عندما يتحرش المخرج الفيلسوف "وودي ألين"
كتب - مصطفى سيف
هو النسخة العالمية من المخرج المصري الراحل يوسف شاهين، أغلب أعماله السينمائية تجد فيها العمق الفلسفي الأبعد من التخيُّل، وربما الشجن الذي يجعلك تبكي حد الانهيار؛ "وودي آلين" الواقع حاليًّا بين الفلسفة وبين الاتهام بالتحرُّش.
وودي آلين هو أحد المخرجين الأمريكيين الأكثر غزارة في تاريخ السينما العالمية بإخراجه لـ50 فيلمًا خلال 50 عامًا، يجد نفسه أمام عاصفة من المقاطعات التي يمارسها عليه ممثلون برفض المشاركة معه في أي عملٍ مستقبلي، على الرغم من أنَّ تلك ليست المرة الأولى التي يُوجّه له اتهامًا بالتحرش.
كثرة اتهامات "آلين" بالتحرش تدل على أنَّه لديه أزمة نفسية ما ، لكن ما الذي يدفع شخصًا بعد كل هذا النجاح وهذه الشهرة، لارتكاب أفعالًا فاضحة تضع سمعته على المحك؟

طفولة بائسة
زوجتة السابقة الممثلة ميا فارو، التي تزوّج من ابنتها بالتبني والتي تصغره بـ35 عامًا، سون يي، قالت ذات مرة في حوار إنَّه كان يخبئ صور عاريًا بين أغراضه أثناء زواجه بها، لـ"سون"، الأمر الذي دفعها إلى هجرانه في 1992، ثم بعد ذلك بـ5 سنوات يتزوج من ابنتها بالتبني في عام 1997.
ربما يعود السبب في هذا الانفجار الجنسي الذي حدث له، هو حياته الشاقة التي عانى فيها منذ الصغر، خاصة وأنَّ والديه من اليهود، وربما يكونا من اليهودِ المتزمتين جدًا "الحريديم" والحياة كانت بالنسبة لهم ضيّقة جدًا، ما اضطره للخروج إلى العمل مبكرًا، أو بتعبيرنا الدارج "لم يعش شبابة".
في أحدي المقابلات قال "لا توجد إجابة متفائلة حول قسوة هذه الحياة، وأنّ الجميع سينتهي إلى مكان سيء في يوم ما آجلًا أو عاجلًا".
الإجابة ربما تكشف عن مكنون شخصيته؛ فقسوة الحياة التي يتحدث عنها "آلين" قرر أنْ ينتقم منها في جسد المرأة، خاصة أنّ زواجه الأخير هو الثالث في حياته، وواقعة التحرُّش التي ملأت وسائل الإعلام الأمريكية ضجيجًا لم تكن الأولى.
لدى "آلين" تظهر النزعة المتشائمة في جميع أفلامه، وفي أغلب المقولات التي يقتبسها البعض عنه، لذلك تتسم أفلامه بالجديّة المفرطة، وأغلبها يقدم فكرة واحدة هي ضآلة الإنسان أمام سخرية القدر وتفاهة الحياة، ربما يعكس ذلك أيضًا نيته الانتقام من الحياة التي يراها قاسية إلى حدٍ أنها بعد زمنٍ بعيد سنكون في مكان سيء.

"الحياة بلا معنى"
موقع "مذاق السينما" الأمريكي في أبريل 2016، نشر 9 لأفضل أفلام "آلين" بين "آليس"، و"رجل غير عقلاني"، و"سبتمبر"، و"حلم كاسندرا"، و"امرأة أخرى"، و"البواطن"، و"الياسمين الأزرق"، و"نقطة التلاقي"، التسعة أفلام نستطيع أن نقول أنّهم جميعًا يدورون في فلك "التشاؤمية" من الحياة، من العلاقات، الأمر الذي يعكس بشكلٍ جيّد كيف كانت حياة "آلين" التي ربما يكون هو جزء أو شخص أو حالة من هذه الأفلام التسعة.
"الحياة بلا معنى" هكذا علَّق "آلين" على فيلمه "رجل غير عقلاني" والذي كان يتحدث عنه في إحدى المؤتمرات، والفيلم يدور حول أستاذ جامعي مضطرب؛ تتغير حياته عندما يقرر ارتكاب جريمة قتل، ومن جملة ما قال أنَّه "في وجود حياةٍ بلا معنى لا بد أنْ تخدع الناس، ولا تقول لهم الحقيقة صراحة، أنتَ تعيش في كونٍ عشوائي، وحياة بلا معنى".
ذكر "آلين" جملة "الحياة بلا معنى" خلال حواره لأكثر من ثلاث مرات، الأمر الذي يعبّر عن تشاؤمية صاخبة في حياة المخرج الأمريكي، والذي لا زال يبحث عنها في أفلامه التي أخرجها دون إجابة واضحة.

سخرية جادة
وبعيدًا عن التحرُّش والاتهامات الموجّهة إليه؛ إلا أنَّ "آلين" يمثل المدرسة "الساخرة-الجادة" في نفس الوقت، ويظهر ذلك من خلال أسلوبه في أفلامه، حتى أنَّه يحاول دفع الأمور للوصول إلى حدِ الكمال، إلا أنَّ جمال الحياة وبهجتها يكمن في بعض الفوضى.
إلا أنَّه لم يتعلم من أخطاءه الحياتية في أحيانٍ كثيرة، ويكررها معظم الوقت، الأمر الذي قد يقضي على تاريخ الرجل بالكامل وعبَّر عن ذلك ذات مرةٍ بقوله: "لم أكتسب أية حكمة ولا بصيرة ولا هدوء؛ قد أكرر كل الأخطاء ذاتها اليوم".
واعترف آلن في مرةٍ أخرى أنَّ نهايات أفلامه أكثرها محبطة فيقول إنَّ "معظم أفلامه الشهيرة كُتبت بنهايات تراجيدية محبطة، لكن خلال تصوير هذه الأفلام شعر آلن بأنه لم ينجح بحشد ما يكفي من الزخم والرصانة على طول الحبكة لدعم تلك النهايات التراجيدية".
التحوُّل في حياة "آلين" وصعود نجمه إلى العالمية يعود لفيلم (Annie Hall) حيث فاز الفيلم بجوائزٍ عدة، ومن خلاله هذا الفيلم وما تلاه من أفلامٍ أخرجها "آلين" أثبت أنَّه ليس مخرجًا هوائيًّا بل محترفًا يدرك كيف يقنع المشاهدين أنَّ الحياة فيها ما يستحق الجمال على الرغم من تشاؤمه منها.



