مصر وإثيوبيا.. علاقات تاريخية ممتدة
كتب - مصطفى سيف
العلاقات بين مصر وإثيوبيا علاقات مشتركة وممتدة منذ زمن بعيد، حتى لو شابها بعض الشوائب إلا أنَّ العلاقات تظل محورية، فالعلاقة الدينية المشتركة بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الإثيوبية، وأيضا بين الأزهر الشريف ومسلمي إثيوبيا، تؤكدان عمق العلاقات.
سياسيًّا
على المستوى السياسي فإن تدعيم العلاقات بين دول حوض النيل عامة وبين مصر وإثيوبيا خاصة على المستويات الحكومية والبرلمانية مسألة ضرورية، لإقامة جسور الحوار المستمر وتبادل الرأي والتفاوض حول الأزمات المحتملة بشكل استباقي يسمح بتجاوز كل ما من شأنه أن يعيق مسيرة العلاقات الإثيوبية المصرية.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا نحو عام 1930 وفى ديسمبر 2004 أعلنت مصر دعمها للحكومة الإثيوبية في جهودها الرامية لحل النزاع الحدودي مع إريتريا سلميًا، وفى أبريل 2005 بدأت المباحثات بين البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية وتنمية الموارد المائية وتشجيع المشروعات الاستثمارية المشتركة.
ومع صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي سُدة الحكم بدأت المياه تعود لمجاريها بين مصر وإثيوبيا، خاصة أنّ عهد مرسي شهد توترًا ما في العلاقة بين البلدين بعد فضيحة ضرب السد على الهواء مباشرة، بعدها شهدت العلاقات مرحلة جديدة، وخفت حدة الخطاب السياسي بين البلدين، لتحل محلها انفراجة في العلاقات المصرية الإثيوبية في صيغة التعاون والتفاهم في مختلف المجالات.
وقد نجحت السياسة المصرية الجديدة التي وضع أسسها الرئيس السيسي في تحويل العلاقات المصرية الإثيوبية إلى علاقات تعاون وانتفاع بعد أن تجمدت لسنوات في إطار الصراع والتشاحن، وذلك على خلفية سد النهضة الإثيوبي الجاري إنشاؤه الآن، ضمن سلسلة سدود يجرى بناؤها الآن على الأراضي الإثيوبية.
اقتصاديًّا
على المستوى الاقتصادي، تمت دراسة احتياجات الدولتين وسبل تعظيم التبادل التجاري بينهما بحيث تجعل العلاقات المصرية - الإثيوبية ربحًا للطرفين وفائدة للشعبين، فمثلا يقترح بعض الخبراء إمكانية منح مصر تسهيلات لإثيوبيا في أحد الموانئ المصرية على البحر المتوسط للتصدير لأوروبا.
وتشهد العلاقات بين البلدين تحسنا ملحوظًا منذ وصول الرئيس السيسي للحكم، وهو ما يسعى البلدان لاستثماره في تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة بعد توقيع وثيقة إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة، في العاصمة السودانية.
ونوقش في أحد اللقاءات بين الرئيسين المصري والإثيوبي مقترح إنشاء منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا بهدف جذب مزيد من الاستثمارات المصرية في قطاعات متعددة بالسوق الإثيوبية للمساهمة في زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
ووصل إجمالي عدد المشروعات المصرية، التي حصلت على تصاريح حكومية في إثيوبيا منذ عام 1992 حتى الآن، نحو 58 مشروعا، باستثمارات تصل إلى نحو 35 مليار دولار، وتتمثل أبرز المشروعات المصرية في إثيوبيا في مشروعات لصناعة كابلات الكهرباء، وصناعة مواتير الري ومواسير المياه، وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وإثيوبيا نحو مليار دولار سنويا في المتوسط.
ثقافيًّا ودينيًّا
أمَّا الروابط الثقافية بين البلدين فتضرب بجذورها في أعماق التاريخ، خصوصًا أن الحقبة القبطية في تاريخ الدولتين تحتوي محطات تؤكد التقارب الروحي والثقافي بين مسيحيي ومسلمي الحبشة بما يؤهل وجود رؤية شاملة وسياسة مستمرة تربط بين البلدين.
وهناك أيضا علاقات دينية قوية بين كنيسة الإسكندرية المصرية وكنيسة إثيوبيا منذ اعتنقت إثيوبيا المسيحية فأساقفة إثيوبيا كانوا يأتون ويرسمون من كنيسة الإسكندرية حتى بداية ستينيات القرن العشرين.
وتُعَّد الزيارة الأخيرة للأنبا متياس الأول بطريرك إثيوبيا إلى مصر في يناير 2015 هي الزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك إثيوبيا خارج بلاده، منذ جلوسه على كرسي الكنيسة في مارس 2013، حيث تعتبر هذه الزيارة أحد أهم الخطوات في تقوية العلاقات بين الكنيسة المصرية والإثيوبية.
وفي أكتوبر 2017 قامت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالتنسيق مع السفارة المصرية في أديس أبابا بتنظيم قافلة طبية مُتخصصة في جراحات العمود الفقري إلى إثيوبيا برئاسة د. كمال إبراهيم أستاذ جراحات العمود الفقري بجامعة لويولا شيكاغو بأمريكا وعضوية فريق طبي مكون من 14 طبيبا. تأتى القافلة في إطار الحرص على تعزيز العلاقات الشعبية المصرية الإثيوبية، والرغبة في دعم أواصر وروابط الصداقة والود بين الشعبين الشقيقين.



