السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سميرة عبدالعزيز: محفوظ رفض كتابة السيرة الذاتية لـ"مبارك"

سميرة عبدالعزيز:
سميرة عبدالعزيز: محفوظ رفض كتابة السيرة الذاتية لـ"مبارك"
حوار - هبة جلال
تصوير - سهيلة وائل

الفوضى الخلاقة وصاحب المشاعر الرقيقة، وذو الفكر المتميز والجذاب والفلسفة المستمدة من التراث العربي، موهوب في صياغة الجملة المسرحية، مؤمن بقيمة ما يكتبه وبدوره في المجتمع، أثرى المسرح العربي بمسرحيات تتميز بالأصالة والجدية والالتزام القومي والوطني، مع براعة الحبكة وشاعرية الحوار وسمو الهدف، إنه فنان يجسد لنا لوحات تجريدية ولكن بالكلمات وليس بالرسومات، استطاع أن يحول حلمه بالتاريخ إلى تاريخ أحلامنا، وتجربته ملهمة بقدر ما جسدت قيم الالتزام دون ادعاء أو تزييف.. هكذا ترى الفنانة "سميرة عبدالعزيز" زوجها الكاتب الراحل "محفوظ عبدالرحمن"، ومعها فتحت "بوابة روزاليوسف" خزانة أسرارها وذكرياتها.

 

** كيف كان التعارف؟

 

أحببت "محفوظ عبدالرحمن" على الورق قبل أن أراه، حيث كنت عضوًا بالمسرح القومي بالمكتب الفني، كنت مكلفة بمشاهدة مسرحية "حفلة على الخازوق" من تأليفه وإنتاج كويتي لكتابة تقرير عنها، وما إذا كانت تصلح للعرض بالمسرح القومي أم لا.

انبهرت، فلم أرَ كاتبا مهتما كل هذا الاهتمام بالمرأة.

سألتهم عن كاتب هذا العمل، فأخبروني أنه يعيش في الكويت.

 

بعد مرور سنة، جاء لي دور بمسلسل "عنترة"، وأعجبني أيضا كتابته واحترامه للمرأة.

 

 

 

** متي تم زواجكما؟

 

جاءني عمل آخر وهو مسلسل "الفاتح"، وكان لنفس مخرج مسلسل "عنترة"، لكنني وجدت دوري صغيرا فذهبت للمخرج كي أعتذر له، فرد قائلا: "المؤلف موجود ونستطيع مراجعته"، ذهبت إليه وقلت له إن دوري بمسلسل "الفاتح" صغير جدا، وأريد أن يكون كبيراً، فاعتذر عن تعديل النص، فأخبرته أنني سأقوم بعمل الدور.

 

في العمل التالي، حضر معنا تصويره، وكنا  نجلس معاً نتحدث فاقتربنا من بعض أكثر، كما بدأت أعبر له عن إعجابي الشديد باحترامه للمرأة وعلى نهاية التصوير طلب مني الزواج.

 

 

**هل كنتِ الحب الأول في حياة محفوظ عبدالرحمن؟

 

كنت زوجتة الثانية، كان لديه ولد وبنت من زوجته الأولى وقد كنت متزوجة عند دراستي بالجامعة وأنجبت بنتًا، فحاول محفوظ إقناعي أنا بأننا سنقوم بعمل فن جيد وعندها أبلغت محفوظ بموافقتي.

 

 

**هل أنجبتِ أطفالا منه؟

 

 اتفقنا منذ البداية على ذلك، وقلنا إن لدينا ثلاثة أولاد فلا داعي لإنجاب آخرين ونربي الثلاثة.

عندما أُسأل عن أولادي، أقول إن الله أكرمني بثلاثة وهم: باسم، مها، ومنار، فالأولاد انسجموا بفضل قلبه الكبير، فكان رقيق المشاعر ويحب الأطفال ويمتلك لغة خاصة تجعل أي طفل يذهب إليه فابنتي نسيت والدها وكانت تتعامل مع محفوظ على أنه والدها.

نفس الشيء معي فكنت أشعر بأن أولاده هم أولادي وهم يشعرون بأنني أمهم.

 

 

** هل كان "سي السيد" في المنزل؟

 

كان رقيقاً جدا ومسالما لأبعد حد، لا يعترض على الأكل الذي أمامه حتى لو كان لا يحبه، لم يحدث بيننا أية خلافات طوال الـ35 سنة، وفرت الراحة له كي يتفرغ للكتابة، كان معي توكيل منه وكنت أقوم بعمل كل شيء حتى رخصة السيارة كنت أجددها، دائما كان يقول لي: "مش عارف من غيرك كنت هعمل إيه".

د

** هل كانت له طقوس خاصة أثناء الكتابة؟

عندما يبدأ في الكتابة ينفعل داخليا ويشعر بنبضات قلبه غريبة وألم في معدته، وعندما نذهب للمستشفى كي يفحصوه لا نجد به شيئا، فبدأت أفهم، وعندما يشكو من شيء كنت أقول له عندما تنتهي من الحلقة الأولى ستكون بخير.

