عاجل
الجمعة 20 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
المهرجان القومي للمسرح المصري في كل مصر.. وعلاقة العاصمة بالأطراف

المهرجان القومي للمسرح المصري في كل مصر.. وعلاقة العاصمة بالأطراف

أفكر الآن في الجنوب، ذلك أن وزارة الثقافة المصرية ووزيرها أ. د أحمد فؤاد هنو والمهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة النجم الصديق محمد رياض وفي إدارة محكمة للمخرج الكبير عادل عبده، قد قرروا النظر نحو الجنوب.



كما يبدو أن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة اللواء خالد اللبان يدير توجها جادا وعمليا في مسألة علاقة المركز بالأطراف في التنمية الثقافية المصرية.

إذ ينطلق المهرجان القومي للمسرح بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة والسادة المحافظين إلى جهات مصر المتعددة في بورسعيد والإسكندرية وطنطا وأسيوط.

وقد حرص التفكير الفاعل على أن يعود أهل الخبرة إلى مسقط رأسهم بعد تجربتهم في العاصمة، كما حرص المهرجان على أن تتم الاستعانة بالخبرات الكبرى في محافظات مصر المحروسة وهم عدد كبير وبارز وناشط، قد راكم خبرة وعملا منتظما وصنع نورا في كل أرجاء مصر، دون أن يغادروا المكان والعائلة والظروف المحلية للإبداع إلى عالم العاصمة الكبير المزدحم.

وهؤلاء كانوا نورا ودليلا لأجيال عديدة تعلمت منهم هناك، بل وأرشدوهم لطريق الدراسة في أكاديمية الفنون بالقاهرة.

ولذلك أتمنى فتح الطريق أمام هؤلاء الخريجين في أماكنهم الأصلية هناك للعمل والإبداع والإضافة والتخطيط والتنفيذ عبر الإرادة السياسية، كي يمارس المبدعون الفن في المركز والأطراف معا من أجل نشر النور والأمل في كل مكان في مصر.

تذكرت الفنان الكبير محمود الجندي الذي كرس ماله وجهده ووقته في سنوات عمره الأخيرة من أجل إنشاء قصر ثقافة أبو المطامير في البحيرة وتأسيس فرقة مسرحية هناك، في ولاء نادر تاريخي لفرقة البحيرة المسرحية التي تعلم فيها في ستينيات القرن الماضي قبل أن يأتى للدراسة بالمعهد العالي للسينما في القاهرة.

قلت في نفسي لن يتأخر نجم أو أستاذ أو مخرج أو كاتب عن العودة للجذور والعمل في مسقط رأسه.

لأنهم يعرفون أن ذلك واجب مستحق لأهلهم الذين علموهم ودعموهم ووضعوهم على الطريق، ولن يستهدفوا بالتأكيد الأرباح المالية، فهم كمحترفين يعيشون من عملهم الاحترافي، فقط يجب الحوار معهم ودعوتهم وفتح الطريق أمامهم، وتوفير محيط عمل منطقي وإيجابي لهم.

يتجه المهرجان القومي للمسرح هذا العام صوب نقلة نوعية كمية وكيفية في اتجاه العدالة الثقافية، وهو ما يجب السعي نحو أن يكون نهجا لكافة المهرجانات المصرية الكبرى في كل الفنون التعبيرية.

كما يمكن أن يكون طريقا ملهما نحو إدراج عروض المحافظات في جدول ميزانية إنتاج العروض الفنية في قطاع الإنتاج الثقافي وفي المركز التعليمي القومي (دار الأوبرا المصرية).

وأن يكون الذهاب خارج القاهرة والإسكندرية عملا منتظما دائما واعتياديا، كهدف واضح في مخرجات إنتاج الفنون التعبيرية.

كما يجب أن يحظى الفنانون المسرحيون وغيرهم في كافة الأنواع الفنية بحق العرض في القاهرة للعروض الفائزة في المهرجانات المحلية الإقليمية، والإنتاج المتميز للفرق الأخرى.

وفي هذا الإطار وهذا السعي ومع شبكة الطرق الجديدة والتي هي إنجاز كبير، تقترب المسافات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب في مصر، خاصة مع تزايد المطارات الجديدة الإقليمية وانتظام العمل بها.

