إيران وقطر وتركيا والسودان.. الهروب إلى الأمام لم يمنع تفجُّر الداخل
كتب - مصطفى سيف
هناك نظرية في العلوم السياسية تقول بدلًا من حلَّ مشاكلك الداخلية، صدَّر الأزمات الخارجية، أو بمعنى آخر: "يجب ألا تبدو ضعيفًا أمام خصمك ولو بالهروب إلى الأمام بدلًا من التراجع إلى الخلف".
هذه النظرية ربما تكون أخطأت في تقدير "وعي الشعوب" التي يحاول نظامها وحكامها بتصدير الأزمات الخارجية، نظرًا لأن الإحصائيات الرسمية التي سنوردها في هذا التقرير تشير إلى أنَّ هناك أزمة اقتصادية طاحنة في بلدان مثل السودان، وقطر، وتركيا، وإيران.
مشكلة الهاربين إلى الأمام أنهم يستغلون ذلك في الحصول على منافع غير مشروعة، حيث إنَّهم أيضا يتهربون من تحمّل مسؤولياتهم عن أخطائهم.
إيران:
تتجاهل إيران مشاكلها الداخلية التي اندلعت من أجلها الاحتجاجات بالأساس من خلال اتهام الدول الأخرى بالوقوف وراءها.
وظهر ذلك جليًا من خلال ما قاله أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، حيث قال إن احتجاجات إيران تقف وراءها "الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية".
وأشار إلى أن "هذه الدول تترأس حملات خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي التي تؤثر على تحريك الاحتجاجات".
علاوة على ذلك؛ فإن مسؤولا إيرانيا اتهم أيضا من أسموهم "عملاء أجانب" بالوقوف وراء المظاهرات، وقتل المتظاهرين.
إيران تعاني من مشاكل اقتصادية كثيرة بسبب ارتفاع معدل البطالة، وزيادة مستوى التضخم، والمشاكل التي تعانيها بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني.
في 2017 ارتفع معدّل التضخم من 1.6% في 2016 إلى 6.9% في عام 2017، هذا إضافة إلى تقديرات غير رسمية تقول إن نسب التضخم فاقت 45%.
وبحسب تصريحات رسمية لوزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، في أكتوبر 2017 فإن نسبة البطالة في بعض مدن إيران وصلت إلى 60%.
أيضا مشهد البنوك التي أعلنت إفلاسها في ثاني أكبر المدن الإيرانية، مدينة مشهد، كان سببًا في الاحتجاجات، حيث فقد كثير من أهالي المحافظة أموالهم، في حين لم تقم الحكومة الإيرانية بتعويض المتضررين.
والسبب الثاني قد يكون في خسارة 160 ألف عائلة مشهدية أموالها في مشروع شانديز السكني، عبر عملية احتيال واسعة، تشير أصابع الاتهام إلى تورط مسؤولين متنفذين بالنظام فيها.
السودان:
أيضا على نفس المنوال لم يفلح الرئيس السوداني عمر البشير في غض أنظار السودانيين عن الأزمة الاجتماعية التي تعيشها البلاد بالرغم من حملة لحشد الرأي العام المحلي ضد مصر.
أوّل هذه الأزمات الداخلية هو تلك الميزانية التي وصفها البعض بأنَّها مجحفة للتعليم والصحة، حيث إن 23 مليار دولار هي حجم الإنفاق العسكري في ميزانية 2018، بينما لم يُمنح التعليم والصحة مجتمعين سوى 5 مليارات دولار فقط.
أيضا أزمة الخبز التي تعاني منها السودان، والتي على أثرها اندلعت مظاهرات في مدن سودانية عدة، خاصة بعد قرار الحكومة وقف استيراد القمح والتخلي عن ذلك للقطاع الخاص، ورفعت المطاحن سعر كيس الطحين الذي يبلغ 50 كيلوجرامًا من 167 إلى 450 جنيهًا سودانيًّا أي "65 دولارا".
وشهد السودان مظاهرات مشابهة عام 2016 بعد أن رفعت الحكومة الدعم عن الوقود، وقمعتها الحكومة كما فعلت عام 2013 عندما تصدت لمظاهرات ضد رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
ويعاني الاقتصاد السوداني منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 آخذًا معه 75% من إنتاج النفط الذي كان حجمه 470 ألف برميل يوميًّا، إضافة إلى عقود من العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
وبلغ معدل التضخم 37% كما أن قيمة العملة المحلية تراجعت مقابل الدولار خلال العام 2017.
تركيا
تركيا تواجه أزمات سياسية وعلى رأسها القمع والتنكيل بالصحفيين، والقضاة، خاصة بعد الانقلاب المزعوم ضد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وتجد تركيا التي تورّطت تحت حكم رجب طيّب أردوغان، في صراعات دامية وملفّات شائكة أثرت سلبًا على علاقاتها الإقليمية والدولية، وانعكست بشكل واضح على وضعها الاقتصادي وحتى الأمني.
وبحسب الأرقام الرسمية التركية فإن معدل البطالة قد بلغ 12%، علاوة على أنَّ الدين الخارجي لتركيا قد وصل إلى 144 مليار يورو.
أمَّا معدل التضخم فقد بلغ 11.2 في المئة في شهر سبتمبر 2017، فيما وصل عجز التجارة الخارجية إلى حوالي 4.6 مليار يورو، وبالمقارنة مع أغسطس 2016، فقد ارتفع بنسبة 23% في غضون عام.
وأصبح النظام التركي يعاني من حالة فوضى باتخاذ القرارات الداخلية والخارجية، وتخبّط وأزمة داخلية يصعب تجاوزها الآن، خصوصًا بعد زيادة حدة الاعتقالات لمعارضي النظام التركي بحجة مشاركتهم بـ"الانقلاب المفتعل".
ويحاول أردوغان اللجوء إلى نظرية خلق العدو واتهام الدول الأجنبية الحليفة بتنفيذ مؤامرة، الغرض منها الإطاحة به والنيل من مكانة تركيا العالمية السياسية والاقتصادية ويعكس ذلك أيضا فكرة الهروب إلى الأمام للتهرُّب من المشكلات الداخلية التي يعانيها الاقتصاد التركي.
قطر
تميم بن حمد آل ثانٍ، أمير "دويلة" قطر، هو الآخر لا يخفى عليه فكرة اللعب على وتر الأزمات الخارجية للتهرُّب من مشكلات الداخل، خصوصًا بعد مقاطعة دول عربية كبيرة منها مصر والإمارات والسعودية والبحرين ومنع التجارة معها بسبب تدخلها في شؤون الدول المجاورة، ودعم الإرهاب.
بحسب "سكاي نيوز"، فإن الرحلات بين قطر والسعودية مثلًا توقفت وأدت لإلغاء 19 رحلة يومية من مطار دبي الدولي، و6 من مطار أبو ظبي، و5 من المنامة، و3 إلى 5 من جدة و4 من الرياض.
الأمن الغذائي في قطر كان يعتمد بشكل كبير على السعودية من خلال مئات الشاحنات التي تعبر الحدود يوميًا إلا أنَّ إغلاق الحدود مع السعودية بعد الأزمة سيرفع تكلفة الغذاء بشكل كبير.
وفي نوفمبر 2017 هبطت البورصة القطرية إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات، حيث تراجع المؤشر الرئيسي للسوق القطرية 0.4% إلى مستوى إغلاق منخفض جديد.



