الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سعد زغلول.. زعيم الأمة

سعد زغلول.. زعيم
سعد زغلول.. زعيم الأمة
كتب - محمد وليد بركات و مريم خالد

 

محام، ووزير، وزعيم الوفد الوكيل الشرعي للأمة، ورئيس الوزراء، وزعيم برلماني، إنه سعد باشا زغلول، أحد أهم زعماء مصر الخالدين، وقائد ثورة 1919، حظي بشعبية لم يحظ بها زعيم مصري من قبله، حتى لقب بزعيم الأمة، وأطلق على بيته (بيت الامة) وعلى زوجته صفية أم المصريين.

 

وُلد عام 1858 في قرية "إبيانه" بمركز فوه، التابعة وقتذاك لمديرية الغربية، وكان والده الشيخ إبراهيم زغلول رئيس مشيخة القرية أي عمدتها، بدأ تعليمه في الكُتاب حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وفى عام 1870 عين أخوه الشناوى أفندى رئيسا لمجلس دسوق، فالتحق بالجامع الدسوقي ليتم تجويد القرآن، وثم جاء إلى القاهرة عام 1873 ليلتحق بالأزهر الشريف، وفيه تأثر بالمفكر الإسلامي جمال الدين الأفغاني، وتتلمذ على يد المصلح الديني الكبير الشيخ الإمام محمد عبده، فشب بين يديه كاتبا خطيبا، وسياسيا، وطنيا.

 

عمل سعد في جريدة "الوقائع المصرية" حيث كان ينقد أحكام المجالس الملغاة ويلخصها ويعقب عليها، ورأت وزارة البارودي ضرورة نقله إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية ومن هنا تفتحت أمامه أبواب الدفاع القانوني والدراسة القانونية، وأبواب الدفاع السياسي والأعمال السياسية، ولم يلبث على الاشتغال بها حتى ظهرت كفاءته، ومن ثم تم نقله إلى وظيفة ناظر قلم الدعاوى بمديرية الجيزة.

         

شارك سعد في الثورة العرابية وحرر مقالات ضد الاستعمار الانجليزي، حض فيها على الثورة، ودعا للتصدي لسلطة الخديوي توفيق المنحازة إلى الإنجليز، وعليه فقد وظيفته، فعمل بالمحاماة تسع سنوات، وكانت وقتها "شبهة"، ولكن سعدا استطاع أن يرتفع بمهنة المحاماة فعلا شأنها، حتى انتخب بعض القضاة من المحامين، فكان أول محام يدخل الهيئة القضائية، فعين نائب قاض بمحكمة الاستئناف الأهلية عام 1892، ثم رقي إلى منصب قاض في العام التالي، ثم إلى مستشار، وبقي في القضاء أربع عشرة سنة.

 

تزوح صفية ابنة مصطفى باشا فهمي رئيس وزراء مصر عام 1895، والتي لم تنجب ولكنها لُقبت فيما بعد بـ"أم المصريين"، ثم التحق بجامعة باريس عام 1896، حيث حصل على ليسانس الحقوق منها.

 

وبعد عودته إلى مصر، تقلد منصب ناظر المعارف (التربية والتعليم حاليا) عام 1906، في نظارة مصطفى فهمي، ثم حمل حقيبة "المعارف" مرة أخرى في نظارة بطرس غالي عام 1908، ثم تولاها للمرة الثالثة في عهد نظارة محمد سعيد 1910، وكانت أهم إسهاماته إنشاء مدرسة القضاء الشرعي عام 1907؛ لتخريج القضاة الشرعيين، ومدرسي المعاهد الدينية، كما افتتحت في عهده الجامعة المصرية الأهلية عام 1908، فجعل التعليم باللغة العربية، وأكثر من دور المعلمين ومكاتب القرى، وفتح باب المجانية لتعيم الفقراء.

كما تولى سعد نظارة الحقانية (العدل حاليا) فحوّل الاعتداء على الأرواح والأموال إلى جنايات بعد أن كانت جُنحا، وكان حجر الزاوية فى إنشاء نقابة المحامين عندما كان ناظرا للحقانية، وهو الذى وضع قانون المحاماة 26 لسنة 1912.

 

كما انتخب عضوا بالجمعية التشريعية، ثم أصبح وكيلا لها، وزعيما للمعارضة.

 

وعندما عقدت الهدنة بين ألمانيا والحلفاء عقب الحرب العالمية الأولي عام 1918، ووضعت الحرب أوزارها، ذهب سعد زغلول وزميلاه عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي لمقابلة المندوب السامي البريطاني للمطالبة بحقوق مصر، وإنهاء الحماية البريطانية، والحصول على الاستقلال، خاصة بعد أن قدمت مصر خلال الحرب العديد من التضحيات المادية والبشرية، فرفض المندوب مطالبهم، ورفضتها وزارة الخارجية البريطانية، فأعقب هذه المقابلة تأليف الوفد المصري، وقامت حركة جمع التوكيلات الشعبية الشهيرة للوفد بهدف التأكيد على أنه يمثل الشعب المصري في السعي إلى الحرية، وإزاء تمسك الوفد بهذا المطلب، وتعاطف قطاعات شعبية واسعة مع هذا التحرك، ألقت السلطات البريطانية القبض على سعد زغلول وثلاثة من أعضاء الوفد هم محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي، ورحلتهم إلى مالطة في 8 مارس 1919، فاندلعت الثورة وأعمال العنف ضد القوات والمصالح البريطانية في مصر، فاضطرت إلى الإفراج عن الوفد بعد شهر واحد من النفي، كما سمحت لهم بالسفر لعرض مطالب مصر في مؤتمر الصلح بباريس، مما أدى إلى تهدئة الاحتجاجات، وذهب الوفد إلى فرنسا لحضور المؤتمر، ولكن الأطراف المسيطرة فيه وأهمها الولايات المتحدة ممثلة في الرئيس ولسون، اعترفت بالحماية البريطانية على مصر، مما كان بمثابة ضربة كبرى لنهج التفاوض.

 

توالت الأحداث السياسية، ومعها الأدوار السياسية للزعيم سعد زغلول، فنفي إلى جزيرة سيشل، ثم عاد إلى مصر، وأكمل مسيرة التفاوض مع الإنجليز، حتى نالت مصر استقلالا جزئيا، بموجب تصريح 28 فبراير 1922، الذي أعلنته فيه بريطانيا انتهاء حمايتها على مصر، وأن مصر "دولة مستقلة ذات سيادة"، لكنها احتفظت بحق تأمين مواصلات امبراطوريتها في مصر، وحقها في الدفاع عنها ضد أي اعتداء أو تدخل أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية والأقليات فيها، وإبقاء الوضع في السودان على ما هو عليه.

 

وبعد التصريح تألفت لجنة لوضع الدستور الجديد للبلاد عام 1923، وأجريت انتخابات برلمانية فاز فيها حزب الوفد بالأغلبية الساحقة، وشكل سعد زغلول أول حكومة منتخبة برئاسته عام 1924، حتى اغتالت مجموعة من الوطنيين المصريين السير لي ستاك الحاكم العام للسودان وسردارا (قائد) الجيش المصري في نوفمبر من نفس العام، فانتهزت بريطانيا الفرصة، وطالبت الحكومة المصرية بالاعتذار عن هذه الجريمة، وتقديم مرتكبي هذه الجريمة والمحرضين عليها للمحاكمة، وتقديم تعويض مقداره نصف مليون جنيه استرليني للحكومة البريطانية، وسحب القوات المصرية من السودان، وهو ما رفضته حكومة سعد فأعلنت استقالتها.

 

ومن أشهر أقواله "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة"، وأيضا "الذي يلزمنا أن نتفاخر به هو أعمالنا في الحياة لا الشهادات التي في أيدينا".

 

ومن أقواله المأثورة في الحرية وحدودها، "الصحافة الحرة تقول في حدود القانون ما تشاء وتنتقد ما تريد فليس من الرأي أن نسألها لم تنتقدها، بل من الواجب أن نسأل أنفسنا لم نفعل ما تنتقدنا عليه"، وأيضا "نحن نحب الحرية ولكنا نحب أكثر منها أن تستعمل في موضعها"، وكذلك "جميل جداً أن يُقال لا تحجروا على الناس ولا تقيدوا حريتهم وإنها لنغمة لذيذة يحسن وقعها في الأسماع والقلوب، ولكنا لا نريد الحجر على الناس ولا تقييد حريتهم، بل نريد حماية الحق وصيانته من أن يتمتع به غير صاحبه من حيث يحرم منه صاحبه".

 

ومن آرائه في القانون والتشريع "كل شريعة تؤسس على فساد الأخلاق فهي شريعة باطلة"، وكذلك "يجب أن ننقاد للقانون وألا نعتبر الانقياد إليه مهانة ومذلة بل عزاً وشرفاً"، وقوله "إن كانت الحكومة تريد أن نكون في صفها مدافعين عنها فما عليها إلا أن تتبع الحق والعدل وتحترم القانون"، وأخيرا "يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون".

 

وتوفي سعد زغلول في 23 أغسطس 1927وكان يوم وفاته يوما مشهودا، وبني له ضريح أسموه ضريح سعد، كما أقامت له الحكومة تمثالين فى القاهرة والإسكندرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تم نسخ الرابط