عاجل
الأحد 3 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

شحاتة زكريا يكتب: من القاهرة إلى كيب تاون.. الطريق يبدأ الآن

شحاتة زكريا
شحاتة زكريا

حين تعود مصر إلى أفريقيا لا تعود باحثة عن مجد ماض أو مكانة رمزية في خرائط الانتماء بل تعود كمن يعرف طريقه جيدا ويعرف أيضا مسؤولية الدور الذي يجب أن يُؤدى. مصر التي طالما كانت بوابة أفريقيا إلى العالم ، تعود اليوم بعقل الدولة ورؤية القائد لا بالشعارات بل بخطط واقعية ومشروعات مترابطة وتحركات محسوبة تعيد رسم ملامح الحضور المصري في عمق القارة السمراء، حضور لا يرتكز على الحنين بل على المصالح المشتركة ولا يعتمد على الخطابة بل على الإرادة الفاعلة التي تؤمن أن أفريقيا لم تعد تحتمل التهميش أو التبعية أو الانتظار.



 

إن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة الاتحاد الأفريقي بغينيا الاستوائية لم تكن مجرد خطوة سياسية في توقيت حساس بل كانت رسالة مزدوجة؛ إحداهما للقارة بأن مصر عادت لتبقى وتبني، والأخرى للعالم بأن أفريقيا ليست ملعبا مفتوحا للقوى الكبرى، بل ساحة شريكة في القرار الدولي. هذا الحضور المصري لا يمكن اختزاله في اللقطات البروتوكولية ولا في الكلمات الرسمية لأنه أعمق من ذلك بكثير؛ هو حضور تراكمي بدأ منذ سنوات ويمتد في كل ملف حيوي يهم القارة من الربط الكهربائي والمائي إلى تدريب الكوادر ودعم الأنظمة الصحية وطرح حلول عملية لأزمات الغذاء والمناخ والنقل والطاقة.

 

الذين يتابعون التحرك المصري في أفريقيا عن كثب يدركون أنه لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بعد قراءة دقيقة لتغيرات الإقليم ولحجم الفراغ الذي تركته قوى دولية بعد عقود من العبث. لم تذهب مصر إلى أفريقيا بسيناريو الهيمنة، ولم تدخل عبر بوابة المصالح الضيقة بل اختارت طريق الشراكة والتكامل مستندة إلى تاريخ طويل من الروابط وجغرافيا تفرض وحدة المصير وواقع جديد يتطلب إعادة تموضع ذكي وحاسم في خريطة العالم. في الوقت الذي تتزاحم فيه القوى الكبرى على أفريقيا بسيناريوهات النفوذ تتقدم مصر برؤية مختلفة ترى أن أمن القارة جزء من أمنها وأن تنمية أفريقيا ليست منّة بل استثمار مشترك وأن الحضور الحقيقي لا يُقاس بعدد الاتفاقيات بل بمدى الأثر على الأرض.

 

ولأن مصر لا تنفصل عن جوارها فقد حملت دائمًا همّ القارة في المحافل الدولية ورفعت صوت أفريقيا في قضايا التغير المناخي والديون والتوزيع العادل للموارد وحقوق الشعوب في التنمية. لم تكتف القاهرة بالمناشدة بل طرحت مبادرات وموّلت مشروعات واستضافت منتديات وفتحت جامعاتها وأكاديمياتها لتدريب الكوادر ، وقدّمت ما يمكن تقديمه من دعم في مجالات الصحة والبنية التحتية والتكنولوجيا دون شروط ودون أجندات خفية.

 

إن من ينظر إلى العلاقات المصرية الأفريقية الآن يرى بوضوح أنها دخلت طورا جديدا يتجاوز العلاقات التقليدية. لم تعد المسألة مجرد دبلوماسية ناعمة بل شراكة نابعة من قناعة أن أفريقيا لن تنهض إلا بأبنائها، وأن مصر بحكم تاريخها وموقعها وإمكانياتها، مطالبة بأن تكون في القلب من تلك النهضة. لذلك فإن الحضور المصري في أفريقيا الآن ليس مجرد "عودة" بل هو تصحيح لوضع كان يجب أن يتغير منذ زمن طويل وتجسيد لمعادلة جديدة ترفض أن تكون القارة مجرد رقم في لعبة الأمم وتصر على أن تكون فاعلا لا متلقيا وصانعا لا تابعا.

 

هذا التحول في الخطاب والممارسة المصرية تجاه أفريقيا لم يكن رفاهية بل ضرورة استراتيجية تتطلبها التحديات وتفرضها الحقائق. فالقارة التي تتسع مساحتها وتتنوع مواردها وتتضاعف أزماتها تحتاج إلى من يفكر لها ومعها، لا من يفكر عنها ومصر اليوم تقدم نفسها كصوت رشيد قادر على لعب هذا الدور لأنها لم تنس يوما أنها جزء من هذه الأرض وأن أي مشروع نهضة وطني يجب أن يكون جزءا من مشروع قاري أكبر يحقق التوازن ويضمن المصالح، ويرد الاعتبار لقارة طالما استُنزفت في صمت.

 

وفي ظل الجمهورية الجديدة بات واضحا أن القاهرة قررت أن تكون رأس الرمح في معركة التنمية الأفريقية ليس بالكلام بل بالفعل ليس بالشعارات بل بالشبكات ليس بالأحلام فقط بل بالبنية التحتية التي تصل الشمال بالجنوب وتربط الحلم بالواقع. عودة مصر إلى أفريقيا ليست حدثا بل مسار وهي الآن تمضي فيه بثبات لأن الوقت لم يعد يسمح بمقاعد المتفرجين.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز