إسرائيل والأزمات.. اللاعب الأقل مشاركة والأكثر استفادة
كتب - مصطفى سيف
حتى وإنْ تظاهرت بأنَّها ليست مستفيدة مما يحدث، وأنّها لا تبدي رأيًا صريحًا، إلا انَّها هي المستفيد الأول والأخير ممَّا يدور في المنطقة العربية برعاية أمريكية، وتنسيق المصالح، فذلك كله يجعل الدول العربية في غفلةٍ عما تنفذه الأصابع الخفية وراء اشتعال الأحداث في المنطقة.
إسرائيل- بدون مبالغة- هي المستفيد الأول من الأزمات التي تحدث في المناطق العربية، وإنْ كانت تشن غارات بتنسيق "روسي-أمريكي" على المناطق السورية بزعم تواجد قوات إيرانية بها تدعم نظام بشار الأسد، إلا أنَّ ذلك لا بد أن يخدم مصالحها في المقام الأول.
لا يُخفى على أحد اتصال الدول الغربية بقيادة أمريكية مع فصائل المعارضة السورية، وأغلب الظن أنَّ المُنسِّق الوحيد بينهما وبين الفصائل هي "إسرائيل"، والصحافة التابعة للكيان الاحتلالي مليئة بنماذج من قيادات المعارضة "المُسلّحة" التي تطالب إسرائيل بالتدخل.
دليلٌ آخر على دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي لفصائل المعارضة هو نقل مصابي المعارضة السورية إلى مستشفيات إسرائيلية قريبة من الحدود، فمنذ بداية الصراع في سوريا في مارس 2011، تتعامل إسرائيل وكأنّها الأخت الكُبرى لفصائل المعارضة السورية المُسلّحة.
في فبراير الماضي نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية المعروفة بمعارضتها لرئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تقريرًا أشارت فيه إلى أنَّ إسرائيل تدافع عن "مصالحها" من خلال الضربات الجوية المستهدفة ودعم الميليشيات المتمردة في جنوب سوريا التي تتفق مصالحها مع مصالح الدولة الصهيونية.
كلاعب بديل يشارك في مباراة هامّة نصف ساعة فقط، يستطيع من خلال هذه المشاركة أن يقلب موازين اللعبة برمتها، هكذا تفعل إسرائيل تشِّن غارات جوية على أهداف سورية خلال خمس أو عشر دقائق، أو حتى نصف ساعة إلا أنَّها تساهم في قلب موازين الأحداث فورًا.
تقول كاتبة مقال "تعميق دور إسرائيل في دعم المتمردين السوريين" إليزابيث تسوركوب، الخبيرة في الشأن السوري إنّ حكومة تل أبيب خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وذلك قبل تدّخُل روسيا في الصراع في سبتمبر 2015، كانت إسرائيل تعمل على زيادة الدعم للجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر.
وترى "تسوركوب" أنَّ التدخل الروسي قلَّص حرية إسرائيل في لعب دور الأيدي الخفية داخل سوريا، وهو ما دفع إسرائيل للتوافق مع الروس حول آلية العمل داخل الأراضي السورية.
نتنياهو مساء أمس السبت أشاد- مثل السعودية والبحرين- بالضربة التي قادتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد سوريا لأهداف بعينها، ووضح التنسيق الأمني بين روسيا وأمريكا قبل الضربة بقليل، وهو ما دفع الجميع للدعوة إلى حلٍ سياسي في سوريا بعيدًا عن "العسكرية".
وتُجْمِع الصحف الإسرائيلية على أنَّ الضربة التي جاءت ردًا على أنَّ الاستخدام " المزعوم" للأسلحة الكيميائية على يد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد لم تكن تنطوي على تحقيق أهداف استراتيجية لإسرائيل، بل كانت فقط لردع "الأسد" عن استخدام "الأسلحة الكيميائية" على حد تعبيرهم.
في دراسة نُشرت على موقع معهد بروكينجر الأمريكي في عام 2015، أشارت الدراسة إلى أنَّ التحديات التي تواجه إسرائيل في الشرق الأوسط تتمحور حول الأزمة السورية، والأزمة الكردية، وعلاقاتها ببعض دول الإقليم، ولا يُخفى أيضًا مساهمتها في انفصال جنوب السودان عن الشمال في استفتاءٍ أُجري في 2011.
