الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بالصور...حكايات مساجد نساء العصر العثماني وأسرة محمد علي

بالصور...حكايات مساجد
بالصور...حكايات مساجد نساء العصر العثماني وأسرة محمد علي
كتبت - منى صلاح الدين
تصوير - شريف الليثى

مسجد فاطمة شقرا بمنطقة تحت الربع كان مسجدا لأمير مملوكي وتهدم وأعادت بناءه مرأة

 

جامع الملكة صفية بني على طراز أيا صوفيا التركي ويحتاج لترميم من زلزال 1992  


خوشيار هانم والدة الخديو اسماعيل هي صاحبة مسجد الرفاعي

 

سبيل الماء والكتاب والوكالة ..أشكال من عمائر نساء العثمانيين الخيرية في القاهرة

 

زوجات وأمهات أسرة محمد علي خلدن أنفسهن بالقصور والمساجد

 

 

 

خلدت الكثير من نساء العصر العثماني أنفسهن، من خلال المساجد والعمائر الخيرية التى أمرن ببنائها بأنفسهن، على خلاف ماكان يحدث في العصور الفاطمية والايوبية والمملوكية، حين كانت تشيد مباني النساء بأمر من الحكام في الغالب، إعترافا بدور هؤلاء النساء.
 

وخلدت العمائر الدينية والمدنية في العصر العثماني "1517-1805 ميلادية " وعصر محمد علي "1805-1952ميلادية " زوجات و أمهات السلاطين والامراء ، تقديرا لدورهن .       
 

وتميز هذان العصران بأن بعض السيدات الثريات، قد أمرن ببناء المساجد والمباني الخيرية الأخرى، كالاسبلة والتكايا والمدارس، بأموال صدقاتهن، تقربا الى الله.
 

وحرصت النساء المشيدات لهذه العمائر على أن تتميز مبانيهن بزخارف وعناصر معمارية، مميزة، تأثر بعضها بطرز معمارية تركية ، تأثرا بمركز الخلافة وقتها.
 

وربطت العمائر الخيرية بين الدين والعلم وحاجات المجتمع، خاصة لطلبة العلم والأيتام والفقراء والمحتاجين، من خلال مباني ما زالت قائمة حتى اليوم.
 
 
 
مسجد المرأة

ومن بين هذه المباني , المسجد المنسوب لفاطمة شقرا بشارع تحت الربع بالقاهرة وهو يعرف منذ النصف الثاني من القرن 19م. باسم "مسجد المرأة" وإن اختفت تسميته الثانية التي اشتهر بها في تلك الفترة وهي "مسجد المقشات".
 

ويوضح الدكتور عبد المنصف سالم استاذ الاثار بجامعة حلوان، ان المسجد شيده في الأصل  الامير «رشيد الدين البهائي» في عام 873هـ / 1468م أيام دولة السلطان المملوكي الأشرف قايتباي ثم سقطت اجزاء من بناؤه مما دفع بالسيدة المصونة "فاطمة شقرا" لتجديده. وفاطمة شقرا من نساء العصر العثماني  الثريات، و كانت في الأصل من الجواري المعتقات،  فنعتها بالشقراء يعني طبقاً لتقاليد الحقبة العثمانية أنها من أصول غير مصرية ولعلها من الشركس أو الجواري الروسيات اللاتي كن مفضلات آنذاك لشهرتهن بالجمال وبياض البشرة.

ويكمل عبد المنصف :رغم حرص فاطمة على تسجيل اسمها بالنص التأسيسي المنقوش على جانبي المدخل الرئيسي بالواجهة الغربية للمسجد، فإنها لم تغير تاريخ الإنشاء الأصلي، واكتفت بإزالة اسم بهاء الدين، فجاء النص على هذا النحو «بسم الله الرحمن الرحيم الست المصونة فاطمة شقرا بتاريخ شهر جمادى الآخر من سنة ثلاث وسبعين وثمانمئة» واكتفت بتدعيم الدعامات والجدران مع تكملة المئذنة الحجرية القديمة لتصبح قمتها على هيئة المآذن العثمانية ذات البدن الأسطواني على شكل "القلم الرصاص".
 

