الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

مائة عام مرّت على إرساء أهم مَدرسة صحفية فى الوطن العربى، فى فترة لم تكن حتى أقيمت فيها دول.. مائة عام و«روزاليوسف» لا تزال شابة، شامخة راسخة، ممتدة كجذور الشجرة المعمرة.. هذا العام تحتفل «روزاليوسف» بعيدها المئوى قضيت فيها 48 عامًا، أى ما يقرب من نصف عمرها.. منذ التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة لم أتصور إلاّ أن أكتب فى «روزاليوسف»، فلم يكن فى بيتنا إلا هى والأهرام. 

حرص والدى على هاتين المطبوعتين فقط؛ لأن الأهرام تُعَبر عن الرأى الرسمي للدولة، أمّا «روزاليوسف» فتعبّر عن الشارع.. كنت دائمًا أتساءل، لماذا هى مختلفة؟ هل لأنها تعيش وتكتب عن الناس، أو لأنها متمردة الفكر، أو لأنها كسرت القوالب الجامدة فى الصحافة، أو النقد اللاذع والسخرية فى تناول الأفكار والموضوعات، أو فن الكاريكاتير الذي ملأ صفحات (روزا)، أو لحرص أشهر الكُتّاب والصحفيين من مختلف الاتجاهات السياسية على الكتابة لديها؟.. اكتشفت وأنا أتلمس عتبات «روزاليوسف» أنها مختلفة لأنها كل هذا وذاك.. لهذا فهى أمُّ المدارس.

«روزاليوسف» كانت منبرًا لجميع المدارس الفكرية لكنها تميزت بعد ثورة يوليو 1952 بالاتجاه اليسارى إثر الثورات المتلاحقة التي قامت بها دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا تحررًا من الاستعمار الغربى، ورغم تغيُّر اتجاه مصر من الاشتراكية إلى الرأسمالية بعد الانفتاح الاقتصادى فى أواخر السبعينيات، ما أثّر على اتجاه الصحف القومية؛ فإن «روزاليوسف» ظلت محافِظة على الاتجاه التقدمى وأصرت على الانحياز للشارع أولًا، واستمرّت الحملات الصحفية الجريئة التي أثرت فى قرارات صُناع القرار.

بالنسبة لى كانت «روزاليوسف» مغارة «على بابا» لكثرة وتنوع الكنوز الفكرية والصحفية، وأستسمحكم أن أعيد تقديم الولاء والعرفان لجنبات وشخوص تلك المغارة.

‎الانتماء السريع يصيب كل مَن يدخل صرح «روزاليوسف»، الارتباط بالجدران والمكاتب والأروقة وورق الدَّشت، ثم تجمعات الزملاء وتناول القضايا الراهنة ومناقشات تصل إلى درجة التشاجر من أجل إثبات كل واحد صحة آرائه، ثم تهدأ التحاورات ليعود الزملاء إلى التصالح كأن شيئًا لم يكن.. «روزاليوسف» و«صباح الخير» المجلتان الوحيدتان من جميع الصحف والمجلات لا يوجد لديهما كشف حضور، ليس مُهمًا أن تتواجَد، المهم الإنتاج الصحفى، كم ونوع الموضوعات الصحفية هما الفيصل.. حرية الحضور فى أى وقت ربط صحفيى (روزا) بالمكان أكثر، لذلك بعد إجراء الحوارات أو التحقيقات الصحفية كنا نحرص على استكمال اليوم بالمجلة.. لنجد أنفسنا أن حياتنا على مدار سنوات نعيش داخل (روزا) أكثر مما عشنا فى بيوتنا.

‎أمّا عن الأساتذة الكبار؛ فأدين بالعرفان لكل مَن علمنى فى بداية عملى، مع حفظ الألقاب عبدالله إمام الذي كان يوجهنى لمصادر سياسية قابلتها وحققت من خلالها أعمالًا صحفية جيدة، منهم أمين هويدى، محمد حلمى مراد، ممتاز نصار، عبدالعزيز الشوربجى، فتحى رضوان، وغيرهم من الساسة الكبار.. العرفان لعظيمات (روزا) عايدة العزب موسى المتخصصة فى الشأن الأفريقى التي كانت كلما رأتنى تطلق علىَّ الصحفية المبتسمة دائمًا مرددة: إيه التفاؤل ده؟! ثم فوزية مهران الأديبة الرائعة التي لا تسمع منها إلا همسًا، فايزة سعد التي كلما رأتنى تردد: كلهم بيقولوا إنك شقيقتى ألفت سعد.. أذكر أنى أجريت تحقيقًا موسعًا حول هضبة الأهرام وحضر إلى المجلة الشاب وقتها الدكتور زاهى حواس الذي دائمًا ما ردد أن أول تعامُل له مع الصحافة كان معى على صفحات «روزاليوسف».. بعد الانتهاء من التحقيق وجدت أمامى كمية من المعلومات المهمة تملأ عشرات الصفحات، وقعت فى حيص بيص، كيف أوجز تلك المعلومات فى عدد محدد من صفحات (روزا) والشغل مطلوب سريعًا للديسك؟ وهنا أنقذتنى سامية عطاالله، وكانت من جيل الوسط فى (روزا) وساعدتنى فى ترتيب كتابة التحقيق حسب أهمية المعلومات.. حتى الأساتذة الذين لم يقتربوا منا نحن جيل الشباب وقتها تعلمنا من أحاديثهم الكثير؛ فقد وضعوا لنا أسُس الكتابة الصحفية.. كانوا لنا قدوة وحتى بعد رحيلهم أثرت كتاباتهم فى أجيال «روزاليوسف» السابقة والحالية، لذا كانت وستظل دائمًا المدرسة الصحفية المتميزة. 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

تم نسخ الرابط