 

 

**من كان صديقه المقرب الذي يزوره بانتظام؟

 

صديق محفوظ المقرب هو أستاذ "سعد أرنؤوط"، أردني، ولكن محفوظ كان يحرص دائما على أن يكون بينهما مكالمة تليفونية يوميا فهو يحبه كثيرا وهو توأم روحه.

 

 

 

** هل مارس العمل السياسي؟

 

كان يعتبرالعمل السياسي ليس صادقاً، ويعتمد على التصنع والمراوغة.

لكنه كان وطنياً جدا فأي شيء يمس الوطن ينفعل به بدليل أنه كتب "بوابة الحلواني" من أجل قناة السويس فكان يؤمن بامتلاك مصر لقناة السويس. كان مهموما جدا أن يُظهر أنها محفورة بدماء المصريين، وعندما تم تأميمها انفعل كثيرا وكتب فيلم ناصر56.

 

 

 

 

 

** هل اتصل به أحد الرؤساء وطلب منه كتابة شيء بعينه؟

 

في عصر مبارك طلب منه صفوت الشريف أن يكتب سيرة ذاتية عن مبارك، وقال محفوظ إنه استخدم معه نظرية جحا.

وعندما سألته ما هي نظرية جحا، قال لي: عندما طلبوا من جحا أن يعلم الحمار في 10 سنين قال جحا يا أنا أموت يا هو يموت يا الحمار يموت.

 

 

**كيف كانت علاقته بالرقابة؟

 

الرقابة أوقفت له أول مسرحية، الرقيب رماها أمامه على الأرض فكانت صدمة له، بعد فترة وجدهم يحضّرون للبروفات لها ولكن قبل العرض بيوم الرقابة أوقفتها فسافر كي يعمل بالخارج.

الرقابة اوقفت له فيلم "ناصر56" سنتين وبسبب الضجة التي صاحبت عرضه بمهرجان التليفزيون إلى أن تحركت بعض البلاد العربية كان لهم مندوبون بافتتاح المهرجان فوجدوا أن ليبيا، والكويت والإمارات طلبته وبدأوا  يقولون إذا كنتم لا تريدون إذاعته نحن نريد مما سبب لهم إحراجا فسمحوا بإذاعته.

 

**هل كان الرقيب الذاتي عند محفوظ أقوى من الرقيب الحكومي؟

الرقيب الذاتي لدى محفوظ كان أقوى من الحكومي فقد كان حساسا ورقيقا جدا ويعلم علما تاماً بما سيقدم وما الذي لا يقدم وما هي الألفاظ التي تقال والتي لا تقال، كما أنه كان يحرص كثيرا على أن يُسمع الناس ألفاظ جيدة وأن يجسد لهم نماذج رائعة.

 

**من كان أول قارئ لأعماله وهي في مهد الكتابة الأولية؟

محفوظ كان لا يأخذ رأي أحد على الإطلاق في أعماله ولن يقبل بذلك ففي مرة كانت البطلة تتصل به تليفونيا وتقول له أقرأ لي دوري فقام بتقطيع العقد وأرجع العربون.

 

**هل كان يتدخل بسير العمل؟

عندما كان ينتهي من كتابة العمل يقوم بتسليمه للمخرج ولا يتدخل بأي شيء فهو لا يحب أن يجلس بالاستوديو لأنه يقلق من أن ممثلا يغير كلمة أو ينسى كلمة لأنه لا يقبل ذلك.

 

**هل نال ما يستحق من التكريم؟

أرى أنه كُرم بالقدر الكافي فقد أخذ كل جوائز الدولة التشجيعية، التقديرية، النيل، نجيب محفوظ، وآخر الجوائز التي حصل عليها كانت وسام العلوم والفنون.

 

 

 

 

 

 

 

** هل كتب مذكراته، وإذا تم عمل سيرة ذاتية له من سيكون المناسب لكتابتها؟

لم يكتب مذاكرات له ولكني سأنشر ما كتبه في مربع اسمه "على ورق البردي"، فهو وضع بهذا المربع كل الشخصيات التي كان يرى أنها مخلصة لمصر وقدمت شيئا مهما للبلد، وأنا بصدد الحصول على هذا المربع من الأهرام وسأطبعهم بكتاب بنفس الاسم"علي ورق البردي".

كما وجدت في أوراقه بعض المقالات تحت مسمي"رجال حول أم كلثوم" كان ينشرها في البيان سأجمعها وأنشرها بكتاب واحد.

وإذا تم عمل سيرة ذاتية له أُفضل أن يكتبها شاب اسمه "رامي عبدالرازق"، فهو تلميذ محفوظ وكان يأتي ويجلس معه كثيرا حتى يأخذ رأيُه في كتاباته.

 

**كيف كان يرى الحارة المصرية؟

 

محفوظ كانت رؤيته ليست ضد الطبقة العليا لأنه كان يعرف أشخاصا من طبقات عليا ويقدم أشياء جيدة فكان لا يصورها على أنها مؤذية، البطل في كتاباته من العوام كما في "سرايا عابدين" كتبه وبعد 8 حلقات قدمها لهم أبلغوه أنهم قرروا تأجيل العمل.

كان دائما يرى أن صعيد مصر ما زال يحتفظ بالتقاليد التي نشأت عليها مصر ولم يكن يرى أبدا أنه متخلف ولكن كان يؤرقه دائما موضوع الثأر.

 

** مسرح، تليفزيون، سينما.. أيهم أقرب له؟

 

كان يعشق الكتابة للمسرح ويستطيع كتابة المسرحية في ليلة واحدة، دائما كان يقول إن السينما صناعة المخرج أما المسرح لا يستطيعون أن يقولوا غير مسرح محفوظ عبد الرحمن.

 المسرح يُنسب للمؤلف والسينما تُنسب للمخرج والتليفزيون يجمع بين المخرج والمؤلف، ولذلك فهو كتب للتليفزيون كثيرا وعندما كتب للسينما كان تحت ضغط كبير وليس بمزاجه.

 

 

 

** لمن كان يقرأ بانتظام؟

كان يقرأ في كل شيء فكان بمجرد أن يسمع عن أي كتاب جديد فكان لديه بمثابة سكرتيرة له وهي الإعلامية "سميرة أبوطالب" وقد حصلت على الماجستير عن السرد التاريخي في أعماله فكانت بحكم تحركاتها الكثيرة فكان يكلفها دائما بأن تحضرها له.

فهو لديه مكتبة مليئة بالكتب في كل ركن بالبيت يوجد كتب لدرجة أننا استأجرنا غرفة بسطوح المنزل لوضع كتبه بها وأنا أنوي إهداءها لمكتبة الإسكندرية.

 

**ماذا عن فترة مرضه وكيف تعاملتما معها؟

منذ أكثر من سنة تعب محفوظ وجاء له التهاب في أعصاب قدمه لكن الدواء غير موجود لأنه كان من مكونات الدم، فاضطررنا للسفر لفرنسا والدكتور أشرف زكي ساعدنا في ذلك لأنه كان في ذلك الوقت نقيب الفنانين.

في فرنسا استطاع أن يتحرك ويمشي ولكن الأمر كان يقتضي أن يتردد علي فترات علي نفس المستشفى، كي يأخذ جرعة العلاج فبقينا خمسة سنوات لكنه كان يمشي.

لكن المرض الأخير الذي توفي بسببه كان جلطة بالمخ وجاءت فجأة فكان يرتدي ملابسه لأنه كان علي موعد مع صحفية لإجراء حوار معها ويحضر لها بعض الأوراق، وأنا كنت خارج المنزل في حفلة بالسفارة الهندية ووجدت الفتاة التي تعمل عندنا اتصلت بي وتقول لي أستاذ محفوظ يقول لك تعالي بسرعة، فعدت وذهبنا للمستشفى والأطباء أجروا رسم مخ، فوجدوا أنها جلطة بالجانب الأيسر أوقفت الجانب الأيمن ليده ورجله والنطق إلى حد ما.

وظل فترة يأخذ علاجا لها وأوضحوا لي أن الجلطة  في السن الكبيرة لا يمكن التدخل فيها جراحيا، وسيحاولون تنشيط الخلايا التي حولها فظل علي ذلك أسبوع وبعد ذلك اكتشف أن يده اليمين لا تتحرك.

اكتأب وأغلق فمه ورفض الأكل والشرب والكلام وأغمض عينيه فدخل العناية المركزة ودخلت الحالة في مرحلة حرجة أسبوعين وتوفاه الله وهو مبتسم.

 

 

** هل هناك أعمال كتبها ولم تخرج للنور ؟

كان يريد أن يكتب عن الملكة حتشبسوت، لأنها قدمت الكثير لمصر، فكان يريد أن يبرز أن المرأة المصرية من قديم الزمن كان قلبها على مصر.

كما أنه كان سيكتب عن "نصر حامد أبوزيد"، فوجدت على مكتبه ورقتين عنه والكلام، كان يدل على أنه سيكون شخصية العمل القادم.

 

** ماذا عن كتاب "محفوظ في عيون هؤلاء" الذي نشر بذكرى الأربعين؟

عندما توفي محفوظ وجدت كثيرين قاموا بالكتابة عنه وعن أعماله وعن مميزاتها ومميزات صفاته الشخصية، فقمت بذكرى الأربعين بتجميع كل ما كتب عنه ووضعته بكتاب "محفوظ في عيون هؤلاء".

 

 

 

تم نسخ الرابط