مؤكدة أن التصوف الإسلامي سمو روحي وليس ظاهرة غامضة
وزارة الأوقاف: التصوف فطرة إنسانية ونهر روحي عابر للحضارات
أعدت وزارة الأوقاف رسالة علمية مهمة حول التصوف الإسلامي، ضمن جهودها المتواصلة لنشر الوعي الديني الصحيح وتصحيح المفاهيم المغلوطة، أكدت فيها أن التصوف ليس ظاهرة طارئة ولا ممارسة هامشية، بل هو فطرة إنسانية عامة تعبر عن البعد الروحي للإنسان، وتتجلى بصور مختلفة عبر الأديان والحضارات، مع خصوصية واضحة للتجربة الإسلامية في توجيهها الخالص إلى الله تعالى.
وأوضحت الرسالة أن الإنسان تميز عن سائر المخلوقات بالنفحة الإلهية التي جعلت له حياة روحية سامية، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾
واوضحت أنه من هذه النفحة نشأت الحاجة الإنسانية الدائمة إلى السمو الروحي، فكانت النزعة الصوفية تعبيرًا فطريًا عن توق الإنسان للمعنى، والاتصال بالحقيقة، والسعي إلى الكمال الأخلاقي.
ظاهرة إنسانية
بينت وزارة الأوقاف أن التصوف – بمعناه الإنساني العام – حاضر في كل العصور، وظهر لدى أتباع الديانات السماوية، كما عرفته بعض الديانات الوضعية والتيارات الفلسفية، مثل البوذية و الأفلاطونية الحديثة، وكذلك في حضارات الهند والصين القديمتين.
وشددت أن ما يميز التصوف في الأديان السماوية، وبخاصة في الإسلام، هو التوجه المباشر إلى الله، دون وسائط أو تصورات فلسفية مجردة.
فلسفة سلوك لا تنظير ذهني
و أكدت الرسالة أن التصوف ليس تنظيرًا فكريا ولا بناءً عقليا مجردا، بل هو طريقة حياة وسلوك عملي يهدف إلى تزكية النفس، وتحقيق التوازن الروحي، والوصول إلى معرفة الحقيقة.
والتجربة الصوفية – وإن اختلفت تعبيراتها بين صوفي وآخر – واحدة في جوهرها، ويعود اختلافها إلى السياق الحضاري والثقافي لكل تجربة.
القلب طريق المعرفة
وشددت وزارة الأوقاف على أن التجربة الصوفية تعتمد أساسا على القلب، وهو ما يجعلها عصية على الفهم العقلي المجرد، دون أن ينتقص ذلك من قيمتها المعرفية. واستشهدت في هذا السياق بقول المفكر الإسلامي محمد إقبال، الذي أكد أن القلب أسلوب إنساني أصيل لتحصيل المعرفة، شأنه شأن الحس والعقل، وأن إنكار حقائق التجربة الروحية بدعوى الغموض يمثل اختزالًا غير مبرر للتجربة الإنسانية.
تحذير من فخ “التأثير والتأثر”
ونبهت الرسالة إلى خطورة التوسع غير المنضبط في فكرة التأثير والتأثر عند دراسة التصوف الإسلامي، مؤكدة أن التشابه بين الظواهر الروحية لا يعني بالضرورة الاقتباس أو النقل، ما لم تثبت صلة تاريخية واضحة.
وشددت على أنه لا مبرر للبحث عن جذور التصوف الإسلامي خارج الإسلام، لأن النزعة الصوفية في أصلها فطرة إنسانية عامة، بينما تتأثر أشكال التعبير عنها – لا جوهرها – بالسياقات الثقافية المختلفة.
وأشارت وزارة الأوقاف إلى أن البحث في التصوف من أدق مجالات المعرفة الدينية، لأنه يقوم على تجربة ذاتية لا يستطيع صاحبها التعبير عنها بدقة، وهو ما عبر عنه الإمام الغزالي بقوله:
"وكان ما كان مما لست أذكره… فظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر"..ولذلك فإن فهم أقوال الصوفية دون معايشة أو ذوق قد يؤدي إلى إساءة الفهم أو التفسير، فضلاً عن تشعب المدارس الصوفية وضخامة التراث الصوفي المطبوع و المخطوط.
خلاصة الرسالة
وانتهت وزارة الأوقاف في رسالتها إلى أن التصوف فطرة إنسانية وحياة روحية أصيلة، تمثل بعدًا جوهريا في تكوين الإنسان، وتسعى إلى تزكية النفس وبلوغ الكمال الأخلاقي ومعرفة الحقيقة.
وهو في الإسلام ليس دخيلًا ولا مستوردًا، بل تعبير نقي عن العلاقة بين العبد وربه، وتجربة قلبية عميقة لا تدرك بالعقل المجرد وحده، ولا يجوز اختزالها أو تشويهها بأحكام سطحية أو قراءات مبتورة.







