قادة الصهاينة.. تاريخ من الفساد
كتب - مصطفى سيف
هي أقرب ما يكون لمن يضع النهاية لنفسه؛ مع كل قضية فساد جديدة أو حرب تدخلها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لا بد أن يلوح في أفق القادة السياسية هناك "مشهد النهاية"، ومشهد النهاية يتمثل في زوالها، وعبَّر عنه موشيه ديان وزير الدفاع وخارجية الاحتلال إبان الفترة الأولى بعد إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يقول د. عبد الوهاب المسيري: "في عام 1954 قال موشيه ديان، وزير الدفاع والخارجية الإسرائيلي، في جنازة صديق له قتله الفدائيون الفلسطينيون: (علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة)".
لفترة تزيد عن العشرين عامًا؛ تحديدًا منذ 1996 لـ2018، تعاقب على السلطة السياسية في الكيان الصهيوني، في منصب رئيس الوزراء 4 رؤساء جميعهم تورّطوا في قضايا فساد، خضعوا خلالها لتحقيقات الشرطة، وأوصى نائب الحكومة بتقديمهم للمحاكمة.
بنيامين نتنياهو، إيهود باراك، أريئيل شارون، وإيهود أولمرت، جميعهم تورّط في قضايا فساد، منها ما انتهى بمحاكمة، مثل إيهود أولمرت، ومنها ما انتهى دون محاكمة بسبب عدم كفاية الأدلة ضدهم، مثل إيهود باراك، وأريئيل شارون.
وبحسب تقريرٍ لصحيفة "هاآرتس" المعروفة بمعارضتها للسلطة الحاكمة في الكيان الصهيوني، فإن الفساد لم يقف عند رؤساء الوزراء، ولكن طال أيضا أعضاء الكنيست ووزراء داخل الحكومات المتعاقبة، خضعوا جميعهم للاستجواب.
ومن بين الوزراء الذين تحوم شكوك الفساد حولهم حاليا، وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، الذي جمعت ابنته وسائقه ملايين الدولارات من صفقات في أوروبا الشرقية، بدون أن يكلف ليبرمان نفسه عناء شرح الموقف للجمهور.
وتقول الصحيفة: "مما لا شك فيه أن الفساد شاب الحياة السياسة الإسرائيلية على مدى العقدين الماضيين، لا سيما في ظل عدم وجود رقابة قانونية على الإنفاق على الحملات الانتخابية، وانتهاك القوانين المتعلقة بتلقي الهدايا والمزايا".

بنيامين نتنياهو.. لن يكون الأخير
اعتلى رئيس وزراء إسرائيل الحالي، بنيامين نتنياهو، للولاية الثالثة على التوالي، والولاية الرابعة له منذ 1996، وعلى مدار كل تلك السنوات لم يجني "بيبي" (وهو الاسم المُفضّل له) إلا ما زرعت يداه، من فسادٍ طال الحياة السياسية الإسرائيلية بأكملها.
وتستجوب الشرطة الإسرائيلية، منذ الأسبوع الماضي، نتانياهو (67 عاما) في قضيتين، تتعلق الأولى بهدايا تلقتها وعائلته من رجلي أعمال، وتتعلق الثانية بمحادثات أجراها مع ناشر إسرائيلي قدم له نتانياهو امتيازات مقابل تحسين صورته في الإعلام.
وحتى الآن لم يُعلن عن إذا ما كان نتنياهو سيذهب للمحاكمة مثل أولمرت أم لا؛ خاصة أنَّ توصية الشرطة الإسرائيلية ليست مُلزمة للنائب الحكومي، أفيخاي مندليبت، ويرى البعض أنَّ نتنياهو سيحاول التأثير عليه لعدم إرساله للمحاكمة، والتكتُّم على الأمر برمته.
وعلى الرغم من كل الدعوات التي طالبت نتنياهو بضرورة الاستقالة، وترك المنصب إلا أنَّه دائمًا ما يكرر: "الائتلاف الحكومي مستقر ولا أنا أو أي أحد غيري لديه خطط للذهاب إلى انتخابات مبكرة. سنواصل العمل معًا من أجل مصلحة المواطنين الإسرائيليين لحين انتهاء ولاية الحكومة"، على حد تعبيره.