.jpg)
الأزمة الكردية
لقد كانت إسرائيل تعلم جيّدًا تاريخ الأكراد ومحاولاتهم المستميتة في الاستقلال عن العراق، وتحدَّث نتنياهو مرارًا وتكرارًا عن تأييد دولة الاحتلال منذ ستينيات القرن الماضي للإقليم، مشيرًا إلى أن تل أبيب لديها تعاطف كبير مع تطلعات الأكراد.
وخلال ذكرى اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي، رحبعام زئيفي المعروف بـ"جاندي"، على أيدي فلسطينيين؛ قال نتنياهو إن "جاندي توجه إلى كردستان العراق في مهمة سرية إبان ستينيات القرن الماضي وأشرف على إقامة مستشفى ميداني أقامه الجيش الإسرائيلي.
وكانت إسرائيل وحدها هي التي دعمَّت استقلال إقليم كردستان عن العراق، حتى أنَّ الأعلام الإسرائيلية كانت تُرفع خلال احتجاجات لمواطني الإقليم، وكانت هناك تخوفات كبيرة من أن يتحوِّل إقليم كردستان لتل أبيب جديدة، فما أشبه الليلة بالبارحة!
على النسق نفسه؛ كان اليهود منتشرين في أنحاء شتى من العالم؛ وبمجرد إقامة دولتهم على أراضٍ فلسطينية، دعوا جميع يهود العالم للهجرة إليها؛ لذلك من المتوقع أيضًا أنّه في حالة نجح الاستفتاء وانفصل الإقليم أن يكون أول تصريحات "بارزاني" دعوة كل أكراد العالم للهجرة إلى الإقليم الجديد، فهل سيتحول الإقليم إلى تل أبيب جديدة؟ هذا ما ستستفر عنه الأيام القليلة المقبلة.
.jpg)
انفصال جنوب السودان
لا يُخفى على أحد أيضًا انفصال جنوب السودان ومساهمة إسرائيل في إشعال هذه الأزمة عبر خطوط كثيرة: منها الثقافي والإعلامي والدعم العسكري، والتعاون الوثيق في مجال التكنولوجيا، خاصة أنَّ إسرائيل كانت أيضًا أول من اعترف بـ"جنوب السودان" كـ"دولة مستقلة".
وتساهم دولة الاحتلال في دعم الدولة المنفصلة في 2011 في مجال الزراعة من أجل تحسين إنتاجها الغذائي، على حد قول مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية، عبر الحقول العديدة التي تحتاج لدعم إسرائيلي تشمل: الزراعة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ووفقًا لسفير إسرائيل في جنوب السودان، حنا جودر، فهناك علاقة ثنائية جيدة بين الدولتين، وقال إن حكومة إسرائيل قد منحت في 2017 وحدها فرصًا لعشرين طالبًا من جنوب السودان يدرسون حاليًا الزراعة ويعملون في الوقت ذاته للتدريب على إدارة مجال الزراعة في دولتهم.
وفي تقرير لـ"الأسوشيتد برس" نُشر في 2016 أشار إلى أنَّ جنوب السودان استخدمت معدات الأسلحة والمراقبة الإسرائيلية لقمع المعارضة داخل الدولة، فيما أكَّد منتقدون لتصدير إسرائيل لهذه الأسلحة لجنوب السودان أنَّ سياسات إسرائيل العالمية لتصدير الأسلحة تفتقر إلى الشفافية والرقابة المناسبة، وتتجاهل الاستخدام المقصود لهذه الأسلحة.
وذكر تقرير للأمم المتحدة في يناير 2016 أن معدات المراقبة الإسرائيلية كانت تستخدم من قبل المخابرات السودانية الجنوبية، مما سمح لها باعتراض الاتصالات في مراقبة "معززة بشكل كبير" لمعارضي الحكومة، ووجد التقرير أيضًاً أن بندقية إسرائيلية أوتوماتيكية، تعرف باسم "الجليل الصغير" موجودة بأعداد أكبر مما كانت قبل اندلاع النزاع.



