"أون" تستقبل زوارها
تقرير- كاميليا عتريس
يفتتح الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، يوم السبت القادم الموافق 17/2/2018 مشروع تطوير منطقة المسلة الأثرية الموجودة بالمطرية، وهي أهم ما تبقى من مدينة "أون" الأثرية، أو "إيون" مدينة العلوم والآداب عبر العصور، وعن تاريخ وأهمية أقدم مدينة علمية ودينية وأدبية في العالم والتي استمرت مكانتها بين بلاد العالم عبر التاريخ كان لابد من الحديث مع الدكتور ايمن عشماوي رئيس قطاع الآثار المصرية، فيقول:
هليوبوليس "عين شمس- المطرية"Iwnw كانت هذه المنطقة تعرف قديمًا باسم "إيون"، وهي من بين المدن المصرية التي نالت شهرة واسعة على امتداد التاريخ المصري القديم، وطوال العصر اليوناني، على اعتبار أنها كانت مركزًا رئيسيًا لعبادة الشمس ومنها خرجت اقدم نظريات خلق الكون في الفكر الديني المصري وهي نظرية التاسوع.
عرفت المدينة في النصوص اليونانية باسم "هليوبوليس"، أي "مدينة الشمس"، وأصبحت في العربية "عين شمس"، وربما كانت كلمة "عين" تحريفًا لكلمة "إيون".
تقع المنطقة حاليًا في الجزء الشمالي الشرقي لمدينة القاهرة، وتبعد حوالي 20 كم من وسط القاهرة، وتضم مناطق عرب الحصن، وعرب الطوايلة، والخصوص، والمسلة.
أما عن جبانتها، فتمتد خارج السور الشرقي والجنوبي للمدينة، لتشمل بعض أحياء القاهرة، وهي: المطرية، ومسطرد، وعين شمس الغربية والشرقية، وعزبة النخل، والمرج، وحلمية الزيتون، وأجزاء من مصر الجديدة، ومدينة نصر. كانت المدينة عاصمة الإقليم الثالث عشر من أقاليم مصر السفلى (الوجه البحري). شهدت إحدى محاولات الوجه البحري لتوحيد قطري مصر، في فترة ما قبل التاريخ قبل أن ينجح الملك مينا "نارمر" في توحيد البلاد، وتدل بعض الشواهد الأثرية والدراسات المقارنة على أن المدينة كانت معاصرة لحضارتي نقادة الأولى والثانية، وحضارة المعادي.
كما تم الكشف عن أطلال مقابر تؤرخ للأسرتين الأولى والثانية. ومع بداية الأسرة الثالثة، أبدى الملك "زوسر" اهتمامًا كبيرًا بالمدينة، وحمل مهندسه "إيمحتب" لقبًا رئيسيًا من ألقاب كهنة هليوﭙوليس، وهو "كبير الرائين/ الناظرين للسماء"، ويرتبط هذا اللقب برصد حركة الكواكب والنجوم. وتابع ملوك مصر في الدولة القديمة، وكذلك في الدولة الوسطى، الاهتمام بهذه المدينة، فقد شيد الملك أمنمحات الأول (أول ملوك الأسرة 12) معبدًا لإله الشمس، وأقام أمامه ابنه "سنوسرت الأول" مسلتين من الجرانيت، لا تزال إحداهما قائمة حتى الآن في منطقة المطرية. وازداد اهتمام ملوك الدولة الحديثة بالمدينة، حيث شيدوا العديد من المعابد والمقاصير للآلهة، خصوصًا في عهود "تحتمس الثالث" و"أمنحتب الثالث" و"رعمسيس الثاني" و"رعمسيس التاسع".
وفي العصور المتأخرة أقام الملك "بسماتيك الأول" (أسرة 26) تماثيل لأبي الهول، وأكثر من مسلة. كما زار الملك "بغنخي" أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين المدينة وقدم القرابين لآلهتها.
وأبدى الإغريق اهتمامًا كبيرًا بالمدينة عندما وفدوا إلى مصر، ودرس بعض فلاسفتهم وأدبائهم في المراكز العلمية في هذه المدينة. مثل (افلاطون)، وعالم الرياضات (فيثاغورث )، ورغم ما أصاب المدينة من دمار عبر العصور المختلفة (نتيجة للزحف العمراني، وغيره من الأنشطة البشرية، ما أدى إلى ضياع الكثير من معالمها)، إلا أنها لا تزال تحتفظ بأطلال بعض المنشآت، والتي من بينها أسوار المدينة المشيدة بالطوب اللبن والمستطيلة الشكل، وكانت هذه الأسوار تتضمن أكثر من بوابة، تقع الرئيسية منها في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة، وكانت ترسو عندها السفن القادمة عبر أحد فروع النيل والمعروفة بقناة "ايتي" وعثر داخل الأسوار على بعض منازل للكهنة، وعدد من الآبار التي استخدمت في تخزين المياه، وأطلال بعض المعابد التي شيدت في عصر الدولة الحديثة، ونصب تذكاري يشبه العمود من عهد الملك "مرنبتاح"، سجلت عليه بعض المناظر التي تمثل "مرنبتاح" وهو يقدم القرابين للإله رع، وغيره من الآلهة، وقد نقل مؤخرًا وهو الآن في قلعة صلاح الدين الأيوبي للترميم.. كما عثر على أطلال مصانع لصنع الزجاج والفخار والعطور، وأفران لإعداد الخبز. كما عثر في الجزء الشمالي الغربي على البوابة الصغرى لمعبد "رعمسيس الثاني"، وعثر كذلك على مقصورة صغيرة من الحجر الجيري لا تزال تحتفظ ببعض الألوان، وتحمل اسم أحد كبار كهنة الإله رع وهو كبير الرائين في معبد هليوبوليس الأمير "نب ماعت رع ابن الملك رمسيس التاسع.
وقد عثر في السنوات الأخيرة على جبانة تابعة للمدينة، وتقع شرق السور الشرقي للمدينة والسور الجنوبي، وضمت الجبانة بعض المقابر، منها مقبرة شخص يدعى "با نحسي"، "حامل أختام الوجه البحري"، وهي تؤرخ للأسرة 26، وكذلك تم العثور على بقايا مقابر لأشخاص من الأسرة 26 مثل مقبرة "وجا حور"، و"عنخ خونسو" و"ها ربس".. وغيرها.
قلت للدكتور ايمن من المثبت ان هذه المنطقة تعد اكبر منطقة أثرية في مصر ومعابدها تعد اكبر وأكثر من أي معابد أخرى ورغم هذا نجدها أطلال لماذا؟!
أجاب قائلا: لقد تعرضت مدينة أيون عبر التاريخ لاعتداءات والتدمير نتيجة الغزوات التي تعرضت لها مصر لأنها تقع على رأس الدلتا وأول خطوط العاصمة السياسية (مدينة منف وقتذاك)، حتى يقال إن في فترة الغزو الفارسي هجرت المدينة تماما من سكانها ودمرت، حتى لا يوجد عائق لوصولهم لمدينة منف، وفي العصر الروماني اليوناني نقلت أحجار المدينة وتماثيلها وأعمدتها واشهر مسلاتها الخاصة بكليوباترا إلى الإسكندرية.. ثم جاء الفتح الإسلامي وعبر عصورهم استخدموا أحجار وأعمدة الجدارات الأثرية في بناء أسوار القاهرة والمساجد والقصور والمباني واستخدمت المنطقة كمحاجر لعمليات البناء في العصر الإسلامي، ولذلك نجد كثير من قطع المعابد ضمن بناء أثر إسلامي، وأشهرها وجدنا حجران من معبد رمسيس الثاني في أحد المباني الإسلامية.