  وهذاالمسجد مبني بالحجر في مداميك تعرف في مصطلح الوثائق المملوكية بالبناء "المشهر"، حيث شيدت المداميك بالأحجار البيضاء والحمراء بالتبادل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

قبران في مسجد 

واستخدم الأسلوب المشهر أيضاً في تشييد جدران المسجد من الداخل، ولكن بواسطة مداميك من الحجر الأصفر والأحمر بالتبادل.
 ويتوسط جدار القبلة محرابا مجوفا مبنيا بالحجر ويعد من أجمل المحاريب الحجرية في العمارة المملوكية، واشتملت طاقيته على مقرنصات وتلبيس بالرخام الأسود ويحيط بصنج عقوده أشرطة منقوشة ويعلوه دائرة من الحجر نقش بها «فول وجهك شطر المسجد الحرام» وعلى جانبيها مستطيلات كتب فيها «وما النصر إلا من عند الله. إن ينصركم الله فلا غالب لكم». وهذا المحراب الحجري يعد متمماً لسلسلة من التطور المعماري والزخرفي في بناء المحاريب خلال القرن التاسع الهجري «15م» ولا سيما في عهد الأشرف قايتباي.


وبجوار المحراب نجد المنبر الأصلي للمسجد، وهو منبر من الخشب استخدم في تصميمه أسلوب الحشوات المجمعة، وهو أسلوب صناعي لجأ إليه النجارون المسلمون للتغلب على معضلة ندرة الأخشاب الجيدة في مناطقهم المدارية، ولمعالجة مشاكل تمدد وانكماش الأخشاب مع التقلبات الحادة في درجات الحرارة في المناخ القاري بمناطقهم. وقد طعمت الحشوات التي جمعت على هيئة الأطباق النجمية بالسن والزرنشان الدقيق مع قليل من العاج.


وعلى يمين المدخل في نهاية الصحن نجد مدفناً يعرف لدى العامة بضريح «الست فاطمة» وبداخله مقصورة خشبية بها قبران مكتوب على أحدهما هذا قبر الست فاطمة أما القبر الثاني فلا توجد عليه كتابة ولعله للمشيد الأول للمسجد.
 

مسجد الملكة صفية

ومن العمائر الدينية التي شيدتها النساء في العصر العثماني , جامع  الملكة صفية الذي يقع بحي الحبانية "نسبة الى الحبانيون الذين ينتسبون الى قبيلة طى العربية "  من شارع محمد على بالقاهرة ،و الملكة  صفية هي زوجة السلطان العثماني  مراد الثالث ووالدة السلطان محمد الثالث الذي تولي العرش خلفًا,لأبيه عام 974 هجريا 
 

وتقول استاذة الآثار الدكتورة سعاد ماهر في موسوعتها "مساجد مصر "عن الملكة صفيه بأنها كانت سليلة عائلة كبيرة بالبندقية وكان والدها حاكما على جزيرة "كورفو" وأنها أختطفت عند خروجها في رحلة بحرية وهي في الثالثة عشرة من عمرها،,وان القراصنة باعوها في القسطنطينية، والحقت بالقصور السلطانية.
 
 
وكانت صفية على قدر كبير من الجمال والذكاء اللذان قرباها من الامير مراد الثالث ليتزوجها بعد ذلك، وعندما أصبح سلطانا تمتعت  هي بنفوذ كبير ,وفي عهد ابنها السلطان محمد الثالث امرت ناظر اوقافها في مصر ببناء الجامع  .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 



طراز أيا صوفيا

 

 

وتحكي استاذة العمارة والآثار الإسلامية  بجامعة القاهرة الدكتورة "امال العمري " عن عمارة الجامع   قائلة :شيد جامع الملكة صفية على الطراز الكلاسيكي لعمارة المساجد العثمانية ويسمى طراز ايا صوفيا باستانبول ,وهو من أجمل الجوامع العثمانية في مصر , هذا ما تعكسة قبابه ومحرابه المكسو بالفسيفساء الرخامية ومنبره المصنوع من الرخام ,شيد الجامع عام "1011هجريا-1602 ميلادية " 
وهو من المساجد المعلقة بمصر حيث يصعد اليه من مداخله الثلاثة بثمانى عشرة درجة نصف دائرية وتعتبر القبة التي تغطى بيت الصلاة من أندر القباب في مساجد العصر العثمانى في مصر حيث يصل ارتفاعها إلى 17.6 متر،. وتصميم جامع الملكه صفيه  مأخوذ عن التخطيط المعماري لمسجد السلطان أحمد الثالث المعروف بجامع طوبقا بو سراي في استانبول والذي وضع تصميمه المهندس التركي الشهير سنان باشا 
 

ومنذ زلزال 1992 والجامع يحتاج الى الكثير من الترميمات واعمال صيانه خاصة في بعض القباب و في ارضيات القبلة ,امام المحراب وهي تعاني من هبوط منسوبها كما اوضح لنا خادم الجامع , .
 
 
 
سبيل نفيسة البيضاء
 
شهد العصر العثماني  إقبالاً متزايدًا من النساء علي إنشاء أسبلة الماء التي توفر مياه الشرب لعابري السبيل .

وتضم القاهرة خمسة أسبلة  منها ؛ هي: سبيل وكتاب الست صالحة بدرب الجماميز  ونفيسة البيضاء بباب زويلة وسبيل رقية دودو بشارع سوق السلاح  وسبيل  كلسن بقنطرة أق سنقر وسبيل كوسة بالصنادقية.
 
 يقول الدكتور مختار الكسباني استاذ الآثار بجامعة القاهرة :,أنشأ سبيل وكتاب ووكالة نفيسة البيضاء التي تقع بجوار باب زويلة ,امام جامع المؤيد شيخ  , السيدة نفيسة خاتون معتوقة الأمير على بك الكبير وزوجة الأمير مراد بك التى عرفت من أجلة بنفيسة المرادية ، وقد أنشأته في عهد الوالي العثماني أبو بكر باشا آخر الولاة العثمانيين على مصر ,وقبل مجيء الحملة الفرنسية  , سنة 1213 هـ / 1798 م لسقيا عابري السبيل وتعليم الفقراء من الطلاب وتجارة  الشموع في الوكالة التي تضمها مجموعتها الخيرية,التي تعد نموذجا لعمارة الخير,
 

ويتكون السبيل من مجموعة من الشبابيك المعدنية وثلاثة من احواض الماء الرخامية ويعلوه الكتاب الذي يضم عقودا خشبية ونوافذ ومشربيات من خشب الخرط، وبه الآن متحف لبعض قطع الخرط  الصغيرة الحجم "الميموني "وبعض قواطع الخرط الكبيرة  .


ويكمل الكسباني قائلا : كانت هذه السيدة واحدة من أعظم نساء عصرها حيث عايشت الحركة  الوطنية المصرية فى أواخر العصر العثماني ، وشاركت فى أحداث تلك الصحوة التى عاصرت فيها ثلاث مراحل كبرى تمثلت أولها فى استقلال على بك الكبير عن الدولة العثمانية فيما بين سنتي 1183 - 1186 هـجريا  وزواجه منها  ، ثم ما لبثت أن نالت حبه لجمالها فشيد لها قصرا يطل على بركة الأزبكية داخل درب الشيخ عبدالحق السنباطى ، وتابعت فى هذه المرحلة على بك الكبير وهو يحمل لواء الاستقلال عن الدولة العثمانية حتى توفى فتزوجت من أحد كبار مماليكه هو مراد بك الذى لعب دورا سياسيا بارزا فى حكم مصر خلال هذه المرحلة العصيبة من تاريخها ،ويكمل :  وتمثلت المرحلة الثانية التى عاصرتها هذه المرأة فى عهد الحملة الفرنسية فيما بين سنتي 1213-1216 هـ / 1798 - 1801 م ، حيث قامت خلال هذه المرحلة بمؤازرة زوجها بنشاط سياسي واجتماعي هام تمثل فيما بذلته من مساهمات كبيرة لتيسير مطالب العلماء وكبار رجال الدولة ، وتحملت فى سبيل ذلك الكثير من الإيذاء من الفرنسيين الذين اعتبروها مشجعا للمصريين على المقاومة ، وتمثلت المرحلة الثالثة والأخيرة من عمرها في استقلال محمد على باشا الكبير بحكم مصر سنة 1220 هـ / 1805 م ومؤازرتها له بالتصدي الجريء لولاه العثمانيين أحفاد الوالي أحمد باشا خورشيد ، وتوفيت نفيسة , فى السابع والعشرين من جمادي الأولى سنة 1231 هـ / الخامس من أغسطس سنة 1816 .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
نساء محمد علي
 
 شيدت سيدات المجتمع الثريات في العصر العثماني منازل لهن مثل منزل زينب خاتون بالازهر والست وسيلة بحي طولون  .
ويؤكد الدكتور عبد المنصف سالم أنه لم يخل عصر اسرة محمد علي باشا من منشآت النساء، بل حفل بالكثير منها على سبيل المثال,، سبيل "أم عباس" بحي طولون الذي شيدته "البنبا قادن" والدة الخديو عباس حلمي الاول الذي حكم مصر " 1848-1854 "ميلادية  بعد مقتله في قصره ببنها بنحو 13 عاما صدقة على روحه.

ومسجد "انجه هانم"  زوجة الخديو محمد سعيد باشا بمحرم بك بالاسكندرية.

وقصر "رقية هانم " بالمنيرة والذي يشغله  ديوان عام وزارة التربية والتعليم الان وقد امرت ببناءه الزوجة الرابعة للخديو اسماعيل "جشم افت هانم " لإبنتها بالتبني رقية. 
 
 
أفخم عمائر النساء

ويصف سالم ان  مسجد الرفاعي هو آخر وأفخم ما شيدت النساء من عمائر في مصر عبر عصورها الإسلامية، ويقع هذا المسجد في مواجهة مدرسة السلطان حسن بميدان القلعة، ويرجع الفضل في إنشائه إلي إحدي سيدات أسرة محمد علي وهي "دولتلو خوشيار هانم" والدة الخديوي إسماعيل، وقد أمرت ببنائه في سنة 1286هـ (1869م)،  ولكن بنائه اكمل في عصر الخيو توفيق وعباس حلمي الثاني "1914-1917 ميلادي ".
 
 
وكانت تشغل موقع المسجد آنذاك زاوية تعرف بالرفاعي لأنها ضمت بداخلها قبر الشيخ علي أبي الشباك، وهو من  تلاميذ ,الزاهد السيد أحمد بن السيد علي بن حسن الرفاعي الذي عرفت باسمه الطريقة الرفاعية من اشهر الطرق الصوفية  .
 

وقد قامت خوشيار هانم بشراء الأماكن المجاورة لزاوية الرفاعي وهدمتها ثم طلبت من وكيل ديوان الأوقاف والمهندس  "حسين باشا فهمي" أن يعد مشروعًا لبناء مسجد  تلحق به مدافن لها ولأسرتها وقبه للشيخ أبي الشباك.

 


 ودفنت هي وابنها الخيو اسماعيل بالجامع  قبل انهاء البناء لوفاة المهندس حسين باشا و خلال حكم عباس حلمي الثاني أمر ماكس هرتز باشا ومساعده الإيطالي كارلو فيرجيليو سيلفايني باكمال بنائه. واللذين قاما بإكماله بدون خرائط المهندس الأصلي. و قد تم الانتهاء من بنائه في عام 1911 وفتح لصلاة الجمعة في 1912.



ويعد مسجد الرفاعي محاولة حديثة لمحاكاة عظمة مدرسة السلطان حسن المواجهة له، وتبلغ مساحة المسجد 6500 متر مربع منها 1767 مترًا مربعًا للصلاة والباقي لمدافن أسرة محمد علي فضلاً عن مدفن الشاه الإيراني  محمد رضا بهلوي شاه إيران السابق.

 

 

ويحفل جامع الرفاعي بأعمال رائعة هي الأجمل في القرن العشرين، وقد نفذت علي النحاس والرخام فضلاً عن الخطوط العربية الرائعة التي أعدها الخطاط المشهور "عبد الله زهدي". ولعل هذا المسجد بما شاع فيه من روح زخرفية. يعد خير ختام لعمائر النساء في القاهرة التي تميزت دومًا بدقة الزخرفة والميل لخدمة أوجه البر والخير.
 
تم نسخ الرابط