عثمان طه.. خطاط المصحف الشريف
كتب: محمد وليد بركات
كثيرون هم من يحرصون على ختم تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، ولكن قلة هم من يعرفون الخطاط الذي نال شرف كتابة المصحف الشريف بخطه، وهو الخطاط السوري عثمان طه، الذى تشرف بكتابة مصحف المدينة المنورة الذي يصدره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمملكة العربية السعودية، في تجسيد حي لحكة الإمام عليّ بن أبي طالب "عليكم بحسن الخط فإنه من مفاتيح الرزق".
ويعود تميز النسخة التي كتبها أبو مروان عثمان طه من المصحف إلى أنه لم يجتهد فقط فى تحسين الخط وتنفيذ قواعد رسم الحروف، ولكنه أضاف على ذلك حسن التنظيم.
فالمعروف أن تتم كتابة المصحف كلمة تلو الأخرى حتى ينتهي، ومثال على ذلك مصحف "الشمرلي" أو ما يسمى بـ"مصحف الأزهر" أو بـ"مصحف الحرمين"، والذي كتبه الخطاط المبدع محمد سعد إبراهيم الشهير بـ"حداد"، وبذلك يختلف عدد الصفحات باختلاف خط الخطاط وإتقانه.
أما نسخة عثمان طه فقد اختار لها أن يكون كل جزء من القرآن فى 20 صفحة، وبالتالى أصبح عدد صفحات المصحف 600 صفحة، ثم زاد عليها صفحتين فى بداية المصحف لإعطاء شكل جمالى لسورة الفاتحة وبدايات سورة البقرة، وصفحتين فى الجزء الأخير لكثرة الفواصل والبسملة، حتى وصلت إلى 604 صفحة.
ولم يكتف الخطاط السوري بذلك، بل بدأ كل صفحة فى المصحف بآية وانتهى فى نفس الصفحة بآية، حتى لا ينقطع المعنى، فأصبحت القراءة أكثر سهولة ويسرا.
كما حرص على توزيع الكلمات في السطر الواحد بحيث ينتهي السطر كما بدأ دون تزاحم للكلمات في النهاية، كما في كثير من المصاحف المخطوطة؛ وذلك من أجل أن تظهر الصفحة متناسقة متألقة من حيث حسنُ الترتيب والتنسيق.
كما اعتمد على تبسيط الكلمة، فرسم الحرف إلى جانب الحرف؛ لكي تأتي الحركات فوق الأحرف التابعة لها بدقة، تخلص كذلك من أشكال بعض الأحرف من خط النسخ؛ تفاديا لالتباسها بحروف أخرى مشابهة لها، مثل: الهاء المشقوقة، والميم المطموسة بأنواعها، والراء المعكوفة، وغير ذلك.
يبقى أن تعرف أن عثمان طه ولد في قرية صندي بريف حلب في سوريا عام 1934، وحصل على ليسانس الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق عام 1964م، ثم على الدبلوم العام من كلية التربية من نفس الجامعة في العام التالي مباشرة، حتى كلفته وزارة الأوقاف السورية بكتابة نسخة من المصحف عام 1970، وفي عام 1988م جاء للمملكة العربية السعودية وعين خطاطا في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة وكاتبا لمصاحف المدينة النبوية، وفي نفس العام عُين عضواً في هيئة التحكيم الدولية لمسابقة الخط العربي التي تقييمها رابطة العالم الإسلامي في اسطنبول كل ثلاث سنوات.
ويقول خطاط المصحف الشريف في حديث صحفي: "بحث علماء مجمع طباعة المصحف عن نسخة من المصحف الشريف بالرسم العثماني برواية حفص بخط يرضون عنه، وحينما اطلعوا على نسخة من المصحف الشريف التي كنتُ قد كتبتها لمصلحة الدار الشامية في دمشق أُعجبوا بالأسلوب والخط، فاتفقوا على طبعها في المجمع بعد إجراء بعض التعديلات عليها، وبعد اطلاع اللجنة العلمية في المجمع قرروا استقدامي إلى المملكة العربية السعودية كخطّاط لمصاحف المدينة النبوية".
ويضيف: "ثم كتبت مصحفاً آخر برواية حفص بحيث تنتهي الصفحة بآية، ووضعت فيه جلّ اهتمامي وخلاصة خبرتي، فكانت نسخةً في منتهى الإتقان والجمال، ونال إخراجا ممتازا من قِبل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ووجد القبول والاستحسان من عامة المسلمين وخاصتهم، ثم كتبت مصحفا آخر أيضا برواية حفص مع الرسم العثماني على ترتيب مصحف الشمرلي المصري وهو قيد الطبع، ثم كتبت مصحفاً آخر برواية ورش، ومصحفاً برواية قالون، ومصحفاً برواية الدوري، وذلك لمختلف أقطار العالم الإسلامي، وكلها روجعت وطُبعت ووُزِّعت باسم خادم الحرمين الشريفين هدية إلى المسلمين في العالم".