أولمرت.. الأول وليس الأخير
لأول مرة في تاريخ إسرائيل (القصير جدًا) يُحاكم شخصًا كان في منصب رئيس الوزراء، إيهود أولمرت الذي تولّى المنصب منذ 2006 لـ2009، لكن تلك المرة لم تكن المرة الأولى التي يُتهم فيها بقضايا فساد، فسبقها مرتين على الأقل.
الأولى كانت حين أُدين في عام 2012 بأخذ رشاوى متعلقة بمشروع الإسكان في القدس المحتلة، حيث شغل حينئذ منصب رئيس بلدية، قبل أن يصبح رئيسًا لوزراء إسرائيل، ثم في عام 2015 أُدين بتلقي رشاوى فيما عُرف إعلاميًّا بـ"قضية تالانسكي"؛ إذ شهد رجل الأعمال الأمريكي، موريس تالانسكي، بأنه أعطى أولمرت أموالًا،ودخل أولمرت السجن في فبراير 2016، وحصل على عفو ليخرج في يوليو 2017.

جزيرة "شارون"
كان يُشتبه في أن أريئيل شارون، الذي تولى منصب رئيس الوزراء أيضا، أخذ مئات الآلاف من الدولارات كرشاوى في أواخر التسعينات من القرن الماضي، فيما عُرف إعلاميًّا بـ"قضية الجزيرة اليونانية"، وأوصت النيابة العامة حينها بتوجيه اتهامات ضده، ولكن النائب العام رأى أن الأدلة لم تكن كافية.
وشمل الاتهام تقديم رجل الأعمال الإسرائيلي "ديفيد أبيل" رشوة لشارون، الذي كان آنذاك يشغل منصب وزير الخارجية؛ لمساعدته في الحصول على تصريح لتطوير عقاري في اليونان، علاوة على تورطه في 2001، بقضية فساد رفقة نجله جلعاد، تتعلق بتقديم مزايا اقتصادية إلى مقاولين مقابل تسهيل شراء جزيرة في اليونان، لكن القضية أغلقت لعدم كفاية الأدلة.
كما تورط شارون بقضية تلقي دعم من رجال أعمال من جنوب أفريقيا في انتخابات 2003، إلا أن نجله "عومري" قضى في السجن 7 شهور، بدلا من والده، بعد أن ثبت أنه صاحب العلاقة بالدعم بشكل مباشر.

"درعي" محتال وخائن
أريه درعي، الذي شغل منصب وزير داخلية الاحتلال في تسعينيات القرن الماضي، أُدين بالتحرش وتلقي الرشاوى، وخيانة الثقة العامة في 1999، واستمرت القضية خلال جزء كبير من التسعينات وفي النهاية، برأت المحكمة درعي من تهمة رشوة ثانية، وتهمة أنه زوّر وثائق في أثناء عمله بوزارة الداخلية، وقضى درعي حكمًا بالسجن لمدة عامين، وبعد إطلاق سراحه بفترة عاد للسياسة، ويخدم الآن وزيرًا للداخلية من جديد.
.jpg)
موشيه كتساف
في 2006، سنة واحدة تقريبًا قبل نهاية فترة رئاسته، بدأت الشرطة الإسرائيلية التحقيق مع كاتساف (تسلّم رئاسة إسرائيل عام 2000)، بشأن اتهامات قدمتها ضده بعض النساء التي اشتغلت في الديوان الرئاسي، وتحدثت عن اعتداءات جنسية.
انتهى تحقيق الشرطة بتقرير قاس ضد كاتساف، ما أدى إلى مطالبته بالاستقالة من قِبل رئيس النيابة العامة الإسرائيلية ("المستشار القانوني الحكومي"). حسب القانون الإسرائيلي محاكمة الرئيس مستحيلة طالما يتولى الرئاسة.
وبدأ كاتساف تنفيذ الحكم عام 2011 بعد إدانته بتهمتين للاغتصاب. وأطلق سراحه من السجن بعد قضائه خمس سنوات من مدة الحكم عليه البالغة سبع سنوات.
للتاريخ
وتاريخيا، طال الفساد ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ استغل منصبه للدفاع عن نجله "عاموس"، الذي كان يعمل نائبا لقائد الشرطة واتهم بقضايا فساد.
وتتساءل "هآرتس" في تقريرها: "ما الذي يجعل سياسيينا فاسدين جدًا؟ ولماذا لا يمكننا تنظيف الإسطبلات وخلق سياسة صحية؟". إلا أنها تختم بأن الإجابة عن هذين السؤالين تبدو صعبة.



