

أحمد إمبابى
إصلاح الإعلام
التطوير من بيان 3 يوليو حتى خارطة الطريق الشاملة
1
يستحق التوجيه الرئاسى، الخاص بتطوير منظومة الإعلام المصري، وفق خارطة طريق شاملة، التوقف مع ضروريته، وأهدافه، ووسائل تحقيقه، ذلك أن مسألة الإصلاح فى الإعلام، ليس مَطلبًا مهنيًا فقط؛ وإنما غاية تنشدها مختلف النخب، السياسية والمجتمعية، بحكم محورية وتأثير الإعلام مجتمعيًا وسياسيًا وفكريًا وثقافيًا.
وحينما نرصد حالة الحراك، الذي استقبلت به الدوائر الصحفية والإعلامية، دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأسبوع الماضى، نجد أننا أمام تحوُّل نوعى لإعادة تنظيم وبناء منظومة الإعلام الوطني بوسائله المختلفة، بصيغة تواكب التطور فى أدوات التواصل الجماهيرى، وتعكس حجم التحديث الذي تشهده قطاعات الدولة المصرية خلال السنوات المعاصرة.
وهنا تمتلك الجماعة الصحفية والإعلامية، إرادة سياسية؛ للتطوير والتغيير، كما حدث فى قطاعات أخرى بالدولة، وهى تستند إلى محددات جرَى صياغتها فى لقاء الرئيس مع رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاثة أخيرًا، وهو ما يطرح عديدًا من التساؤلات، حول سياق التطوير والإصلاح فى المنظومة الإعلامية، التي كانت محل انتقاد واتهام بالتقصير فى أداء دورها، وأولويات التطوير ومحدداته؟
الإصلاح فى بيان 3 يوليو
والواقع أن جهاز الإعلام أو منظومة الإعلام، أحد المؤسّسات والأركان الأساسية فى منظومة الدولة، ولا شك أنها واجهت عديدًا من التحديات خلال السنوات الأخيرة، وشابها ما شاب مؤسّسات أخرى «عطب»، بفضل ممارسات تصدرت فيها المَصالح، عن المهنية والمسؤولية فى تقديم الرسالة، فكانت بعض من منصات الإعلام، مَصدرًا للإثارة والتضليل والتشويه، بدلاً من الاضطلاع بالدور المفترَض أن تؤديه فى تشكيل الرأى العام، وصناعة الوعى.
من هذا المنطلق، كان مطلب إصلاح الإعلام، أحد المَطالب الجوهرية، فى ثورتىّ يناير، و30 يونيو، وعلى هذا الأساس، كان من بين بنود بيان 3 يوليو 2013، الذي أنهى حكم تنظيم الإخوان الإرهابى، ضرورة العمل على تطوير الإعلام، وصياغة ميثاق شرف ينظم قواعد عمله المهنى.
ونَص البيان على ضرورة «وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المَصلحة العليا للوطن».
وبالنظر إلى بنود بيان 3 يوليو، الذي توافقت عليها القوَى الوطنية، كخارطة طريق وطنية؛ نجد أنها تضمنت عَشرة إجراءات، التزمت الدولة بتنفيذها خلال السنوات الأخيرة، ما بين إدارة الفترة الانتقالية وبناء المؤسّسات الدستورية وتحقيق المصالحة وتمكين الشباب وغيرها، إلا أن الإعلام لم ينَل النصيبَ الكافى من التطوير والتحديث الذي نَصّ عليه البيان.
ومن هذا المنطلق؛ نستطيع أن ننظر إلى التوجيه الرئاسى، بصياغة خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام، بِعَدِّها، واحدةً من الالتزامات المهمة التي قطعتها الدولة المصرية على نفسها منذ ثورة 30 يونيو، وتسعى إلى تحقيقها، وفق أسُس علمية وتنظيمية تحدث الفارق فى الرسالة الإعلامية.
مَن يتولى الإصلاح؟
وإذا كان هدف الإصلاح والتطوير فى الإعلام، جرَى النصُّ عليه فى بيان 3 يوليو؛ فإن دستور 2014، المعمول به حاليًا، قد وضع تنظيمًا مؤسَّسيا جديدًا لإدارة الإعلام الوطني؛ ليعكسَ درجة أكبر من الاستقلالية والمهنية وصيانة التعدد والتنوع؛ حيث عهد الإدارة الإعلامية إلى ثلاث هيئات مستقلة، بداية من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؛ ليتولى مسألة ضمان حرية الإعلام واستقلاليته وتنظيمه.
هذا إلى جانب الهيئة الوطنية للصحافة، التي تتولى إدارة المؤسّسات الصحفية القومية ومطبوعاتها. والهيئة الثالثة، هى الهيئة الوطنية للإعلام، التي تتولى إدارة قنوات ومحطات الإذاعة والتليفزيون المملوكة للدولة (ماسبيرو).
كان الغرض من هذا التنظيم، الذي نص عليه الدستور، ضمان استقلالية منظومة الإعلام الوطني، وحريته وتطوير قدرته على تقديم رسالته المهنية، والأهم من ذلك استعادة الثقة فى رسالتها الإعلامية فى الشارع، فى مواجهة سَيل من صفحات ومنصات التضليل وبث الأخبار والبيانات غير الصحيحة للداخل.
لسنا هنا فى موضوع تقييم أداء الهيئات الإعلامية خلال السنوات الأخيرة؛ وإنما نتوقف مع معنى ودلالة مهمة فى لقاء الرئيس السيسي مع رؤساء الهيئات الثلاثة الأسبوع الماضى، المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وهى دلالة تعكس أن السياق العام الذي تنفذ الدولة من خلاله تطويرَ منظومة الإعلام، سيكون من خلال المؤسّسات الوطنية، أو بمعنى أدق، سيجرى بشكل مؤسّسى؛ أملاً فى استعادة روح التأثير مرة أخرَى فى وسائل الإعلام الوطنية من صحافة وتليفزيون.
هنا نتحدث عن الصحافة القومية ومطبوعاتها المختلفة، وعن ماسبيرو، ومنصاته المختلفة، إلى جانب الكيانات الإعلامية المستقلة، كالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تمتلك منصات عديدة، تركت بصمة إعلامية ملحوظة خلال سنوات قصيرة.
محددات التطوير
لقد صاغت مخرجات الاجتماع الرئاسى مع رؤساء الهيئات الإعلامية، مجموعة من المحددات المهمة لعملية التطوير والإصلاح فى المنظومة الإعلامية؛ بهدف وضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، ولعل أهم هذه المحددات ما يلى:
أولاً: إن عملية التطوير الشامل، ستكون وفق خارطة زمنية واضحة، ما يعنى أن هناك مراحل لعمليات التطوير، تبدأ بإجراءات عاجلة فى منظومة الإعلام، وأخرى على المدَى القصير والطويل؛ لتحقيق التحوُّل النوعى فى منظومة الإعلام.
ثانيًا: الاستعانة بالخبرات والكفاءات المتخصِّصة؛ لوضع خارطة التطوير. والمعنى هنا أن تشمل تصورات التطوير، رؤَى المهنيين من الجماعة الصحفية والإعلامية، والأكاديميين؛ بهدف تطوير الإعلام الوطني ومواكبته للمتغيرات المتسارعة فى العالم.
ثالثًا: الاعتماد على الكوادر الشابة والمؤهلة للعمل الإعلامى، ما يعنى ضرورة فتح الباب أمام مواهب جديدة فى مجال صناعة المحتوى الصحفى والإعلامى، بما يحقق فكرة التغيير المرغوبة فى حد ذاتها، باعتبارها نقيضًا للركود والجمود.
رابعًا: الانفتاح على مختلف الآراء، بما يرسّخ، مبدأ «الرأى والرأى الآخر»، داخل المنظومة الإعلامية، وهذه نقطة جوهرية فى ترسيخ مصداقية المحتوى الإعلامى، لكنها تحتاج لضوابط موضوعية ومهنية فى تطبيقها.
خامسًا: ثقل مهارات العاملين فى المجال الإعلامى؛ لضمان عملية التطوير، وذلك من خلال برامج تثقيفية وتدريبية للعاملين فى هذا المجال، مع التركيز على مفاهيم الأمن القومى والثوابت الوطنية.
وإلى جانب تلك المحددات؛ هناك التزامات من الدولة، جرى التأكيد عليها فى اللقاء الرئاسى، بداية من الالتزام بإعلاء حرية التعبير، واحتضان جميع الآراء الوطنية، ضِمْن المنظومة الإعلامية، وبما يعزز التعددية والانفتاح الفكرى، وهى من النقاط الجوهرية فى عملية الإصلاح، التي طالما نادت به الجماعة الإعلامية.
أمّا الالتزام الثانى؛ فيتعلق بأهمية إتاحة البيانات والمعلومات للإعلام؛ وبخاصة فى أوقات الأزمات التي تحظى باهتمام الرأى العام، حتى يتم تناوُل الموضوعات بعيدًا عن المغالاة فى الطرح أو النقص فى العرض، وهذه من النقاط المهمة أيضًا، التي تحتاج إلى حوكمة فى توفيرها، ومواعيد بثها، بما يعزز من أدوات وسائل الإعلام الوطني، فى مواجهة دعاية التضليل والتشويه؛ خصوصًا التي تبث عبر منصات التواصل الاجتماعى.
أولويات التطوير
بلا شك، ونحن نشَخّص حالة الإعلام الوطني قبل الحديث عن تطويره، سنجد أن الممارسة العملية لا تترجم بوضوح الأهداف التي نادت بها ثورة 30 يونيو وترجمت فى نصوص دستور 2014، ذلك أننا أمام حالة إعلامية، لم يعد فيها الإعلام الوطني مَصدر الاعتماد الأساسى للجمهور المحلى، فى ظل منافسة شرسة وغير مهنية فى أحوال كثيرة، سواء من منصات التواصل الاجتماعى أو من منصات إعلامية معادية ظلت تهاجم الدولة، وتشكك فى كل ما يقدم.
لذلك؛ فإن قرار صياغة خارطة طريق إعلامية جديدة، تلقى استبشارًا واستحسانًا، من الجماعة الصحفية والإعلامية؛ بل هى فرصة مدعومة بإرادة سياسية، من المهم استثمارها، وحتى يتحقق ذلك؛ من المهم الحديث عن مجموعة من الأولويات فى عملية الإصلاح، ومنها:
من بين الأولويات، صياغة مفاهيم واضحة ومحددة للعمل الصحفى والإعلامى، وأهدافه وأدواره، حتى لا يختلط دور الإعلام بالسياسة، فأدوار الإعلام معروفة، وهى تتضمن الأخبار، والتثقيف، والترفيه، ورفع الوعى والمَعرفة، وإتاحة الفرص للمشاركة والتواصل وتبادُل الرؤى والأفكار، والرقابة على أداء السلطات، وكشف الفساد.
ومن الأولويات؛ بحث سُبُل تعزيز تداوُل البيانات والمعلومات؛ خصوصًا الصادرة عن مؤسّسات الدولة، ويمكن أن يتحقق ذلك، من خلال إقرار قانون حرية تداوُل المعلومات، وهو استحقاق منصوص عليه دستوريًا، وهذه أولوية مهمة؛ لمنع التضارب والتناقض فى البيانات والمعلومات الصادرة عن مؤسّسات الدولة؛ خصوصًا فى لحظات الطوارئ والأزمات، واستعادة دَور وسائل الإعلام الوطني كمَصدر أساسى فى المعلومات والبيانات.
ومن بين الأولويات؛ ما نادَى به الرئيس، بضرورة الاعتماد على الكوادر الشابة والمؤهلة للعمل الإعلامى، وذلك عبر ضخ دماء جديدة للمؤسّسات الوطنية؛ قادرة على التغيير وتقديم أفكار مبتكرة فى صناعة المحتوى الإعلامى.
ومن تلك الأولويات ضرورة تعزيز الأداء المهنى، من خلال رفع مستوى الصحفيين والإعلاميين، وتطوير أحوالهم المهنية، بما يمكنهم من أداء عملهم، إلى جانب إتاحة الفرص لظهور منصات جديدة وأصوات مختلفة، فى سياق العمل الوطني.
قد تكون هذه نقاط انطلاقًا لعملية التطوير الإعلامى، فى مناخ مجتمعى ينتظر من الإعلام الوطني المزيد؛ خصوصًا مع حالة الرفض المجتمعى المتزايد للمحتوى الهابط على منصات التواصل الاجتماعى، ولعل الشاهد على ذلك؛ حالة التفاعل المجتمعى مع الحملة الأمنية ضد مروجى المحتوى الهابط عبر منصات «تيك توك» وغيرها أخيرًا، وهى حملة لا نستطيع أن نفصلها عن إجراءات تطوير منظومة الإعلام.
نقلًا عن مجلة روزاليوسف