عاجل
الثلاثاء 9 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
«التنين الصينى» يكشر عن أنيابه!

«التنين الصينى» يكشر عن أنيابه!

لم يكن المشهد فى ساحة «تيان آن من» احتفالاً عابرًا بذكرى تاريخية؛ بل كان إعلانًا مدويًا عن تحوُّل استراتيجى يطال خرائط القوة فى العالم. فالصين، التي أحيَت الذكرى الثمانين لانتصارها على اليابان فى الحرب العالمية الثانية بعرض عسكرى مهيب، لم تكتفِ باستعادة ذاكرة الانتصار؛ بل كشفت عن حاضر مكتمل ومستقبل يتبلور فوق منصة السياسة الدولية.



الصواريخ الفرط صوتية، والغواصات النووية، والطائرات المسَيّرة، ومنظومات الليزر، ثم «الثالوث النووى» الذي يضمن الردع من البر والبحر والجو.. كلها لم تكن مجرد أسلحة تستعرضها بكين؛ بل أوراق اعتماد جديدة لدولة لم تعد تكتفى بصفة «المصنع الأكبر فى العالم»؛ بل باتت قوة عسكرية مكتملة الأركان. الرسالة أوضح من أن تُخفى؛ الأراضى الأمريكية نفسها دخلت بنك أهداف الصين، والمشهد لم يعد صراع نفوذ اقتصادى باردًا؛ بل توازن رعب مكتمل العناصر.

لكن السلاح لم يكن وحده بطل العرض. الصورة السياسية التي جمعت الرئيس «شى جين بينغ» بالرئيس الروسى «بوتين» والزعيم الكورى الشمالى «كيم جونغ أون» صنعت عنوانًا أكبر من أى منصة صواريخ. صورة أوجعت الغرب قبل أن تثير فضوله؛ لأنها كشفت ملامح محور يتشكل على تخوم الشرق، يعيد للأذهان أجواء المعسكرين المتقابلين فى زمن الحرب الباردة. وما زاد المشهد دلالة كانت صورة أخرى جمعت زعيمَىّ الصين وروسيا فى وجود رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودى» الذي أضفَى على الصورة أبعادًا معقدة بين تنافُس وتنسيق، بين شراكة اقتصادية وتوتر حدودى، ورسالة إلى ترامب شخصيًا عن فشل سياساته بالتفريط فى الحلفاء لصالح الأعداء، وكأن بكين أرادت أن تقول: «نحن مَن يملك مفاتيح الموازنة فى آسيا».  

فى الداخل؛ كان للعرض العسكرى معنى آخر. لقد خاطبت بكين شعبَها بلهجة الواثق، انتهى زمن الهزيمة والانكسار، لن يُستباح تراب الصين بعد اليوم. هنا تتبدّى صياغة عقد اجتماعى جديد يرتكز على ازدهار اقتصادى تحرسه قوة صلبة، وشرعية داخلية تكتسب زخمها من مكانة عالمية.

أمّا للعالم؛ فقد كانت الرسائل ثلاثية الأبعاد:

- للغرب، إن القطب الواحد لم يعد قادرًا على احتكار القرار الدولى.

- للحلفاء والشركاء، أن بكين صارت شريكًا محصنًا لا يَخشى المواجهة.

- وللنظام الدولى، أن البديل متعدد الأقطاب لم يعد مجرد نظرية فى الكتب؛ بل واقع يتجسّد على الأرض.

ردود الفعل الغربية جاءت مشوبة بالقلق. واشنطن، التي اعتادت النظر إلى بكين باعتبارها منافسًا اقتصاديًا، وجدت نفسها أمام خصم عسكرى مكتمل السلاح. أوروبا، التي ما زالت تتأرجح بين مصالحها التجارية مع الصين وولائها التاريخى للغرب، بدت فى موقع المرتبك. أمّا موسكو وبيونغ يانغ؛ فقد وجدتا فى العرض منصة لإبراز تحالف يتجاوز حدود التكتيك إلى ملامح شراكة استراتيجية.  

المغزى الأعمق أن العالم أمام فصل جديد من تاريخه. القرن الحادى والعشرون لن يُكتب بلغة الهيمنة الأمريكية وحدها؛ بل بلغة معقدة تتداخل فيها مصالح واشنطن وبكين وموسكو ونيودلهى وطوكيو، وتتقاطع عندها خطوط التجارة مع مسارات الصواريخ. فالتنين الذي ظل أسطورة على جدران المعابد نهض من سُباته، لا ليحكى حكاية الماضى؛ بل ليكتب سيناريو المستقبل.

 

السؤال الآن.. هل نحن بصدد «حرب باردة جديدة»؟ أمْ أمام معادلة مختلفة تفرضها العولمة وتكامل الأسواق وتوازنات الردع النووى؟ المؤكد أن العرض العسكرى فى بكين لم يكن مجرد استعراض قوة؛ بل كان صفارة إنذار للعالم أن النظام الدولى يتغير بالفعل، وأن ما بعد هذا اليوم لن يكون كما قبله.

لقد رفعت الصين الستار، وأشعلت الأضواء على المسرح الدولى، لتقول بوضوح لسنا مجرد متفرجين فى الصفوف الخلفية بعد الآن؛ بل أبطال رئيسيون فى مسرح القيادة العالمية. ومَن لم يفهم الرسالة فى وميض الصواريخ؛ فليقرأها فى صمت الثقة المرتسمة على وجوه قادتها.

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز