصرية.

كذلك الحال بالنسبة لـ"مقهى ريش"، الذي شيده النمساوي "بيرنارد تسينبرج" عام 1908 في شارع طلعت حرب بوسط القاهرة، وكان يحاكي مقاهي المثقفين في باريس، ولعب دورًا بارزًا في أحداث ثورة 1919، وكان يضم في طابقه الأسفل مطبعة سرية كان يستخدمها الثوار في طباعة منشوراتهم المناهضة للاحتلال الإنجليزي، وشهد محاولة اغتيال "يوسف وهبة باشا"، رئيس وزراء مصر في 15 ديسمبر 1919.

وبداخل "مقهى ريش" أيضًا، اختبأ الرئيس الراحل أنور السادات عندما اتُّهم في قضية مقتل "أمين عثمان" وزير المال في عام 1946، ومنه خطّط الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" لثورة يوليو عام 1952 مع رفاقه من الضباط الأحرار.

وهو أيضًا حال "مقهى إيزافيتش"، الذي كان يقع في قلب ميدان التحرير بالقاهرة، وكان يمتلكه لاجئ سياسي يوغسلافي، ومن داخله انطلقت انتفاضة الطلبة عام 1946، التي كان أحد نتائجها حادثة "كوبري عباس" الشهيرة، حين فتحت قوات الاحتلال الإنجليزي الكوبري أثناء مرور الطلاب المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط العشرات منهم في النيل.

كما شهد المقهى ذاته واقعة اعتصام الطلبة في 1971، الذين طالبوا حينها بمحاكمة المسؤولين عن نكسة عام 1967.

وفي ميدان التحرير أيضًا، يقع "مقهى وادي النيل" الذي يطل على المتحف المصري، والذي استهدفه الإرهاب الأسود في عام 1993، وكان حتى وقت قريب ملتقى لأدباء النوبة. وعلى مقربة منه، وتحديدًا في شارع هدى شعراوي، يقع "مقهى زهرة البستان"، والذي يُعد حتى اليوم تجمعًا للعشرات من الكتّاب والأدباء والفنانين.

 

كذلك "مقهى الحرية"، الذي يقع في ميدان باب اللوق، والذي أُنشئ عام 1936 على أنقاض منزل الزعيم الراحل "أحمد عرابي"، وكان تجمعًا للعشرات من السياسيين والمثقفين المصريين، وشاهدًا على العشرات من الأحداث السياسية المهمة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وفي شارع شامبليون بوسط القاهرة، لا يزال "مقهى غزال" حتى اليوم يشكّل ملتقى المئات من الصحفيين والكتّاب والأدباء والفنانين، نظرًا لوقوعه بالقرب من نقابة الصحفيين، والعديد من المسارح والسينمات وقاعات الفنون التشكيلية والحِرف التراثية. وعلى مقربة منه، في نهاية الشارع، يقع أيضًا "مقهى أفتر إيت"، الذي عُرف خلال ثورة يناير 2011 بـ"استراحة الثوار"، وكان حتى وقت قريب ملتقى العشرات من المثقفين والسياسيين.

كذلك "مقهى الفيشاوي" التاريخي، الذي يقع بمنطقة الحسين، وكان يرتاده "نابليون بونابرت"، وجلس عليه العشرات من الملوك والرؤساء وكبار السياسيين في مصر والعالم، منهم "أوجيني" إمبراطورة فرنسا عند مشاركتها في حفل افتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل.

 

وتبقى مقاهي المحروسة أجمل وأبهى "ضُرّة" تشع فكرًا وأدبًا وثقافة وجاذبية، وتحتضن قادة الرأي والفكر والأدب والفن، بشكل أقرب إلى الإدمان الممتع الذي يصعب الخلاص منه، وإن كرهت السيدات... وكفى.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز