الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"فورين بوليسي": الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتطلب خطوات عملية وضغطًا حقيقيًا على إسرائيل

أرشيفية
أرشيفية

رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أحد أسباب موجة الاعترافات المتنامية لحكومات غربية بالدولة الفلسطينية في الفترة الأخيرة يعود إلى رفض هذه الحكومات لأي رواية "إسرائيلية" تقود في النهاية إلى ارتكاب جرائم جماعية.

 

وأكدت المجلة أن تواطؤ الغرب سابقُا مع التوجه الإسرائيلي القائم على سحق الحقوق الفلسطينية هو الذي ساهم في صناعة الوضع الراهن. ولذلك، فإن أي اعتراف بدولة فلسطين يعد خطوة في الاتجاه الصحيح إذا كان يحد من هذا التواطؤ المزمن، مع مراعاة أن الاعتراف وحده لا يكفي.

ويرى باحثون أن الخطر يكمن في التعامل مع الاعتراف كأنه غاية نهائية. فإذا أصبح الاعتراف مجرد بديل عن الدفاع عن سيادة القانون الدولي أو مواجهة معاناة الفلسطينيين على أرض الواقع، فسوف يتحول هذا الاعتراف إلى "إيماءة جوفاء" في أحسن الأحوال، أو "إهدار كبير لزخم سياسي دولي نادر".

لذا، فإن الاعتراف بدولة فلسطين يجب -وفقًا للمجلة- أن يتبعه تحرك فعلي لمواجهة الاستيطان المستمر، وأية محاولات لتمزيق هذه الدولة الوليدة. ويستدعي هذا الأمر من الحكومات الغربية اتخاذ خطوات ملموسة لتطبيق القانون الدولي، والضغط على الحكومة الإسرائيلية كي توقف حملات التهجير القسري والتجويع والقتل الجماعي في غزة، وكذلك وقف عمليات الضم غير القانونية في الضفة الغربية.

 

إجراءات مطلوبة من أوروبا

ووفقا للمجلة، فإنه ينبغي على الدول الأوروبية أن تقود الجهود والتحركات الدولية لتوظيف الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فالاتحاد الأوروبي أخفق مؤخرًا في تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، وهو ما وصفته الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، بأنه "خيانة قاسية وغير قانونية". غير أن بعض المسؤولين الأوروبيين يعيدون النظر الآن في هذا القرار.

ومن بين الإجراءات التي يمكن اتخاذها أيضا، وقف المشاريع البحثية المشتركة مع إسرائيل ضمن برنامج "هورايزن يوروب"، إضافة إلى فرض حظر واسع على التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، خاصة وأن القارة الأوروبية تعد الوجهة لنحو ثلث صادرات إسرائيل، ما يمنحها ورقة ضغط فعالة إذا أرادت استخدام نفوذها في سبيل تحقيق العدالة.

دور الولايات المتحدة

 

وبالنسبة للولايات المتحدة، ورغم خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي عكس استمرار واشنطن في لعب دور كجزء من المشكلة وليس الحل، إلا أنه لا يزال بوسع السياسيين الأمريكيين المؤيدين للسلام -في رأي المجلة- أن يقوموا بخطوات مهمة، مثل دعم رسائل في الكونجرس تؤيد الاعتراف بفلسطين، أو مساندة مشروع القرار الذي قدمه السيناتور جيف ميركلي للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.

كما ينبغي على المشرعين الأمريكيين أن يدعموا مقترحات لوقف مبيعات السلاح إلى إسرائيل، مثل "قانون حظر القنابل" الذي قدمته النائبة داليا راميريز، ويهدف إلى حظر بيع العديد من الأسلحة الهجومية الأمريكية لإسرائيل.

وفي حين أن هذه الجهود قد لا تغير السياسة الأمريكية على المدى القصير، إلا أنها ستعكس واقعًا جديدًا يتمثل في: نهاية عصر الدعم غير المشروط لإسرائيل من جانب الغرب.

واعتبرت "فورين بوليسي" أن أي حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سيظل بحاجة إلى التعامل مع الواقعين الداخليين الإسرائيلي والفلسطيني، ما يستدعي أن تكون مسألة رفع أي عقوبات تفرض على إسرائيل مشروطة بوقف خروقاتها للقانون الدولي، حيث إن الهدف هنا ليس معاقبة إسرائيل، بل تمهيد الطريق لتعايش سلمي لجميع سكان فلسطين التاريخية.

الاستيطان يقوض حل الدولتين

 

ونبهت المجلة الأمريكية إلى أنه مع كل مستوطنة جديدة تبنيها إسرائيل على الأراضي المحتلة، تتضاءل فرص حل الدولتين بالصيغة التقليدية. وقد دفع هذا الواقع كثيرين إلى اعتبار أن الدعوة إلى دولة فلسطينية مستقلة أصبحت ضربًا من الوهم. لكن السبب الرئيسي وراء ذلك يعود إلى أن إسرائيل لم تواجه قط عواقب ملموسة لسياساتها الممنهجة التي تهدف إلى القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية.

 

وعليه، فإن منع بناء أية مستوطنات واتخاذ تدابير قوية ضرورة حيوية للحفاظ على أي أمل في حل عادل.

الاعتراف مكافأة للدبلوماسية لا للإرهاب

وبينما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في كلمته بالأمم المتحدة، الاعتراف بدولة فلسطين بأنه "مكافأة للإرهاب"، إلا أن الحقيقة أقرب إلى العكس: الاعتراف هو مكافأة للدبلوماسية، خاصة وأن الإخفاق المتكرر للمجتمع الدولي في منح الفلسطينيين هذا الاعتراف هو ما منح حركات مثل "حماس" فرصة للتمدد.

وترى المجلة الأمريكية أن هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، وما تبعه من رد إسرائيلي دموي، أثبت أن الوضع القائم من احتلال وحصار غير قابل للاستمرار. وإن الاعتراف بهذه الحقيقة ليس تشجيعا للإرهاب، بل إدراكًا للواقع، فالشعوب لن تقبل بالعيش في حصار واحتلال إلى الأبد، وإذا أغلقت أمامها أبواب التحرر السلمي فلن تجد سوى العنف طريقا.

وشددت "فورين بوليسي" على أن إنهاء الإبادة الجارية في غزة يجب أن يكون أولوية عاجلة للعالم بأسره. وإذا ترافق الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع خطوات عملية، فإن ذلك يمكن أن يشكل جزءا مهما من مسار نحو تقرير المصير والتحرر.

كما أن فتح الطريق أمام خيار نضال سلمي هو أفضل وسيلة لتجنب سفك دماء إضافية في المستقبل، حيث إن إغلاق هذا الطريق بذريعة "عدم مكافأة الإرهاب"، لن يؤدي إلا إلى المزيد من الإرهاب والعنف.

تم نسخ الرابط