الصحة العالمية تحذر: تراجع التمويل يهدد حياة الملايين في الشرق الأوسط
شهدت الدورة الثانية والسبعون للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، المنعقدة في القاهرة، عرضًا خاصًا لتحديث أوضاع الطوارئ الصحية في الإقليم، الذي يُعد الأكثر تأثرًا بالأزمات الإنسانية على مستوى العالم
تستمر أعمال الدورة 3 أيام بمشاركة وزراء الصحة وممثلين رفيعي المستوى من 22 دولة عضوًا، إلى جانب منظمات شريكة ومؤسسات المجتمع المدني، لبحث سبل مواجهة التحديات الصحية والإنسانية المتفاقمة في المنطقة.
قالت الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، في كلمتها الافتتاحية: "نجتمع وسط أجواء غامضة يختلط فيها الأمل بالخوف من مستقبل الصحة في إقليمنا والعالم. فالحروب والكوارث والنزوح وتراجع المساعدات الإنسانية تضاعف المآسي، وإن لم نتحرك لتصحيح الأوضاع فسيذكر التاريخ أيامنا كإحدى العصور المظلمة. لكن ما زال بيننا من يؤمن برسالة المنظمة وحق الجميع في الصحة".
الإقليم يضم حاليًا أعلى تركيز عالمي للأزمات الإنسانية، حيث يحتاج أكثر من 115 مليون شخص إلى مساعدات عاجلة، أي ما يقرب من شخص من بين كل ستة في الإقليم، وتستجيب المنظمة إلى 15 حالة طوارئ مصنفة، بينها ثماني حالات بالغة الخطورة. كما يستضيف الإقليم نصف النازحين داخليًا وأكثر من نصف اللاجئين في العالم.
وأشارت المنظمة إلى أن الأزمات الممتدة في السودان وغزة واليمن وأفغانستان وسوريا والصومال دفعت النظم الصحية إلى حافة الانهيار، بينما تراجع الدعم الدولي الإنساني إلى أدنى مستوياته، ما يهدد بتقويض ما تحقق من إنجازات في الأمن الصحي ومكافحة الأوبئة.
وقالت الدكتورة أنيت هاينزلمان، القائمة بأعمال مدير برنامج الطوارئ الإقليمي: "البيئة التي نعمل فيها تتغير للأسوأ، فإيصال المساعدات بات أكثر صعوبة، واحترام القانون الإنساني يتراجع، والتمويل العالمي يوشك على الانهيار. الفجوة التمويلية لخطة الاستجابة الإنسانية بلغت 80%، وهو رقم غير مسبوق، لكننا نواصل العمل لأن تكلفة التوقف تُقاس بعدد الأرواح التي تُزهق"
ورغم الظروف القاسية، حققت منظمة الصحة العالمية تقدمًا ملموسًا في عدة دول. ففي العام الماضي، ظلت معدلات وفيات الكوليرا ضمن الحدود الدولية بأقل من 1% في ثماني من أصل تسع فاشيات. كما تجاوزت نسب الشفاء من سوء التغذية الحاد للأطفال 80% في أكثر من 600 مركز إسعاف مدعوم من المنظمة.
وفي غزة، قدمت المنظمة الوقود والإمدادات الطبية لأكثر من 51 شريكًا في 32 مرفقًا، وأتاحت أكثر من 22 مليون علاج وجراحة منذ أكتوبر 2023، بالإضافة إلى دعم الإجلاء الطبي لما يقرب من 8 آلاف مريض بينهم أكثر من 5 آلاف طفل.
أما في السودان، فواصلت المنظمة دعم المستشفيات ومراكز علاج سوء التغذية، واحتواء فاشيات الكوليرا والحصبة رغم النزوح والمجاعة، حيث تلقى أكثر من 17 مليون شخص لقاحات الكوليرا بين أغسطس 2024 وأغسطس 2025، كما دعمت علاج 30 ألف طفل من سوء التغذية الحاد خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.
وفي أفغانستان، وبعد الزلزال الأخير في أغسطس، أرسلت المنظمة فرق استجابة عاجلة خلال 24 ساعة، وقدمت أكثر من 52 طنًا من الإمدادات الطبية و13 ألف استشارة خلال أيام قليلة.
وأكدت الدكتورة بلخي أن ما تقدمه المنظمة من دعم صحي يمثل شريان حياة لملايين البشر، قائلة: "لولا تدخلات منظمة الصحة العالمية لكانت معدلات الوفاة والمرض أعلى كثيرًا. لكن برنامج الطوارئ من أكثر مجالات عملنا تضررًا من نقص التمويل، ونحتاج إلى دعم عاجل لاستمرار قدرتنا على تلبية الاحتياجات الطارئة".
واتفقت الدول الأعضاء على أن الأمن الصحي مسؤولية جماعية تتطلب استثمارًا أكبر في التأهب والتعاون وتبادل المعلومات، مشددين على أهمية التمويل المستدام لصندوق الطوارئ التابع للمنظمة، الذي يتيح تحركًا فوريًا عند وقوع الأزمات.
واختتمت الدكتورة هاينزلمان كلمتها بدعوة قوية قائلة: "نناشد الدول الأعضاء تخصيص التمويل الكافي لحماية قدرات المنظمة في إدارة الطوارئ، والدفاع عن الرعاية الصحية ومبادئ القانون الإنساني. فالتأهب ليس عبئًا ماليًا، بل استثمار في السلام والاستقرار وحياة الشعوب".