ومع تعاظم البث الرقمي الفضائي والتكنولوجيا الأثيرية عبر الشبكة الدولية للمعلومات فقد أصبح ممكنا إنجاز أكثر من مركز مضئ للفنون والثقافة في كل أنحاء مصر، مع ضرورة الإيمان المستقبلي بأن استمرار المركز الكبير في العاصمة فقط يؤدي لاستمرار عملية إخلاء وتفريغ الأطراف من مبدعيها ومثقفيها، وحرمان أقاليم مصر منهم ومن التأثير في بيئتهم الأصلية ومجتمعاتهم الإقليمية، ذلك أنهم يغادرونها من أجل فرصة في العاصمة، فماذا لو وجدوا هذه الفرصة في مكانهم الأصلي؟

كما يبدو حقا أن اللواء هشام أبو النصر محافظ أسيوط قد فكر تفكيرا جادا في هذه المسألة، وضباط وزارة الداخلية المصرية في معظمهم يلمسون الواقع جيدا ويعرفون تفاصيل الشارع المصري وسلوك الشخصية المصرية وتحولاتها المستمرة، ومركز الدراسات الجاد للبحوث الاجتماعية والجنائية به خبراء يعرفون تفاصيل التفاصيل عن كل كيلومتر مربع في مصر، وعن أفكاره وثقافته ومشكلاته وثروته البشرية.

وفي أسيوط كما في معظم أنحاء مصر المبدعة توجد الجامعة وكليات الفنون ويولد كل يوم الموهبون وأصحاب الخيال والإرادة.

ولذلك وبالنظر لتجارب الدول الأخرى ذات التعداد السكاني الكبير مثل الهند، نجد أن العاصمة نيودلهي ليست هي المركز الرئيسي لصناعة الفنون.

هناك مدن كبرى أخرى تمارس الصناعات الإبداعية، ففي مدينة مومباي الهندية وهي ليست العاصمة يوجد أهم إنتاج سينمائي هناك خرج من المحلية للعالمية، وقد تم الاتفاق على تسميته "بوليوود"، وهو مزج بين اللغة الهندية والأوردوية، وفي الهند مراكز أخرى إقليمية لإنتاج السينما، وغيرها من الفنون.

وهكذا فلعل المشروع الذي أطلقته محافظة أسيوط ومحافظها اللواء هشام أبو النصر بشأن إقامة مركزا لصناعة الإبداع والإعلام عبر إنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي في أسيوط يكون بداية جديدة لتحقيق هذا التفكير الإبداعي وإنشاء مراكز إبداعية لصناعة الفنون التعبيرية خارج القاهرة، وهي حقاً فرصة ممكنة للفنانين والمثقفين والإعلاميين في جنوب مصر، وهي ليست مجرد إتاحة تهتم بمنحهم حقهم في التعبير عن أنفسهم، لكنها فرصة للعمل الجاد كي تنتج تلك المدينة نجوما وفنونا تدر الأرباح المالية والمعنوية الكبيرة.

ولذلك وفي هذا الاتجاه الذي يفهم أن مصر ليست العاصمة فقط، أثمن تفكير محافظة أسيوط في إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي هناك وأنتظرها حقيقة متجسدة على أرض الواقع، بعيداً عن هؤلاء الذين يرونها ترفا، وهي ليست ترفا بل ضرورة حيوية ونموذجا يجب تأمله في كل أقاليم مصر المتعددة.

ولذلك فمن يعرف مصر جيدا سيسعد بهذا التفكير، كما أدعو لإعادة التفكير في النموذج الواحد المتكرر في عمل الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذي يحتاج إلى إعادة نظر، لأن التنوع هو سمة أقاليم مصر.

ففي مصر المتعددة تجد الغناء في بلد، والرسم في بلد ثالث والمسرح في أماكن بعينها وهكذا، وهو الأمر الذي يجب إعادة النظر فيه عند وضع خطط العمل.

لأن مصر في أقاليمها الثقافية متعددة، ويتميز كل إقليم بنوع معين من أنواع الإبداع.

كتعبير حضاري عن الخصوصية الثقافية لكل إقليم واختلافه عن الأقاليم الأخرى، فليست الدلتا كسيناء وليست مطروح كقنا، رغم وحدة النسيج الثقافي المصري عبر التنوع الثرى الفعال والمشتركات الأساسية في الهوية الثقافية المصرية الجامعة.

كل أمنياتي الطيبة لطريق تحقيق العدالة الثقافية، وإطلاق الطاقات الإبداعية والصناعات الثقافية والإعلامية في كل أنحاء مصر.

إلى أسيوط أرنو بكل اعتزاز ومحبة، أسيوط الوطن الصغير الكبير معا، أسيوط الحارسة أرض الخير في مصرنا الحبيبة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز